كنت أتحدث لأيام مضت حول الحقيقة بإخضاع الواقع الذي نعيشه لمجاهر تأملية أعمق وأبعد من مستوى أنظارنا المجردة، لسبر أغواره والتحقق إذا ما كان واقعاً بالفعل أم أنه وهم وقد تراءت لنا الحياة بأكملها على نحو غير حقيقي. إن كان –عزيزي القارئ– هذا أول مقال تقرأه لي خلال الأسبوع الأخير، فأدعوك لقراءة المقالات السابقة لتتبلور الصورة أكثر لديك.

على كلٍ تناولت في الحديث عن الوهم كيف أن الحياة قد لا تكون حقيقية بما يكفي، وفي لحظة تشعر أن كل ما حولك حلم بما في ذلك الشخوص الذين تعاشرهم وتتفاعل معهم باستمرار، وكنت قد تعرضت للحديث عن وفاة قريب عزيز أحدثت في داخلي هزة من الأفكار تزامنت مع تفكري في الحياة، هي مجرد تأملات شخصية أشاطركم فيهم، وكنت قد أشرت إلى البون الشاسع بين ما نراه في الأحلام وقياساتنا الزمنية للحلم، وبين قياس العلماء الدقيق الذي يعني أن مسألة الزمان نسبية وقياسه الكوني مغاير تماماً لقياسه الأرضي الذي نعتمد فيه ساعاتنا المعروفة ذات الستين دقيقة بواقع ستين ثانية لكل دقيقة أيضاً.

تحدثت قبلاً، كيف أن الأفكار تقود مصيرنا، وربما الأفكار والانطباعات حول الأشياء هي ما يسبغها صفة الواقع التي نراها عليه، ولذلك يقال إن الأفكار تصنع حياتنا وتؤثر فيها بقوة. وأردت الوقوف اليوم على ذلك تحديداً، فمن تجربتي الشخصية الطريفة ربما، عندما تتعاقب عليّ الأزمات، وأتمنى أن أجد لها مخرجاً معيناً أو أمنية ما ولا أَجِد إليها سبيلاً، أتذكر قصة الأميرة النائمة، وأقول في نفسي: «ما أدراني إن لم يكن كل ما أعيشه الآن ما هو إلا حلم سأستفيق منه قريباً، بل سأستفيق منه لا محالة مهما طال، وأن الواقع الذي أعيشه وردي مورق جميل»..!! قد يبدو لكم هاجسي ضرب من التهريج أو تبادل الطرائف، ولكن لطالما راودني ذلك الشعور، ولا أدري إن كان ذلك الشعور هاجساً بالفعل أو وميضاً لفكرة لم تطرق بما يكفي بعد، أو ربما وجد إليها بعض العلماء أو المفكرين أو حتى الناس الاعتياديين سبيلاً وبدأت تلمسها على مستوى شخصي للتو.

الأفكار تصنع حياتنا وتؤثر فيها، بل وتؤثر في أجسادنا، ومؤشر ذلك لاحظته بوضوح عندما كنت أدخل لأفلام الإثارة والأكشن في السينما، فأخرج من الفيلم وأنا في حالة من التعب والإجهاد، وكأنني من كان يركض طوال الوقت أو يحارب أو يمارس أي مما كان أبطال الفيلم يؤدونه من أدوار. وهكذا في بقية الأفلام، ولعل أغلب الفتيات اختبرن حالة الحب التي تعتريهن في أفلام الرومانسية، أو اختبر كثيرون حالة الفرح والمرح عند مطالعة أفلام الكوميديا، وكلها يترجمها الجسد إلى استقرار أو اضطراب ما، رغم أن الأفلام ما هي إلاَّ مجرد أفكار معروضة علينا، حتى أننا لم نشارك فيها فعلياً ولكنها ألقت بظلال تأثيرها على أجسادنا وربما حياتنا.

* اختلاج النبض:

كل ما نتعرض له في الحياة يشكل شخصياتنا وحياتنا واختياراتنا، فاختلافي عن الآخر في قراءاتي ومطالعاتي من الأفلام والمواقف التي مررت بها والمواضيع التي درستها والأصحاب الذين رافقتهم، كل تلك الأشياء تجعلني، وتجعل كل مرأ على مستوى كلي من الاختلاف بحيث يستحيل تكراره مرتين في هذه الحياة بنفس المستوى من الدقة. ولكن هل ذلك الاختلاف إذا ما قيس على الجسد الأثيري أو الروح حقيقياً فعلاً؟!!