كثيرون أولئك المتفكرين في الكون والحياة، والباحثين عن المعرفة في شتى مجالاتها، صحيح أن أبناء هذا الزمان ينزعون إلى التخصص في مجال معين وعدم الإبحار في كثير من العلوم، ودراسة تخصصهم دراسة دقيقة مفصلة، إلاَّ أنه مازال هناك القلة القليلة من المتفكرين الموسوعيين، أو لنقل الباحثين الذين لا يقيدون أنفسهم بقيد التخصص وإن انخرطوا فيه لضرورات مهنية أو نتيجة لظروف البرامج الأكاديمية ضيقة الأفق في الجامعات.

يرى البعض الباحثين في كل شيء وكأنهم متخبطون في الحياة، لا يعرفون لأنفسهم مستقر، ويراهم البعض أنهم لم يجدوا أنفسهم بعد ولهذا فهم مازالوا في حالة من الشتات، غير أنه برأيي فإن هؤلاء هم من أدركوا الحياة، وعلموا أن الإيغال في التخصص يعني الخروج منها أو تغطية عيونهم عن أصلها ومحاولة فهمها. لن أدعي أنني من هؤلاء، ولكنني أمضي أبحث عمّا يثير فضولي ويخلق في نفسي جملة من الأسئلة التي تراودني -على نحو مزعج أحياناً- فلا أفتر حتى أجد لها إجابات مقنعة، أو الحد الأدنى الممكن من الإجابات التي يمكن التوصل إليها من خلال ما توصل إليه علماء وباحثون سابقون، أو من خلال تكوين فكرة خاصة حول الأشياء عبر البحث والمطالعة والتحليل والتأمل.

مازلت ماضية في رحلة البحث عن الحقيقة، الحقيقة المطلقة، وليست تلك الحقيقة التي نعرفها، حمّالة الأوجه. بالأمس تحدثنا عن الأفكار ومسائل متعددة تتعلق بالإيمان، ومن ثم انطلقنا للشك في البصر ومنه إلى بقية الحواس الأخرى لدينا، واليوم أردت الوقوف على مفهوم الزمان، وهو من المفاهيم الشائكة والمثيرة للفضول والجدل في آن، فنسبية الزمان قد تتجلى بوضوح في أحلام النائم، فرغم أننا نرى أحلاماً نقدرها زمنياً بتقديرات مختلفة تتراوح بين دقائق إلى ساعات -وهو ما نشعر به فعلاً داخل الحلم وبعده- يجمع علماء الأعصاب على أن الحلم في الواقع لا يتجاوز 7 ثوانٍ..!!! ربما أثار ذلك استغرابكم، وأنا أيضاً.

لن أخفيكم أنني من الناس كثيري الأحلام، ويجعلني قول العلماء في حيرة من أمري بشأن نسبية الزمن، وهي مسألة تكاد تكون قريبة جداً من فكرة الأحاديث التي جيء بها من قبل فيما اتُفق على تسميتهم «العائدين من الموت» بغض النظر عن حقيقة ذلك، فبينما سردوا الكثير من الأحداث التي رأوها والتي تستغرق سنوات ربما، وبعدما شقوا مسافات ضوئية كبيرة للوصول للعالم الذي ذهبوا إليه وعادوا منه، إلاّ أن فترة موتهم التي قدرها الأطباء لم تستغرق إلا دقائق، لا يمكن مقارنتها بحجم ما رووه من أحداث على المستوى الزمني المعلوم لدينا، فما هو الزمن الحقيقي؟ وكيف تضيق بنا في هذه الحياة القدرة على الوصول إلى الحقيقة عبر أجساد تقيد حواسنا واستشعارنا لكثير من الأمور من حولنا؟

* اختلاج النبض:

مفهوم الزمان، موضوع كبير جد كبير، ولا يمكن تغطيته من خلال مقال مقتضب، ما يحدوني للوقوف عليه ملياً في مقالات قادمة، والغاية من ذلك البحث في المفاهيم المطلقة التي توازي الحقيقة وتشرع لنا أبواباً مازالت مواربة في رحلة البحث الطويلة.