إضرام النار في القنصلية الإيرانية في النجف خطأ وهو في العرف الدبلوماسي جريمة، وإضرام النار في أي مبنى تابع للبعثات الدبلوماسية في أي مكان في العالم خطأ وجريمة، والطبيعي هو أن تتم إدانة هذا الفعل من قبل الجميع من دون استثناء، لكن ما فعله النظام الإيراني في العراق حتى صار هذا البلد العربي يبدو وكأنه ولاية فارسية يجعل البعض يؤمن بأن هذا عقاب بسيط لهذا النظام وممارساته السالبة وتدخله المستمر في شأن العراق ودول المنطقة، وأنه عقاب مستحق بل أقل الجزاء.

المؤسف أن النظام الإيراني حرم الكثيرين من التعاطف معه في مثل هذه الظروف، وإلا فإن الطبيعي والصحيح هو أن يدين الناس أجمعين هذا الفعل ويعبروا عن تعاطفهم مع إيران.

العراقيون غاضبون من النظام الإيراني، يستثنى منهم المستفيدون منه والمهووسون به والمغسولة أدمغتهم والمتورطون في التعامل معه، لهذا فإن نسبة التعاطف مع كل فعل سالب يتعرض له هذا النظام في العراق تكون محدودة، فأهل العراق يرفضون التدخل في شؤونهم ويريدون لبلدهم الاستقرار، والأكيد هو أنه لا استقرار في العراق طالما استمر التدخل الإيراني في شؤونه وطالما ظل متمكناً من قرار أهل السلطة في العراق.

ليس من عراقي أصيل إلا ويؤمن بأن النظام الإيراني لا يريد الخير للعراق، فأي خير يرتجى من نظام حارب العراق ثماني سنوات ودمر كل مظاهر الحياة فيه وقتل أكثر من نصف مليون عراقي وتسبب في جرح وإعاقة الكثيرين؟

النظام الإيراني سعى إلى إخضاع العراق، والمؤسف أنه تمكن من ذلك إلى حد كبير، ولأن العراقيين يعرفون كل هذا ويدركون غايات هذا النظام لذا فإنهم لم يترددوا – في داخلهم على الأقل – عن التعبير عن فرحتهم بإحراق وتخريب قنصلية النظام الإيراني في النجف، وهكذا هو شعور جل العرب أو حتى كلهم، فالنظام الإيراني لم يبقِ له صديقاً ولا حتى من يسمح لنفسه بالتعاطف معه حتى وهو يؤمن بأن فعلاً كإضرام النار في القنصلية الإيرانية خطأ وأن هذا الخطأ يصنف في باب الجريمة.

المثير في هذا الحدث هو أن النظام الإيراني قرر على الفور بأن الذين قاموا بإضرام النار «جاؤوا من الخارج»، فهو يريد من ذلك القول بأن العراقيين راضون عن تواجد النظام الإيراني وبتدخله في الشأن العراقي وبأن الفاعلين ليسوا إلا ثلة «تعمل على تخريب العراق» وتريد أن «توقع العداوة بين البلدين.. الشقيقين».

الكلام نفسه قاله النظام الإيراني عندما تم الاعتداء على أحد مقار البعثة الدبلوماسية السعودية في إيران، فقد قال هذا رغم توفر ما يكفي من أدلة بأن الذين قاموا بذاك الفعل هم من عناصره وأنهم كانوا مكلفين بالقيام بتلك الجريمة.

النظام الإيراني لن يهتم كثيراً بمسألة إحراق قنصليته في النجف، وهو لن يلتفت إلى كل فعل يعبر به العراقيون عن غضبهم من التواجد الإيراني في بلادهم، فالأهم عنده هو أن يظل متواجداً في العراق ومتدخلاً في قراره وواثقاً بأن الحكومة العراقية لا يمكن أن تفلت من قبضته، وواثقاً بأنها ستقوم بمهمة معاقبة من قام بإضرام النار في القنصلية بدلاً عنه.

هذا النظام سيفعل المستحيل كي يبقى في العراق، والأكيد أنه لن يخرج منها إلا بعد إسقاطه وتحرر الشعب الإيراني من ربقته واستعادته حريته، والأمر نفسه سيفعله الشعب العراقي، فهذا الشعب لن يهدأ له بال طالما ظل النظام الإيراني متواجداً في العراق ومتدخلاً في شؤونه وقراره، ومتمكناً من السلطة الحاكمة فيه. لهذا فإن تعرض مصالح النظام الإيراني في العراق للخطر أمر وارد في كل حين.