سأبدأ حديثي بسؤال للطلبة الجامعين: هل التخصص الذي تدرسونه في الجامعة وفق اختياركم ورغبتكم؟ أعتقد أن غالبية الطلبة سيجيبون بلا. فلم يعد الوضع كما هو الحال في الماضي «في زمن الطيبين»، حيث يقرر الطالب منذ صغره المجال الذي يرغب في أن يتخصص فيه، فيكون هو حلمه ومناه، فيدرس ويتدرب ويجتهد ليحقق حلمه. أما طالب اليوم فيدرس التخصص المتاح له والذي سيحتاجه سوق العمل، حتى لو لم يتفق مع رغبته وميوله ومواهبه. نعم كثير من الطلبة، يتجاهلون رغبتهم في اختيار التخصص الذي يدرسونه في الجامعة، ويقبلون دراسة تخصص آخر بحجة أن هذا التخصص مطلوب لسوق العمل، فيعاني من صعوبات في الدراسة، ويبذل جهداً مضاعفاً للنجاح وتحصيل درجات عالية، تلك معاناة يعيشها الطالب سنوات في سبيل دراسة تخصص مطلوب في سوق العمل، ولا ننسى جهود الأهل لمساندته وتشجيعه لدراسة هذا التخصص.
وبعد هذا المشوار الطويل من الصبر والعناء تجده يقف منتظرا على أبواب الشركات والوزارات لسنوات راجياً الحصول على وظيفة. فلماذا نصنع هذه المفارقات ليعاني منها شبابنا؟! لماذا نجعل شبابنا يضيعون سنوات في دراسة تخصصات لا حاجة لها؟! بل لماذا تفتح بعض الكليات أبوابها لاستقبال الطلبة رغم يقينهم أن سوق العمل لا يحتاج لخريجي هذا التخصص. وكأنما أصبح الغرض من وجودها هو تخريج عاطلين، أليس من الأولى إغلاق مثل هذه الكليات؟
فالطلبة يجتهدون ويسهرون الليالي على أمل أن الشهادة التي سيحصلون عليها ستساعدهم على فتح الأبواب الموصدة للدخول لسوق العمل. ولكن ما أن يتخرج الطالب إلا ويجد نفسه أمام باب آخر موصد عليه أن يفتحه ليدخل سوق العمل من خلاله، سيجد من يقول له إن أردت وظيفة فعليك دراسة تخصص آخر لتجد فرصتك للعمل، عليك أن تخضع لبرامج تدريبية تعدك للعمل في مجال غير مجال تخصصك، ليطول بذلك مشوار التعليم الذي يسير فيه الطالب.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه، كم هي عدد السنوات التي يقضيها الفرد في التعليم والتدريب؟ وكم هي عدد السنوات التي يقضيها الفرد في الإنتاج والعمل؟ فالفرد يقضي اثني عشر عاماً في التعليم العام، ومعدل خمس سنوات في التعليم الجامعي، وغالباً ما يحتاج إلى عامين يخضع فيها للتدريب ليكتسب تخصصاً آخر، وأعني بهذين العامين «مدة البحث عن العمل»، أي أنه يقضي تسعة عشر عاماً على الأقل في التعليم والتدريب والتهيئة للدخول في سوق العمل، والفرد في هذه المرحلة يعتبر فرداً مستهلكاً معطلاً عن الإنتاج، ثم يقضي في مرحلة الإنتاج «العمل»، ضعف عدد السنوات التي قضاها في التعليم والتدريب، فكم هي قيمة المبالغ التي تنفق على تعليم وتدريب الفرد؟ سواء المبالغ التي تنفقها الدولة أو التي تنفقها الأسر لتعليم أبنائها. وكم هو قيمة العائد المادي الذي سيحصل عليه الفرد بعد حصوله على العمل؟ أتمنى أن يفوق هذا العائد كلفة التعليم والتدريب. وكم هو قيمة العائد المادي الذي سيعود على الدولة نتيجة عمل وإنجاز هذا الفرد وإسهامه في عملية التنمية؟ أسئلة محيرة للبعض، ومؤلمة للبعض الآخر.
وأرى أن هناك بعض التدابير التي قد تزيد من فاعلية الاستفادة من التعليم والتدريب وتقلل الهدر في هذا المجال، وهنا أقصد بالاستفادة من التعليم لإعداد المواطن لسوق العمل وليس لإعداد المواطن الصالح فهذا ليس موضوعنا اليوم. فمن هذه التدابير على سبيل المثال أن تعلن الجهات المختصة التخصصات التي يحتاجها سوق العمل على مدى عشر سنوات مقبلة فيسترشد بها الطلبة في اختيارهم للتخصص الجامعي، كما تسترشد فيها الجامعات لفتح الكليات وقبول الطلبة فيها، ومن هذه التدابير أن يدخل الفرد سوق العمل مبكراً ويلتحق بوظيفة في مؤسسة ما، ثم يستكمل دراسة الجامعية مساءا ليتطور في عمله ويترقى، وتوجه المبالغ التي ترصدها جهة العمل للتدريب لتدريس موظفيها في المجال الذي تحتاجه، وبذلك لن نعاني من الفجوة بين مخرجات التعليم وحاجة سوق العمل، كما أننا سنزيد من الفترة التي يقضيها الفرد في الإنتاج، وأخيراً كلنا نذكر تجربة شركة «بابكو» سابقاً حيث كانت توظف شباباً صغار السن وتهتم بتدريبهم وتعليمهم بحسب حاجة العمل، فبعض التجارب القديمة بها خبرات نوعية تفوق التجارب الحديثة المبتكرة فدعونا نتأملها ونستفيد منها.
وبعد هذا المشوار الطويل من الصبر والعناء تجده يقف منتظرا على أبواب الشركات والوزارات لسنوات راجياً الحصول على وظيفة. فلماذا نصنع هذه المفارقات ليعاني منها شبابنا؟! لماذا نجعل شبابنا يضيعون سنوات في دراسة تخصصات لا حاجة لها؟! بل لماذا تفتح بعض الكليات أبوابها لاستقبال الطلبة رغم يقينهم أن سوق العمل لا يحتاج لخريجي هذا التخصص. وكأنما أصبح الغرض من وجودها هو تخريج عاطلين، أليس من الأولى إغلاق مثل هذه الكليات؟
فالطلبة يجتهدون ويسهرون الليالي على أمل أن الشهادة التي سيحصلون عليها ستساعدهم على فتح الأبواب الموصدة للدخول لسوق العمل. ولكن ما أن يتخرج الطالب إلا ويجد نفسه أمام باب آخر موصد عليه أن يفتحه ليدخل سوق العمل من خلاله، سيجد من يقول له إن أردت وظيفة فعليك دراسة تخصص آخر لتجد فرصتك للعمل، عليك أن تخضع لبرامج تدريبية تعدك للعمل في مجال غير مجال تخصصك، ليطول بذلك مشوار التعليم الذي يسير فيه الطالب.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه، كم هي عدد السنوات التي يقضيها الفرد في التعليم والتدريب؟ وكم هي عدد السنوات التي يقضيها الفرد في الإنتاج والعمل؟ فالفرد يقضي اثني عشر عاماً في التعليم العام، ومعدل خمس سنوات في التعليم الجامعي، وغالباً ما يحتاج إلى عامين يخضع فيها للتدريب ليكتسب تخصصاً آخر، وأعني بهذين العامين «مدة البحث عن العمل»، أي أنه يقضي تسعة عشر عاماً على الأقل في التعليم والتدريب والتهيئة للدخول في سوق العمل، والفرد في هذه المرحلة يعتبر فرداً مستهلكاً معطلاً عن الإنتاج، ثم يقضي في مرحلة الإنتاج «العمل»، ضعف عدد السنوات التي قضاها في التعليم والتدريب، فكم هي قيمة المبالغ التي تنفق على تعليم وتدريب الفرد؟ سواء المبالغ التي تنفقها الدولة أو التي تنفقها الأسر لتعليم أبنائها. وكم هو قيمة العائد المادي الذي سيحصل عليه الفرد بعد حصوله على العمل؟ أتمنى أن يفوق هذا العائد كلفة التعليم والتدريب. وكم هو قيمة العائد المادي الذي سيعود على الدولة نتيجة عمل وإنجاز هذا الفرد وإسهامه في عملية التنمية؟ أسئلة محيرة للبعض، ومؤلمة للبعض الآخر.
وأرى أن هناك بعض التدابير التي قد تزيد من فاعلية الاستفادة من التعليم والتدريب وتقلل الهدر في هذا المجال، وهنا أقصد بالاستفادة من التعليم لإعداد المواطن لسوق العمل وليس لإعداد المواطن الصالح فهذا ليس موضوعنا اليوم. فمن هذه التدابير على سبيل المثال أن تعلن الجهات المختصة التخصصات التي يحتاجها سوق العمل على مدى عشر سنوات مقبلة فيسترشد بها الطلبة في اختيارهم للتخصص الجامعي، كما تسترشد فيها الجامعات لفتح الكليات وقبول الطلبة فيها، ومن هذه التدابير أن يدخل الفرد سوق العمل مبكراً ويلتحق بوظيفة في مؤسسة ما، ثم يستكمل دراسة الجامعية مساءا ليتطور في عمله ويترقى، وتوجه المبالغ التي ترصدها جهة العمل للتدريب لتدريس موظفيها في المجال الذي تحتاجه، وبذلك لن نعاني من الفجوة بين مخرجات التعليم وحاجة سوق العمل، كما أننا سنزيد من الفترة التي يقضيها الفرد في الإنتاج، وأخيراً كلنا نذكر تجربة شركة «بابكو» سابقاً حيث كانت توظف شباباً صغار السن وتهتم بتدريبهم وتعليمهم بحسب حاجة العمل، فبعض التجارب القديمة بها خبرات نوعية تفوق التجارب الحديثة المبتكرة فدعونا نتأملها ونستفيد منها.