رغم أن المزاح في موضوع جاد كموضوع فايروس الكورونا غير محبب وهناك دول جرمته وأعلنت أن من يمزح في هذا الموضوع سيتعرض لأشد العقوبات وما ذلك إلا أن ذلك النوع من المزاح في هذه الأوقات قد يودي بكوارث، إلا أن المواقف التي تعرضت لها الشعوب الآسيوية في جميع أنحاء العالم في الآونة الأخيرة هي من نوع المضحك المبكي.إذ أكثر ما يحزنني هذه الأيام هو وضع الشعوب الآسيوية خارج منطقتهم، فهم كلهم بالنسبة للعالم سواء رغم أنك تتحدث عن أعراق مختلفة وعن أصول مختلفة وعن آلاف الأميال تفصل بين شعب كوريا مثلاً والصين، ناهيك عن العديد من العداءت والخلافات بل والحروب التي دارت بين اليابانيين مثلاً والصينيين، إلا أننا نادراً ما نعرف الفرق وكلهم عندنا في الشكل سواء!فبعد أن ذاع صيت فايروس الكورونا وانتشرت مشاهد الموت والمدن الخالية في الصين، شاهدت تقريراً تلفزيونياً في قناة فرانس 24 يعرض معاناة الفرنسيين من أصول آسيوية في فرنسا، واكتشفت أن الفرنسيين مثلنا لا يفرقون بين الكوري والصيني، والياباني والصيني، بل أحياناً بين الفلبيني والصيني خاصة إذا كان الفلبيني فاتح اللون.و مع احترامي لكل الجنسيات والشعوب والمسألة ليست ازدراء أو تقليلاً من شأن تلك الشعوب، بل بالعكس نحن نحترم الشعب الصيني حضارة وتاريخاً وكذلك هو حليف لنا في منطقتنا وشريك تجاري لنا ونتمنى لهم الشفاء العاجل و زوال هذه المحنة، إنما نحن نتحدث هنا كتقرير حالة، أغلبنا فعلاً لا يعرف التفريق بين أبناء شعوب شرق آسيا كشكل، وكذلك الأوروبيون مثلنا فهم بالنسبة لنا متشابهون في اللون وشكل العين والأنف والشعركما جاء في التقرير الذي اشتكى فيه الفرنسيون من أصل آسيوي من التمييز والعزل ضدهم في الأيام الأخيرة في فرنسا رغم أنهم مولودون في فرنسا والعديد منهم لم يرَ الصين في حياته وكثير منهم غير صينيين أصلاً، ولكنهم اشتكوا أنهم أينما وجدوا ابتعد الناس عنهم ولا يقتربون منهم وبعضهم يتعدى عليهم لفظياً ويطالبهم بالعودة لبلدانهم خاصة أنه من السهولة تمييز أصولهم العرقية بأنها ليست أوروبية وليست فرنسية بالتأكيد.الفرق بيننا والأوروبيون أننا نستحي أن نجرح مشاعر الآخرين ولا نملك جرأة الإعلان عن مخاوفنا مثلهم وهذا ما لمسته في تعاملنا مع أفواج السواح الآسيويين في دولة الإمارات في اليومين الماضيين التي قضيتهما هناك.فكنا كعرب وضيوف على أحد المؤتمرات في الفندق نتحرك بحذر مع الاحتفاظ بابتسامة بلهاء على وجوهنا كلما رأينا أياً من أبناء تلك الشعوب نبحث عن أعذار واهية لتجنب صعود المصعد معهم، كما حدث معي حين ادعيت أنني نسيت شيئاً في الغرفة وانتظرت السيدة أن تصعد المصعد ثم خرجت مرة أخرى، لا أضغط على زر المصعد بإصبعي إنما بظهر يدي عصرت مطهر الديتول حتى آخر قطرة وكدت أن أشربه لمزيد من الحيطة، نتكوم كلنا في زاوية من زوايا المصعد إن فتح الباب ودخل واحد منهم ونترك له مساحة 99.9% من المصعد، طبعاً كل ذلك ونحن لا نعرف إن كانوا صينيين أم كوريين أم يابانيين فلا ندقق في الملامح واللون ذوقياً.وحدث أن عطس أحدهم وكنا في بالكونة المطعم وما هي سوى لحظات وإلا وكانت جميع المقاعد التي يزيد عددها على الخمسين خالية إلا منه، المفارقة أن أحد الزملاء نسي معطفه على الكرسي فطلب من الجرسون أن يجلبه له!كل تصرفاتنا لم يكن لها داعٍ أبداً ومبالغ فيها بسبب ما يصلنا من وسائل التواصل الاجتماعي، إنما الفكرة من المقال هي أن تضع نفسك مكان الشعوب المتشابهة وتتحمل وزر لون بشرتك أو شكل عينك أو شعرك؟!!لقد كنا نلوم (جهل) الشعب الأمريكي باختلافاتنا العرقية والمذهبية كعرب وآسيويين حين قتل أحد الأمريكان رجلاً من السيخ لأنه ظن أنه مسلم بسبب لونه وعمامته التي تشبهنا، فإذا بنا نمارس ذات الخطأ ولذات السبب .. الجهل بالشعوب الأخرى.