في سبتمبر الماضي، عقدت هيئة البحرين للثقافة والآثار ملتقاها الوطني الأول للتراث الثقافي غير المادي، فيما كانت قد أولت إلى جانب ذلك اهتماماً بالغاً بالتراث الثقافي المادي لحضارات البحرين وأزمنتها المتعاقبة، وهي جهود تشكر عليها الهيئة بلا شك، بل ومدعاة للفخر والاعتزاز بما تحققه من مشاريع بحث ودراسة وعمليات تنقيب، لتصب جميعها في بوتقة التوثيق للمنجز الحضاري البحريني في مراحله التاريخية المختلفة، وما يرتبط به من مدلولات ثقافية وقيمة أثرية عالية.

ولأن الحضارات البحرينية موغلة في القدم، فإنه بلا شك أن تلك الحضارات قد خلقت كماً كبيراً من الآثار، أكثر من تلك التي تم العثور عليها وعرضت في متاحف المملكة. وفي إطار عناية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" بالتراث والآثار، تأتي الجهود البحرينية ممثلة بهيئة الثقافة في تسجيل آثارها، إذ سجلت المملكة قلعة البحرين "مرفأ قديم وعاصمة دلمون" في العام 2005، ثم سجلت في العام 2012 صيد اللؤلؤ ليكون شاهداً على البعد الاقتصادي الهام لجزيرة البحرين، وأضافت إلى قائمتها المسجلة في العام 2019 مدافن دلمون الأثرية.

كل تلك الآثار التي يجري التنقيب عنها والأخرى التي يجري تسجيلها دولياً، هي جزء من كل لم يتم التوصل إليه بعد، فطبيعة البحرين الجغرافية باعتبارها أرخبيلاً يحوي مجموعة من الجزر متفاوتة الحجم، أكسبتها مميزات وصفات الدول الساحلية ليس على المستوى الاجتماعي والسلوك الإنساني المنفتح والمتسامح وحسب، بل حتى على مستوى الإنتاج الثقافي المتعاقب والذي ارتبط جزء كبير منه بثقافة البحر كفن الغناء البحري الشعبي "الفجري"، ومجموعة من القصص حول البحارة، وارتباط الأمثال الشعبية والتوصيفات بثقافة البحر ارتباطاً وثيقاً. لكن الإيغال في الحديث عن البحر كرافد هام للتراث في مملكة البحرين لا يقف عند هذا الحد، فهناك بعد آخر أثري يستحق الالتفات لها بعناية وجدية بالغتين.

إن الامتداد التاريخي للحضارات في البحرين، يجعلنا مدفوعين للقول بأن ما خلفته لنا تلك الحضارات أكبر بكثير مما حصلنا عليه، وأن الجانب الأثري الذي حظي بفرصة واهتمام المنقبين في البر، لم يجد ما يكافؤه في البحر من عمليات تنقيب ضخمة، تتناسب مع الطبيعة الجغرافية للبلاد وارتباطها الوثيق بالبحر، ما يدفعنا أيضاً للقول بالآثار المغمورة في البحر والتي تستحق العناية والالتفات لها في باب التراث الثقافي المغمور بالمياه، والتي أولته اليونسكو اهتمامها أيضاً من خلال مجموعة من المشاريع لعل أبرزها التشجيع للتخصص في هذا الحقل، وتوفير الفرص الأكاديمية لذلك من خلال شبكتها للتوأمة بين الجامعات لعلم الآثار المغمورة بالمياه.

* اختلاج النبض:

ثقتنا في هيئة البحرين للثقافة والآثار عالية جداً، يعززها كل ما حققته من إنجازات مشرفة للبحرين وأهلها، وكم هو جميل لو يضاف إلى تلك الجهود مشاريع تنقيب بحرية واعدة تخرج لنا مزيداً من الآثار توطد علاقتنا بالبحر وما ارتبط به من أنشطة وأدوار منذ زمن سحيق، إلى جانب إمكانية إنشاء متحف متخصص بالتراث الثقافي المغمور بالمياه.