لم تكن أول من يشكو من الأزمة ذاتها، أو ما يشابهها. قبلها جاءتني إحداهن تحكي لي عما تعانيه من الفارق بين تعاملها مع الآخرين، وما يبدونه تجاهها. تبادرهم بالاحترام والتقدير ويعاملونها بقسوة وانتهازية. قلت لها: ببساطة، أنت تسلمين مفاتيحك للآخرين. وخصوصاً مفتاح ضعفك وهشاشتك. الثانية كانت تشكو بألم ممزوج بالدموع خيبةَ أملها من تعامل أسرتها معها، برغم كل التضحيات الجليلة التي قدمتها ومازالت على استعداد لتقديمها لأجلهم. إنها الهشاشة ذاتها، التي نبدو بها مكشوفين أمام الآخرين، فيوجعوننا بقسوتهم ونكرانهم ما نظن أننا زرعناه من خير، ونتوقع، أن نحصده.
الجذر المشترك لكثير من القصص المشابهة للحالتين السابقتين، هي أننا تعودنا أن نحب الآخرين أكثر، وأن نفضلهم علينا. إنها نتاج تربية الشمعة التي تحترق لتنير طريق الآخرين. وبعد أن تحترق نستاء من آثار ذوبان شمعها فنلملمه ثم نرميه. هذه التربية التقليدية تعلمنا أن نكون رقم «3 أو حتى 10» في حياتنا. فللوالدين الأولوية أو الزوج أو الأبناء. ثم تزداد هذه الأولويات ليدخل فيها باقي الأهل والأصدقاء، وأحياناً أصحاب الحاجات والضعفاء من حولنا. فنصير نفني جهدنا من أجل الآخرين، وما نملكه ليس لنا بل للآخرين. ثم نقع في الصدمة حين يعاملنا أحدهم بازدراء وقسوة غير مبررة.
نحن لم نتعلم أن نحب أنفسنا أولاً. بل نحن لم نتعلم من معنى محبة الذات غير معنى الأنانية والنرجسية. ونحن تعلمنا مفاهيم التقدير وحسن الإنصات والصفح والمساعدة من خلال تعاملنا مع الآخرين، ولم نجربها مع ذواتنا. نحن نجتهد لاكتشاف شخصيات الآخرين واهتماماتهم واحتياجاتهم كي نتقن التعامل معهم. ولا نجرب تلك الطرائق مع ذواتنا. وفي واقع الأمر، فإننا لن نحب الآخرين كما ينبغي إن لم نحب أنفسنا أولاً.
أن تحب نفسك، يعني أن تقبلها كما هي بمزاياها وعيوبها. أن تستمع لنفسك وشكواها واحتياجاتها. أن تقدر نفسك وتدرك أنك متميز عن الآخرين، لأنك في حد ذاتك آخر. وأن تسامح نفسك عن ضعفها وأخطائها وزلاتها. أن تحب نفسك يعني أن تقدر نفسك كما ينبغي وألا ترضى لها موقعاً لا يناسبها. وقد تبدو تلك الأفكار سهلة جداً وفي متناول التحكم. لكنها صعبة التنفيذ. لأن أقسى ناقد لنا هي نفسنا. وأعتى متحكم فينا هي نفسنا. وأحياناً تتطرف بنا مشاعرنا لنمارس ما يسمى «كراهية أو ازدراء الذات»، رغبة من أنفسنا في تقوية عزائمنا وتجاوز الصعب، أو ربما تكون تلك المشاعر ممارسة لسلوكيات روحانية أقرب للتصوف والرهبنة.
محبة الذات هي ممارسة طويلة ومعقدة ورحلة ذاتية يصعب توحيد مساراتها للجميع. علينا أولاً أن نقيم علاقة جيدة مع ذواتنا. أن نكتشف قصتنا الشخصية من الطفولة حتى ما نحن عليه اليوم. وأن نتتبع آثار الحزن والألم والإخفاق كيف تشكلت وإلى ماذا انتهت. أغلب الأسباب، كما يفسرها المحللون النفسيون، ستكون نتاج سوء تفاهمات نعقدها نحن مع العالم ومع الأشياء من حولنا. حين نفهم العالم خطأ فإن كل حياتنا ستكون مضطربة. وحين نصحح مفهوم العالم في أذهاننا، ونرسم صورة إيجابية عن ذواتنا، ستنضبط علاقتنا بالآخرين وستقل أسباب الحزن والألم وسيتراجع منسوب تثميننا لأشياء كثيرة لن تستحق أن نبذل لأجها مجهوداً أكبر ولن تستنزف مشاعرنا.
أن تحب نفسك، أن تعتني بصحتك وتدلل ذاتك وتكافئها كما تكافئ الأطفال الطيبين. أن تتوقف عندما تتعب. أن تطفئ كل صوت مزعج حين ترغب بالاسترخاء. أن تحب نفسك، أن تدرك أنك الأول في عالمك، وأنك لن تتمكن من محبة الآخرين ومساعدتهم إذا لم تكن مؤمناً بأنك أنت في درجة أعلى منهم وفي أهمية مقدمة عليهم.
{{ article.visit_count }}
الجذر المشترك لكثير من القصص المشابهة للحالتين السابقتين، هي أننا تعودنا أن نحب الآخرين أكثر، وأن نفضلهم علينا. إنها نتاج تربية الشمعة التي تحترق لتنير طريق الآخرين. وبعد أن تحترق نستاء من آثار ذوبان شمعها فنلملمه ثم نرميه. هذه التربية التقليدية تعلمنا أن نكون رقم «3 أو حتى 10» في حياتنا. فللوالدين الأولوية أو الزوج أو الأبناء. ثم تزداد هذه الأولويات ليدخل فيها باقي الأهل والأصدقاء، وأحياناً أصحاب الحاجات والضعفاء من حولنا. فنصير نفني جهدنا من أجل الآخرين، وما نملكه ليس لنا بل للآخرين. ثم نقع في الصدمة حين يعاملنا أحدهم بازدراء وقسوة غير مبررة.
نحن لم نتعلم أن نحب أنفسنا أولاً. بل نحن لم نتعلم من معنى محبة الذات غير معنى الأنانية والنرجسية. ونحن تعلمنا مفاهيم التقدير وحسن الإنصات والصفح والمساعدة من خلال تعاملنا مع الآخرين، ولم نجربها مع ذواتنا. نحن نجتهد لاكتشاف شخصيات الآخرين واهتماماتهم واحتياجاتهم كي نتقن التعامل معهم. ولا نجرب تلك الطرائق مع ذواتنا. وفي واقع الأمر، فإننا لن نحب الآخرين كما ينبغي إن لم نحب أنفسنا أولاً.
أن تحب نفسك، يعني أن تقبلها كما هي بمزاياها وعيوبها. أن تستمع لنفسك وشكواها واحتياجاتها. أن تقدر نفسك وتدرك أنك متميز عن الآخرين، لأنك في حد ذاتك آخر. وأن تسامح نفسك عن ضعفها وأخطائها وزلاتها. أن تحب نفسك يعني أن تقدر نفسك كما ينبغي وألا ترضى لها موقعاً لا يناسبها. وقد تبدو تلك الأفكار سهلة جداً وفي متناول التحكم. لكنها صعبة التنفيذ. لأن أقسى ناقد لنا هي نفسنا. وأعتى متحكم فينا هي نفسنا. وأحياناً تتطرف بنا مشاعرنا لنمارس ما يسمى «كراهية أو ازدراء الذات»، رغبة من أنفسنا في تقوية عزائمنا وتجاوز الصعب، أو ربما تكون تلك المشاعر ممارسة لسلوكيات روحانية أقرب للتصوف والرهبنة.
محبة الذات هي ممارسة طويلة ومعقدة ورحلة ذاتية يصعب توحيد مساراتها للجميع. علينا أولاً أن نقيم علاقة جيدة مع ذواتنا. أن نكتشف قصتنا الشخصية من الطفولة حتى ما نحن عليه اليوم. وأن نتتبع آثار الحزن والألم والإخفاق كيف تشكلت وإلى ماذا انتهت. أغلب الأسباب، كما يفسرها المحللون النفسيون، ستكون نتاج سوء تفاهمات نعقدها نحن مع العالم ومع الأشياء من حولنا. حين نفهم العالم خطأ فإن كل حياتنا ستكون مضطربة. وحين نصحح مفهوم العالم في أذهاننا، ونرسم صورة إيجابية عن ذواتنا، ستنضبط علاقتنا بالآخرين وستقل أسباب الحزن والألم وسيتراجع منسوب تثميننا لأشياء كثيرة لن تستحق أن نبذل لأجها مجهوداً أكبر ولن تستنزف مشاعرنا.
أن تحب نفسك، أن تعتني بصحتك وتدلل ذاتك وتكافئها كما تكافئ الأطفال الطيبين. أن تتوقف عندما تتعب. أن تطفئ كل صوت مزعج حين ترغب بالاسترخاء. أن تحب نفسك، أن تدرك أنك الأول في عالمك، وأنك لن تتمكن من محبة الآخرين ومساعدتهم إذا لم تكن مؤمناً بأنك أنت في درجة أعلى منهم وفي أهمية مقدمة عليهم.