يسألني شخص قبل أيام: أنت عايشت بدايات المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، ورأيت كيف أثرت إصلاحات جلالته على الجانب الإعلامي وزيادة مساحات الحرية. فهل يمكنك أن تبين لي الفارق بالنسبة لوقتنا الحالي اليوم؟!

سألته عما إذا كان يقصد بأن الحرية في الإعلام تقدمت أكثر، وحظيت بمكتسبات أكبر، أم أنها واجهت صعوبات؟! أجاب بـ«نعم».

قلت له: لست ممن يؤمنون بأن الحرية في التعبير لدينا تراجعت، بل لدينا شواهد عديدة على أن الكلمة كان لها صدى وقوة، وتقدمت بشكل كبير جداً، والفضل في ذلك يعود للملك حفظه الله، وكذلك سمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد، فرموزنا هم الداعمون الأقوياء للصحافة، وكثيرة هي اللقاءات التي تشرفنا بالاجتماع بهم حفظهم الله وأكدوا فيها علينا ككتاب على ضرورة إيصال أصوات الناس، وتحمل المسؤولية في بناء هذا الوطن بالسير على نهج الإصلاح.

واسترسلت قائلاً: لكن المشكلة الدائمة التي تواجهها الصحافة، هي بفهم بعض المسؤولين وأصحاب القرار في مواقع المسؤولية في بعض القطاعات، فهمهم لدور الصحافة الحقيقي، إدراكهم للمكاسب التي يتحصل عليها الوطن في عمله وحراكه حينما تسود الشفافية، وحينما يمكن للفرد أن يعبر عن رأيه بلا تردد. في رأيي أن سعة الصدر لدى بعض المسؤولين لم تواكب حجم هذا الانفتاح، ولم تستطع أن تتأقلم مع سقف الحريات الذي نمضي فيه.

نعم المشكلة ليست في المبدأ، أي حرية الصحافة ورفع السقف، بقدر ما هو أسلوب تعاطي جميع الأطراف مع «المبدأ»، فهناك من يؤمن به ويعمل على تقويته وتعزيزه، وهناك من يفهمه بشكل خاطئ، ويراه تهديداً له، وقد يدفعه ذلك لمحاربة التغيير أو مقاومته. المبدأ موجود ولابد من تعزيزه ولا يمكن التخلي عنه، والإصلاح بالتالي يكون في تعاطي وفهم الناس.

عدت في أرشيف مقالاتي الذي أمتلكه منذ بداياتي الصحفية كصحفي ممتهن للمهنة، أي في 1999، ووجدت عدداً كبيراً من المقالات فيها من النقد القوي، والكلام الصريح الموجه، ما يمكن أن أدحض به أي قول يدعي أن الانفتاح الصحفي لم يتقدم بشكل مطرد ووصل لمراحل متقدمة، حتى لحظة كتابة هذه السطور.

هناك انتقادات عديدة وجهت لأخطاء فيها شواهد وأدلة، وبعض منها موثق في تقارير ديوان الرقابة، وبعض منها مرتبط بتجارب مواطنين تحصلوا على حلول من خلال طرحها في الصحافة، والجميل أن هذه الحلول والتفاعل كان كثيراً منها يأتي من جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد، وهذا هو مصدر فخر لصحافتنا ودافع لها للاستمرار في القيام بدورها في المشروع الإصلاحي.

لكن ما كنا نسجله من ملاحظات، هي تلك التي تتعلق ببعض المسؤولين الذين يرون فيما تكتبه الصحافة وما ينتشر من نقد حتى في أوساط الناس، وكأنها حملة ضدهم، وهذا غير صحيح على الإطلاق، بدليل أن هناك مسؤولين من وزراء وغيرهم متفاعلون بشكل سريع ودائم مع ما يكتب وينشر، فيردون بالتوضيح، وقد يعقدون مؤتمرات ولقاءات للاستزادة من المعلومات ولإيضاح الصورة والملابسات، في تفاعل رائع، هو العمل المطلوب في دولة مؤسسات وقانون داعمة للحرية والديمقراطية.

وعليه فإن زبدة القول هنا تتمثل بأن على بعض المسؤولين أن يعرفوا بأن الصحافة والكتاب الذين يمارسون النقد لأجل الإصلاح، إنما هم يسعون لخدمة الوطن وأهله، وهذا هو الهدف ذاته الذي يجب أن يعمل لأجله المسؤولون، وإن وجدت أخطاء فعلى المسؤولين تصحيحها وعدم نسيان هذا الواجب عليهم، لا تركه والتفرغ لمحاربة الصحافة والتضييق عليها.

وهناك مسؤولية أيضاً تقع على من يمسك القلم ومن يمارس الصحافة، إذ النقد الهادف الذي يسعى لبناء الوطن وتصحيح الأخطاء فيه وإيصال نبض المواطن، هو نقد لابد وأن يكون بمعزل عن استهداف الأشخاص بأساليب غير موضوعية أو غير مهنية، بحيث تسيء لاستخدام هذه الحرية والانفتاح، فتحول النقد والحرية إلى حروب شخصية واستهداف غير مهني، والأخير هو من يضرب في أعراف وأمانة السلطة الرابعة.

كلنا نريد خدمة البلد، كلنا نقف مع جلالة الملك، كلنا نريد حماية الحرية والديمقراطية، ويمكننا فعل كل ذلك عبر التزام كل طرف بمسؤوليته الأدبية وعدم الحياد عنها.