في سلسلة المقالات هذه، سيتم تسليط الضوء على المستجدات العلمية في مجال الطاقة وتغير المناخ. ونبدأ في هذا المقال بالتقرير الذي أصدرته وكالة الطاقة الدولية بتاريخ 13 نوفمبر 2019 حول توقعات الطاقة في العالم.
إذ تقوم وكالة الطاقة الدولية بإصدار سلسلة من التقارير حول توقعات الطاقة في العالم مع التركيز على الإنتاج والاستهلاك المتوقع للطاقة والانبعاثات ذات الصلة بالإضافة إلى السيناريوهات المستقبلية التي توضح الآثار المترتبة على تبني مختلف سياسات الطاقة والاستثمار فيها. وصدر العدد الأول من هذه التقارير العالمية في عام 2006، في حين صدر أول تقرير خاص في عام 2005 وانصب التركيز فيه على إنتاج واستهلاك الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتوالى صدور التقارير في هذه السلسلة ليصل عددها إلى نحو 49 تقريراً ما بين توقعات عالمية وتقارير خاصة تتعلق بمناطق جغرافية معينة أو مواضيع محددة.
وفي أحدث هذه التقارير، وهو تقرير توقعات الطاقة في العالم 2019، تم التركيز على الإجابة على خمسة أسئلة:
1- ما هي انعكاسات استخراج الزيت الصخري وتزايد نصيب الغاز الطبيعي المسال وانخفاض تكلفة مصادر الطاقة المتجددة وانتشار التقنيات الرقمية على المعروض من الطاقة في المستقبل؟
2- كيف يمكن تحقيق الأهداف المتعلقة بخفض انبعاثات غازات الدفيئة وغيرها من الأهداف المتعلقة باستدامة الطاقة في المستقبل؟
3- ما هي خيارات الطاقة المتاحة لسكان قارة أفريقيا في المستقبل؟ وكيف يؤثر ارتفاع نصيب الفرد من الطاقة المستهلكة في أفريقيا على الطلب العالمي للطاقة؟
4- ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه المحطات البحرية لتوليد الطاقة من الرياح في تغيير مزيج الطاقة في المستقبل؟
5- هل يمكن لشبكات الغاز العالمية أن تُستخدم في نقل طاقة منخفضة الكربون في المستقبل؟
ويسلط مقالنا اليوم الضوء على إجابة السؤال الثاني، وتحديداً استهلاك الطاقة وتحقيق ما تم الاتفاق عليه في اتفاق باريس للمناخ في 2015، ذلك أن نسبة كبيرة من انبعاثات غازات الدفيئة تكون نتيجةً لاستهلاك الطاقة الأحفورية. ويبني التقرير سيناريوهاته المستقبلية المتعلقة باستهلاك الطاقة ومصادرها والانبعاثات ذات الصلة على تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الصادر في 2018 والمعني بتغير المناخ وارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية في حد لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية. ويُشدد التقرير على أن الآثار المترتبة على ارتفاع متوسط درجة الحرارة بمقدار 2 درجة مئوية تفوق بكثير الآثار المترتبة على ارتفاعه بمقدار 1.5 درجة مئوية وذلك بعلاقة غير خطية. وعليه، فإن الارتفاع المتنامي في انبعاثات غازات الدفيئة من قطاع الطاقة ينبغي أن يتراجع قريباً ليصل إلى الصفر وذلك لتلافي العواقب المترتبة على ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية.
تم في تقرير توقعات الطاقة في العالم بناء مجموعة من السيناريوهات تتعلق بمواصلة العمل في سياسات الطاقة الحالية، وتنفيذ السياسات المعلنة، بالإضافة إلى تحقيق التنمية المستدامة وتحقيق الهدف من اتفاق باريس للمناخ. وفي ظل السيناريوهات الحالية، فسيرتفع الطلب العالمي على الطاقة بنحو 1.3% سنوياً حتى عام 2040 مما يعني استمرار النمو في انبعاثات غازات الدفيئة، وذلك بالرغم من أن هذه النسبة تقل نسبياً عن تلك البالغة 2.3% في عام 2018. أما سيناريو السياسات المعلنة فيوضح تأثير السياسات المحددة والمعلن عنها من قبل الدول على الطلب على الطاقة والانبعاثات في المستقبل. وفي هذا السيناريو، سيواصل الطلب على الطاقة ارتفاعه ولكن بنسبة أقل نسبياً «1% سنوياً حتى عام 2040» كما وستشكل الخلايا الكهروضوئية الشمسية أكثر من نصف النموفي حين سيشكل الغاز الطبيعي المسال ثلث هذا النمو. كما وستتباطأ نسبة نمو انبعاثات غازات الدفيئة في ظل سيناريو السياسات المعلنة، إلا أنها لن تبدأ في الانخفاض إلا بعد عام 2040. أما في ظل سيناريو التنمية المستدامة، فسيتم استخدام العديد من أنواع الوقود المنخفض الكربون والتقنيات عالية الكفاءة وذلك لتحقيق نسبة خفض كبيرة في انبعاثات غازات الدفيئة بما يحقق أهداف اتفاق باريس للمناخ. كما وستبلغ انبعاثات غازات الدفيئة ذروتها في عام 2020 عند نحو 35 جيجا طن ومن ثم ستتخذ منحنى تنازلياً حتى تبلغ نحو 10 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2050، وصولاً إلى صفر بحلول عام 2070. وبحسب مقارنة سيناريو التنمية المستدامة بسيناريوهات تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإنه من المرجح أن يرتفع متوسط درجة الحرارة بما يتراوح بين 1.5 و1.7 درجة مئوية بحلول عام 2050. وفي حال ظلت الانبعاثات صفراً من عام 2070 وحتى 2100، فإنه من المرجح، وباحتمالية 66%، أن يبلغ متوسط الارتفاع في درجة الحرارة العالمية 1.8 درجة مئوية في عام 2100. أما إذا تم استخدام تقنيات الانبعاثات السلبية فإن متوسط الارتفاع في درجة الحرارة في العالم سيبلغ 1.5 درجة مئوية في عام 2100 وذلك باحتمالية 50%. وفي حال الرغبة بتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية وذلك دون الاستعانة بتقنيات الانبعاثات السالبة، فإن انبعاثات غازات الدفيئة ينبغي أن تنخفض بدءاً من عام 2019 وصولاً إلى الصفر في عام 2050. وهذا ما يعني أن إمكانية تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية ما زالت موجودة، ولكنها تتطلب إجراءات جادةوعاجلة من قبل الجميع.
* فائدة:
تاريخياً، ليست دولنا مسؤولة عن تغير المناخ وذلك لنسبة الانبعاثات الضئيلة مقارنة بالدول الصناعية، ولكننا قطعاً نتأثر وسنتأثر بالتبعات المترتبة على تغير المناخ. وبالرغم من ذلك، فإن مشاركتنا في خفض الانبعاثات سريعاً، أو بالحد من النمو المتواصل في كمية الانبعاثات وإن لم يكن كبيراً، ضرورية كجزء من المسؤولية المشتركة ولما لها أيضاً من فوائد بيئية واقتصادية واجتماعية جمة. وقد بدأت مملكة البحرين فعلاً باتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير المتعلقة بتحسين كفاءة الطاقة وزيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة.
* أستاذ إدارة موارد الطاقة والبيئة المساعد – جامعة الخليج العربي
إذ تقوم وكالة الطاقة الدولية بإصدار سلسلة من التقارير حول توقعات الطاقة في العالم مع التركيز على الإنتاج والاستهلاك المتوقع للطاقة والانبعاثات ذات الصلة بالإضافة إلى السيناريوهات المستقبلية التي توضح الآثار المترتبة على تبني مختلف سياسات الطاقة والاستثمار فيها. وصدر العدد الأول من هذه التقارير العالمية في عام 2006، في حين صدر أول تقرير خاص في عام 2005 وانصب التركيز فيه على إنتاج واستهلاك الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتوالى صدور التقارير في هذه السلسلة ليصل عددها إلى نحو 49 تقريراً ما بين توقعات عالمية وتقارير خاصة تتعلق بمناطق جغرافية معينة أو مواضيع محددة.
وفي أحدث هذه التقارير، وهو تقرير توقعات الطاقة في العالم 2019، تم التركيز على الإجابة على خمسة أسئلة:
1- ما هي انعكاسات استخراج الزيت الصخري وتزايد نصيب الغاز الطبيعي المسال وانخفاض تكلفة مصادر الطاقة المتجددة وانتشار التقنيات الرقمية على المعروض من الطاقة في المستقبل؟
2- كيف يمكن تحقيق الأهداف المتعلقة بخفض انبعاثات غازات الدفيئة وغيرها من الأهداف المتعلقة باستدامة الطاقة في المستقبل؟
3- ما هي خيارات الطاقة المتاحة لسكان قارة أفريقيا في المستقبل؟ وكيف يؤثر ارتفاع نصيب الفرد من الطاقة المستهلكة في أفريقيا على الطلب العالمي للطاقة؟
4- ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه المحطات البحرية لتوليد الطاقة من الرياح في تغيير مزيج الطاقة في المستقبل؟
5- هل يمكن لشبكات الغاز العالمية أن تُستخدم في نقل طاقة منخفضة الكربون في المستقبل؟
ويسلط مقالنا اليوم الضوء على إجابة السؤال الثاني، وتحديداً استهلاك الطاقة وتحقيق ما تم الاتفاق عليه في اتفاق باريس للمناخ في 2015، ذلك أن نسبة كبيرة من انبعاثات غازات الدفيئة تكون نتيجةً لاستهلاك الطاقة الأحفورية. ويبني التقرير سيناريوهاته المستقبلية المتعلقة باستهلاك الطاقة ومصادرها والانبعاثات ذات الصلة على تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الصادر في 2018 والمعني بتغير المناخ وارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية في حد لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية. ويُشدد التقرير على أن الآثار المترتبة على ارتفاع متوسط درجة الحرارة بمقدار 2 درجة مئوية تفوق بكثير الآثار المترتبة على ارتفاعه بمقدار 1.5 درجة مئوية وذلك بعلاقة غير خطية. وعليه، فإن الارتفاع المتنامي في انبعاثات غازات الدفيئة من قطاع الطاقة ينبغي أن يتراجع قريباً ليصل إلى الصفر وذلك لتلافي العواقب المترتبة على ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية.
تم في تقرير توقعات الطاقة في العالم بناء مجموعة من السيناريوهات تتعلق بمواصلة العمل في سياسات الطاقة الحالية، وتنفيذ السياسات المعلنة، بالإضافة إلى تحقيق التنمية المستدامة وتحقيق الهدف من اتفاق باريس للمناخ. وفي ظل السيناريوهات الحالية، فسيرتفع الطلب العالمي على الطاقة بنحو 1.3% سنوياً حتى عام 2040 مما يعني استمرار النمو في انبعاثات غازات الدفيئة، وذلك بالرغم من أن هذه النسبة تقل نسبياً عن تلك البالغة 2.3% في عام 2018. أما سيناريو السياسات المعلنة فيوضح تأثير السياسات المحددة والمعلن عنها من قبل الدول على الطلب على الطاقة والانبعاثات في المستقبل. وفي هذا السيناريو، سيواصل الطلب على الطاقة ارتفاعه ولكن بنسبة أقل نسبياً «1% سنوياً حتى عام 2040» كما وستشكل الخلايا الكهروضوئية الشمسية أكثر من نصف النموفي حين سيشكل الغاز الطبيعي المسال ثلث هذا النمو. كما وستتباطأ نسبة نمو انبعاثات غازات الدفيئة في ظل سيناريو السياسات المعلنة، إلا أنها لن تبدأ في الانخفاض إلا بعد عام 2040. أما في ظل سيناريو التنمية المستدامة، فسيتم استخدام العديد من أنواع الوقود المنخفض الكربون والتقنيات عالية الكفاءة وذلك لتحقيق نسبة خفض كبيرة في انبعاثات غازات الدفيئة بما يحقق أهداف اتفاق باريس للمناخ. كما وستبلغ انبعاثات غازات الدفيئة ذروتها في عام 2020 عند نحو 35 جيجا طن ومن ثم ستتخذ منحنى تنازلياً حتى تبلغ نحو 10 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2050، وصولاً إلى صفر بحلول عام 2070. وبحسب مقارنة سيناريو التنمية المستدامة بسيناريوهات تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإنه من المرجح أن يرتفع متوسط درجة الحرارة بما يتراوح بين 1.5 و1.7 درجة مئوية بحلول عام 2050. وفي حال ظلت الانبعاثات صفراً من عام 2070 وحتى 2100، فإنه من المرجح، وباحتمالية 66%، أن يبلغ متوسط الارتفاع في درجة الحرارة العالمية 1.8 درجة مئوية في عام 2100. أما إذا تم استخدام تقنيات الانبعاثات السلبية فإن متوسط الارتفاع في درجة الحرارة في العالم سيبلغ 1.5 درجة مئوية في عام 2100 وذلك باحتمالية 50%. وفي حال الرغبة بتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية وذلك دون الاستعانة بتقنيات الانبعاثات السالبة، فإن انبعاثات غازات الدفيئة ينبغي أن تنخفض بدءاً من عام 2019 وصولاً إلى الصفر في عام 2050. وهذا ما يعني أن إمكانية تحقيق هدف 1.5 درجة مئوية ما زالت موجودة، ولكنها تتطلب إجراءات جادةوعاجلة من قبل الجميع.
* فائدة:
تاريخياً، ليست دولنا مسؤولة عن تغير المناخ وذلك لنسبة الانبعاثات الضئيلة مقارنة بالدول الصناعية، ولكننا قطعاً نتأثر وسنتأثر بالتبعات المترتبة على تغير المناخ. وبالرغم من ذلك، فإن مشاركتنا في خفض الانبعاثات سريعاً، أو بالحد من النمو المتواصل في كمية الانبعاثات وإن لم يكن كبيراً، ضرورية كجزء من المسؤولية المشتركة ولما لها أيضاً من فوائد بيئية واقتصادية واجتماعية جمة. وقد بدأت مملكة البحرين فعلاً باتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير المتعلقة بتحسين كفاءة الطاقة وزيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة.
* أستاذ إدارة موارد الطاقة والبيئة المساعد – جامعة الخليج العربي