لم أدرك قيمة الأمن والأمان لانغماسي فيهما طيلة حياتي، فلقد عشت طيلة أيام حياتي في أمن وأمان، لم أخشَ اللعب مع أقراني في الحي الذي كنت أعتبره امتداداً طبيعياً لمنزلنا، فمن شدة الأمن والأمان التي حظيت بهما كان باب بيتنا لا يغلق إلا فيما ندر. ولم أكن أخشى من أن أتعرض لأي مكروه وأنا أذهب إلى المدرسة مشياً على الأقدام.

نادراً ما كنت أسمع عن الجرائم، لم أسمع عن أن هناك بيتاً سرق مطلقاً طيلة فترة طفولتي، لم أسمع عن حادث قتل، ومازالت أتذكر أنني استرقت السمع للنساء وهن يجلسن مع والدتي لتناول شاي الضحى، وقد قالت إحداهن أن زوجة جارنا الآسيوية «انتحرت»!! كنت أعرف مصطلح الانتحار من المسلسلات والأفلام التي أشاهدها في التلفزيون فقط، وأذكر أن أمي ردت على صديقتها قائلة: «إحنا ما عندنا هالسوالف في البحرين، هذي ما تخاف الله، هذا اللي يأخذ له وحدة مو من ثوبه» ففهمت بأن ثقافة زوجة جارنا لا تحرم مفهوم الانتحار ولا تستنكره.

وأذكر بأن لدينا إحدى الطالبات في الفصل تمد يدها لتسرق بعضاً من القرطاسية الخاصة بنا، وعندما أخبرت أمي عن تصرفها قالت لي: «لعلها لا تملك قرطاسية، واشترت لها عدداً من الأقلام الملونة، وبعض الألوان، وطلبت مني أن أضعها في شنطتها دون أن تشعر»، ولم أذكر أن هذه الطالبة مدت يدها مرة أخرى لتأخذ شيئاً آخر مني أو من زميلاتي.

لم أدخل مركز الشرطة قط لا شاكية ولا مشتكية، ولم أشهد عراكاً في مكان عام مطلقاً. وكبرت، وأصبحت أكثر إدراكاً، وكنت دونما أية مبالغة أعيش في عالم حالم لا يعرف إلا الأمن والأمان على جميع المستويات، فالقانون كان فوق الجميع، وكان هو الحاكم والناظم في تعاملاتنا، وبدأت وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة المحلية تنشر لنا عدداً من الجرائم بين الفينة والأخرى، وهي جرائم مستحدثة لم نعتد عليها، ولا نستطيع أن نطلق عليها مفهوم «الظاهرة».

ومازالت أذكر زيارة إحدى صديقاتي من أحد الدول العربية الشقيقة التي أبدت انبهارها على حسن التنظيم لدينا لدرجة أنها قالت لي بالحرف الواحد «أشعر أن بلادكم تمشي بالريموت كونترول، من شدة التنظيم»، وقد أبدت إعجابها بنظام المرور واحترامنا لقواعد السير التي تفتقدها في بلدها.

وفجأة، ودونما سابق إنذار أرى هذا الوطن الآمن المستقر، يغدو في حال غريبة بالنسبة لي وينقلب الحال رأساً على عقب، لأرى إطارات السيارات تشتعل وتقطع حركة السير وتهدد مستخدمي الطرق، وأرى الأدخنة تتصاعد من كل حدب وصب، وأرى تجمعات غير مصرحة تقوم بتعطيل الحياة العامة، وأشهد شجاراً وعراكاً لفظياً بين الأخ وأخيه، وأستمع إلى ألفاظ لم أعتدها من قبل، وأرى جدران المنازل تكتب عليها شعارات تشجع على العنف والطائفية، وتشوه البلد الجميل النظيف الذي اعتدت عليه.

وهنا أدركت قيمة الأمن، فلولا لطف الله وحكمة مملكتنا وبلادنا الرشيدة، وفعالية رجال الأمن البواسل، لما عاد الأمن والأمان إلى سابق عهده. ومنذ تلك اللحظة بت أكثراً إدراكاً بأن الأمن هو أساس كل شيء.

* رأيي المتواضع:

ندرك قيمة الأشياء عندما نفقدها، ولا قيمة لأي شيء إذا انتفى الأمن.. فما قيمتنا دون أوطان آمنة، ما قيمة أحلامنا وتطلعاتنا ونحن نعيش في وضع غير مستقر، ما فائدة جهدنا وجدنا إذا كان الوضع الأمني غير مستتب؟!

عندما ترتب أولوياتك في الحياة، ستدرك بأن الأمن يأتي على رأس هذه الأولويات.

فكل الشكر لرجال الأمن البواسل على جهودهم في استتباب الأمن والأمان في مملكة البحرين الغالية على طيلة 100 عام المنصرم.

مائة عام من الأمن والأمان، مائة عام من الإخلاص والعطاء، وبإذن الله سنكمل المسيرة لتكون جميع أعوامنا بخير وأمن وأمان.