كانت البحرين في القرن الخامس مركزاً للمسيحية النسطورية وكنيسة المشرق وكانت سماهيج مقراً لرئيس الأساقفة، حيث اشتهرت بالبساتين الخضراء والمياه الصافية الغزيرة بالإضافة إلى كونها قديماً أحد أسماء المحرق بعد أرادوس استناداً للخرائط التي تعود لسنة 1765.

ذكر اسم سماهيج كثيراً في التاريخ المسيحي للمنطقة ولكن لم يتم العثور فيها على أي بقايا أثرية تثبت ذلك في ذلك الوقت، إلى أن جاءت رغبة أهالي سماهيج في تعديل «مسجد الشيخ مالك السماهيجي» فكان دافعاً لاكتشاف أول دليل أثري لمجتمع مسيحي في منطقة المحرق عن طريق فريق بريطاني بحريني من علماء الآثار برئاسة البروفيسور تيموثي إينسول ود.راتشيل ماكلين من جامعة إكستر ود.سلمان المحاري من هيئة البحرين للثقافة والآثار وبالتعاون مع المجتمع المحلي.

ومن خلال عمليات التنقيب الأثرية تم العثور على تلة مرتفعة وسط مقبرة في سماهيج تعلوها بقايا لمسجد وفي الأسفل مبنى مسيحي لربما يعود للقرن السابع الميلادي، فهل هذا دليل على أن سماهيج كانت قبل الإسلام مركزاً حضارياً للمسيحيين؟ أو أنه دليل على أن أرض دلمون أرض للتعايش والتسامح بين الأديان؟

هناك الكثير من الاكتشافات الأثرية ترجع لفترة دلمون وتايلوس والفترة الإسلامية أما فترة المسيحية لا يوجد أي إثبات مادي لها، كنّا فقط نقرأ عن وجود كنائس بإقليم البحرين قديماً وعن وجود عائلات مسيحية تسكن المنامة وفريق المخارقة بالتحديد، إلى أن تم العثور اليوم على أول دليل أثري مادي وهو عبارة عن مبنى يبلغ طوله 17 متراً وعرضه 10 أمتار وبه عدة غرف مزينة بالجص المزخرف والمنحوت ووجود قطع حجرية محفور عليها نقش للصليب ووجود كسر أوعية فخارية كانت تستخدم لشرب وتخزين النبيذ.

إن هذا المبنى الأثري يؤكد على وجود الحقبة المسيحية» النسطورية « في سماهيج بالمحرّق، ولكن لماذا تزاوجت المعالم المسيحية والإسلامية في نفس الموقع وما سر وجود المسجد في المقبرة وما سر وجود مبنى المسجد على مبنى المقبرة وأن المسجد بلا محراب ولم الناس هجروا هذا المسجد، ولم تكثر بين أهالي سماهيج أسماء مريم وعيسى ويحيى؟! وهل سكان هذه المنطقة حقاً كانوا مسيحيين وبعد دخولها الإسلام تحولت كنائسها التي تقع على أماكن مرتفعة إلى مساجد؟

كثيراً ما سمعنا عن المسيحيين الذين كانوا يقطنون أرض البحرين منذ القدم بسبب أنها أرض الخير والاستقرار والانتعاش والاقتصاد وعن دور المرسلين الإنجيليين الأمريكيين في البحرين قبل 100 سنة في تأسيس أقدم كنيسة بمنطقة الخليج بالإضافة إلى إنشاء مستشفى الإرسالية الأمريكية والكنيسة الإنجيلية الوطنية البروتستانتية التي أسست عام 1906، ومدى انخراط العوائل المسيحية البحرينية في المجتمع البحريني، حيث يوجد أكثر من 100 عائلة مسيحية بحرينية و18 كنيسة مسجلة و100 كنيسة مصغرة، إنها عوائل عريقة كعائلة سمعان وحيدر وأوجي وأنطون ووديع ونصيف وغيرها التي قطنت قديماً في الطرف المحاذي لمستشفى الإرسالية الأمريكية وكانت بيوتهم متلاصقة مع بيوت المسلمين.

إن هذا الحدث المهم الذي تشكر عليه هيئة البحرين للثقافة والآثار برئاسة معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، جاء ليثبت التاريخ المسيحي العريق مادياً بالمملكة، ويؤكد على أن البحرين ستظل دائماً بلداً للتعايش والتسامح منذ أن كانت دلمون وحتى اليوم. في عهد مليك حكيم، حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه.