بعدما بالغ النظام الإيراني في سلوكه المعادي لجيرانه واستمراره التدخل في شؤونهم الداخلية وتهديدهم في كل ساعة وتخويفهم في كل حين بالصواريخ التي يمتلكها ويصرف ثروة الشعب الإيراني على تطويرها، وبعدما عادى كل العالم بأفكاره الرجعية ودعوته المستمرة للتشبث بالتخلف ومعاداة الحياة، وبعدما آذى شعبه وحرمه من كل الحريات، بعد كل هذا لم يعد أمام العالم سوى أن يخيره بين أمرين، التخلي عن سلوكه المدمر أو تحمل ما يأتيه لو أصر على مواصلة السير في طريق السوء.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأ قبل حين بتنفيذ تهديداته حيث اتخذ قراره التاريخي الذي انتظره العالم وانتظرته بشكل خاص الدول المتضررة من سلوك النظام الإيراني وعدوانيته فأوقع العديد من العقوبات الجديدة على النظام الإيراني، وهي عقوبات بدأ تأثيرها يبرز، تبين ذلك في انخفاض العمليات الإرهابية التي ظل النظام ينفذها، بل وصل الحال إلى اعتراف نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانكيري بأن إيران لم تعد قادرة بسبب تلك العقوبات على نقل دولار واحد من أموالها الموجودة في مختلف دول العالم، كما اعترف بأن تلك العقوبات هي الأقسى على إيران لحد الآن وقال إن ما يساعد على نجاحها هو أن الدول الأخرى تلتزم بها.

اليوم لم يعد أمام النظام الإيراني سوى الاختيار بين هذين الأمرين، فإن ثاب إلى رشده وعرف حدوده وأصلح ما أفسده وتحول إلى فعل موجب استمر وتحسنت علاقته بجيرانه وبمختلف الدول التي لها مصالح في المنطقة، أما إذا أصر على سلوكه المشين واستمر في التدخل في شؤون الدول الأخرى واختار المضي في درب السوء فسيتم تركيعه، فبعد تلك العقوبات ستأتي في الغالب عقوبات لم تخطر على بال أرباب النظام الإيراني، يساعد على صحة هذا التوقع أن الرئيس ترامب يبحث اليوم عن كل انتصار يعزز من موقفه في الانتخابات الأمريكية المقبلة ويحد من هجوم الحزب الديمقراطي عليه، وليس أفضل من الانتصار على النظام الإيراني والقول بأنه انتصار على الإرهاب، حيث الميليشيات الإيرانية الإرهابية لم تعد قادرة على التحرك بالكيفية التي كانت تتحرك فيها قبل العقوبات الأمريكية وقبل مقتل سليماني.

لا خيار ثالث أمام النظام الإيراني ولا وسيلة تعينه على الإفلات من الوضع الذي صار فيه وصار يمنعه من التحرك بالكيفية التي يريد، ولو أن بين أربابه عاقلاً لعجل بعقد مؤتمر يخرج منه النظام بقرارات ترضى عنها دول المنطقة كافة ويرضى عنها الشعب الإيراني ويفلت بها من العقوبات الأمريكية ومن الضيق الذي هو فيه اليوم.

لو أن أرباب النظام الإيراني يدركون جيداً ما يدور حولهم وما ينتظرهم مستقبلاً ويعرفون كيف «يشتغلون سياسة» لاختاروا طريق الإفلات من كل هذا الذي صاروا فيه. أما دول المنطقة ومعها الولايات المتحدة وكل دول العالم فلن تتأخر عن التفاعل مع هذا الاختيار الذي يعني عودة إيران إلى حيث يمكن أن تكون موجبة وفاعلة ومشاركة في الارتقاء بالمنطقة وبالحياة.

استمرار النظام الإيراني في مواقفه وأنشطته السالبة نتيجته المنطقية والأكيدة نهايته، حيث الأكيد أنه لن يستطيع النجاة بنفسه بسبب قسوة العقوبات الأمريكية، أما توقفه عن كل ذلك ومراجعته لنفسه والتفكير بعقلانية وتغيير نهجه فنتيجته المنطقية الإفلات من الحال التي هو فيها الآن.

ما ينبغي أن ينتبه له النظام الإيراني جيداً هو أن دول المنطقة لن تفوت الفرصة وستعمل على الاستفادة من حالة الضعف التي تعاني منها إيران اليوم، فما نالها من النظام المسيطر على الحكم فيها على مدى العقود الأربعة الماضية ليس قليلاً ولم يكن هيناً ولا يمكن أن ينسى إلا إذا غير النظام الإيراني ما بنفسه.