انطلاقاً من وعي شكلته ثقافة المواجهة لأربعة عقود، صار من الصعب طرح فكرة الحوار بين إيران ودول الخليج، يدعمها أن هناك من لا يحب فكرة الحوار، وهناك من لا يحب فكرة مجلس تعاون يحاور طهران يكون موحداً، رغم أنها وحدة لها في نفس الخليجيين حفاوةٌ خاصة رغم الأزمات الراهنة.
ما يسهل طرح فكرة الحوار، أصوات سمعناها مؤخراً عن الانفتاح على الحوار من ضفتي الخليج، التي يبدو أنها «بلعت العافية» فيما يتجاوز الانحناءات والغزل الدبلوماسي، بل وهو المفيد أنها وعت إلى أن العالم تشهده جملة من التحولات الجذرية على مستوى الدول، والتي ستنعكس بالتالي على المشهد الدولي، وهي تحولات في السياسات الداخلية للدول. ويستشهد رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية ـ الروسية د.ماجد التركي في استشرافه بالمشهد البريطاني، الذي سيتسارع في التغيير بعد اكتمال الخروج من الاتحاد الأوروبي لتنطلق لندن وفق مشروع وطني جديد. ومثلها مشروع روسيا 2024، فالمرحلة الروسية القادمة وضع لبناتها ذات الوطنيين الذي قدموا بوتين للمشهد الروسي. ولا حاجة لنا بالتذكير بمشروع ترامب «أمريكا أولاً» فهو ليس انكفاء، بل انطلاق بأنانية وطنية، حيث يمكننا القول إن دول الخليج قد وصل بعضها إلى هذه القناعة. كما أن مما يدفع الخليجيين للحوار توجيهات الرئيس ترامب لزيادة تقاسم أعباء الشركاء Concept of burden sharing عبر تقاسم كلفة عمليات نشر القوات، وهو في تقديرنا مخالف لمضمون الاتفاقيات الأمنية مع واشنطن، ومخالف للقيم الأمريكية التي ترفع شعارات الحرب من أجل السلام الدولي والحريات والعدالة والديمقراطية. كما أن من ريش مروحة الجنوح للحوار المتعددة، فقدان المصداقية لدى البيت الأبيض والبنتاغون، ومن يجادل فليرجع لعنوان «واشنطن بوست» 9 ديسمبر 2019 «البنتاغون والبيت الأبيض يزيفان واقع الحرب «الأفغانية» لعقدين من الزمن» حول من الرابح في عمليات أمريكا وعدد الخسائر الأمريكية، وما يهمنا في الخليج هو ما حدث في قاعدة عين الأسد، 8 يناير الجاري، وتبجّح ترامب بأن قواته لم تتعرض لخسائر بشرية، وبعد اضطرار البنتاغون للاعتراف بإصابات، فترامب يساير السياق التاريخي وتقليد مركزي متبع للمؤسسة العسكرية وامتداداتها الإعلامية لاعتبارات حساسية الرأي العام الأمريكي دون اعتبار للحلفاء مثلنا والذين هم من سيتلقى الضربات الانتقامية. وقد بلعت إيران العافية بعد عز صيف 2019 حين أسقطت مسيرة أمريكية ولم يرد ترامب، وهاجمت سفناً في الخليج وخطفت سفينة بريطانية، حينها عرض ظريف على الخليجيين «معاهدة عدم اعتداء». ثم حدثت الانتكاسة الإيرانية بفقدانها الجنرال قاسم سليماني مما جعل طهران تترنح تحت مصايب عدة آخرها الموقف الأوروبي الذي أخذ منحى التقرب من واشنطن بدعوى أن إيران لا تجد حرجاً في التهديد بخفض التزاماتها النووية، وبناء عليه أصبحت معرضة لتبعات تفعيل آلية فض النزاعات في إطار الصفقة النووية، وخطورة عقوبات أممية حادة.
* بالعجمي الفصيح:
يقول محاور إيراني، بالحوار حالياً نحن من يلقي طوق النجاة لإخراج الخليجيين من الابتزاز الدولي، فيما نرى أن على طهران التقاط طوق النجاة بالمفاوضات فما نطالب به ككتلة خليجية -عابرة للخلافات- بسيط لا يتعدى عدم التدخل في شؤوننا ووقف تصدير الأزمات إلينا.
* كاتب وأكاديمي خليجي
{{ article.visit_count }}
ما يسهل طرح فكرة الحوار، أصوات سمعناها مؤخراً عن الانفتاح على الحوار من ضفتي الخليج، التي يبدو أنها «بلعت العافية» فيما يتجاوز الانحناءات والغزل الدبلوماسي، بل وهو المفيد أنها وعت إلى أن العالم تشهده جملة من التحولات الجذرية على مستوى الدول، والتي ستنعكس بالتالي على المشهد الدولي، وهي تحولات في السياسات الداخلية للدول. ويستشهد رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية ـ الروسية د.ماجد التركي في استشرافه بالمشهد البريطاني، الذي سيتسارع في التغيير بعد اكتمال الخروج من الاتحاد الأوروبي لتنطلق لندن وفق مشروع وطني جديد. ومثلها مشروع روسيا 2024، فالمرحلة الروسية القادمة وضع لبناتها ذات الوطنيين الذي قدموا بوتين للمشهد الروسي. ولا حاجة لنا بالتذكير بمشروع ترامب «أمريكا أولاً» فهو ليس انكفاء، بل انطلاق بأنانية وطنية، حيث يمكننا القول إن دول الخليج قد وصل بعضها إلى هذه القناعة. كما أن مما يدفع الخليجيين للحوار توجيهات الرئيس ترامب لزيادة تقاسم أعباء الشركاء Concept of burden sharing عبر تقاسم كلفة عمليات نشر القوات، وهو في تقديرنا مخالف لمضمون الاتفاقيات الأمنية مع واشنطن، ومخالف للقيم الأمريكية التي ترفع شعارات الحرب من أجل السلام الدولي والحريات والعدالة والديمقراطية. كما أن من ريش مروحة الجنوح للحوار المتعددة، فقدان المصداقية لدى البيت الأبيض والبنتاغون، ومن يجادل فليرجع لعنوان «واشنطن بوست» 9 ديسمبر 2019 «البنتاغون والبيت الأبيض يزيفان واقع الحرب «الأفغانية» لعقدين من الزمن» حول من الرابح في عمليات أمريكا وعدد الخسائر الأمريكية، وما يهمنا في الخليج هو ما حدث في قاعدة عين الأسد، 8 يناير الجاري، وتبجّح ترامب بأن قواته لم تتعرض لخسائر بشرية، وبعد اضطرار البنتاغون للاعتراف بإصابات، فترامب يساير السياق التاريخي وتقليد مركزي متبع للمؤسسة العسكرية وامتداداتها الإعلامية لاعتبارات حساسية الرأي العام الأمريكي دون اعتبار للحلفاء مثلنا والذين هم من سيتلقى الضربات الانتقامية. وقد بلعت إيران العافية بعد عز صيف 2019 حين أسقطت مسيرة أمريكية ولم يرد ترامب، وهاجمت سفناً في الخليج وخطفت سفينة بريطانية، حينها عرض ظريف على الخليجيين «معاهدة عدم اعتداء». ثم حدثت الانتكاسة الإيرانية بفقدانها الجنرال قاسم سليماني مما جعل طهران تترنح تحت مصايب عدة آخرها الموقف الأوروبي الذي أخذ منحى التقرب من واشنطن بدعوى أن إيران لا تجد حرجاً في التهديد بخفض التزاماتها النووية، وبناء عليه أصبحت معرضة لتبعات تفعيل آلية فض النزاعات في إطار الصفقة النووية، وخطورة عقوبات أممية حادة.
* بالعجمي الفصيح:
يقول محاور إيراني، بالحوار حالياً نحن من يلقي طوق النجاة لإخراج الخليجيين من الابتزاز الدولي، فيما نرى أن على طهران التقاط طوق النجاة بالمفاوضات فما نطالب به ككتلة خليجية -عابرة للخلافات- بسيط لا يتعدى عدم التدخل في شؤوننا ووقف تصدير الأزمات إلينا.
* كاتب وأكاديمي خليجي