هذه جملة منطقية «حتى نخاعها»، فكما يقال أيضاً «فاقد الشيء لا يعطيه»، أو كما يقول المثل «التهكمي» الدارج والدال على خيانة الأمانة «حاميها حراميها»!

وعليه نقول إن عمليات محاربة الفساد، لا بد لها من «محاربين نظاف»، أي أشخاص لا تشوبهم شائبة ولو صغيرة جداً تدل على ارتكابهم تجاوزاً أو مفسدة، أو يكونوا قد شاركوا في ممارسات فاسدة، أو حتى كانوا «صامتين» و«قابلين» بما يرونه أمامهم من فساد وتجاوزات، مع امتلاكهم القدرة على الحديث أو إحداث تغيير.

إن أردت إصلاح أي منظومة، لا بد من أن تنتهي علاقتها بأية تجاوزات وفساد، ما يعني لا بد من إبعاد من تسببوا بهذا الفساد ومن شاركوا فيه، ومن استفادوا منه، وهنا لا تنخدع بمن يحاول أن يلعب دور «البطولة»، على أساس أنه من سيحارب الفساد، وأنه سيصلح ما تم إفساده، لو كان هذا الشخص ضالعاً في حالة فساد واحدة، أو كانت له يد في حصولها.

طبعاً الفساد أنواع، منه نوع يمكن وصفه بالتجاوزات الناتجة عن أخطاء «غير مقصودة»، وأسبابها سوء تقديرات بشرية، أو سوء تصريف للأمور، أو سوء تعامل، لكن النوع الأخطر هو الفساد «المقصود»، أي أنه تحقق «بفعل فاعل» ومع «سبق الإصرار والترصد»، فهنا العملية كلها «مبرمجة» ومن ينفذها يعرف تماماً أنه يقوم بارتكاب «فعل خاطئ»، وأن عليه التحايل على عمليات المراقبة والرصد والتدقيق، وأن يجهز لنفسه سيناريوهات لـ«المناورة» لو تم ضبطه أو تمت مساءلته.

«إن خير من استأجرت القوي الأمين»، هذا نص قرآني أنزله رب العالمين، وفيه يتحدث عن قصة سيدنا موسى مع نبي الله شعيب، والدلالة فيه أنك حينما تريد إنجاز شيء، أو القيام بعمل على أتم وجه، فإن الخيار الأمثل أمامك هو منح المسؤولية لشخص «قوي» في الحق، و«أمين» على الأمانة التي أوكلت إليه.

بالتالي لا يمكن إطلاق وصف «القوي الأمين» على أي شخص، وقطعاً لا يمكن إطلاقه على من يرتكب التجاوزات ويقبل بأن يخوض في الفساد، حتى لو صغرت مساحته، أو كان له تأثير طفيف، لأننا في النهاية نتحدث وفق معادلة لها معياران فقط «الصواب والخطأ»، ولا توجد إجابة هنا مفادها أن هذا «خطأ صغير» أو «خطأ يغتفر»، لأن الأصل في المسألة هو «الخطأ»، وهو نقيض الصواب.

من لا يمكنه القيام بفعل الصواب، من وصل لمرحلة وثقت عليه تقارير الرقابة، وتناقل عنه المجتمع «انغماسه» في التجاوزات والقبول بها، وبات يوصف بأنه «فاسد» لأنه لا يقيم العدالة الإدارية، ولا يحرص على «صون المال العام»، هذا من «الجنون» و«تضييع الوقت» و«المقامرة بمقدرات الوطن» أن يمنح فرصاً متوالية بـ«أمل» أن يصحو ضميره وأن يبدأ محاربة الفساد؟! إذ كيف لفاسد أن يحارب نفسه؟! كيف لـ«متمصلح» أن «يضرب نفسه» بيد من حديد؟!

لا يحارب الفساد إلا «النظيف»، والفاسد مكانه الوحيد أمام القانون، وبعيداً جداً عن أية أوساط يتمكن فيها من «لهف» المزيد من المال، أو «الاستبداد» أكثر على الصعيد الإداري.

إن استمر الفساد في مكان ما، فقط انظروا لمن أوكلتم له مسؤولية محاربة الفساد، دققوا في ممارساته وأفعاله، وستكتشفون أن «المعادلة» لا تخيب أبداً. فالسارق لا يمكنه القبض على نفسه، والمفسد لن يعترف أبداً بفساده، بل سيبرر له بالكذب واللف والدوران، ظاناً أنه سيفلت كل مرة!