هل حاولت يوماً أن تفكر بعقل الآخر؟ ربما نعم.. إذا كنت روائياً أو كاتب سيناريو أو محققاً، إذا تخصصت في علم النفس أو علم تفسير السلوك البشري أو مارست أي وظيفة تفرض عليك محاولة فهم السلوك الإنساني أو تخمينه أو تفسيره، ربما تكون على مشارف بلوغ المرحلة التي أود الإشارة إليها اليوم على عجالة، ولكن تبقى «ربما» احتمالية.هل كتبت يوماً نصاً روائياً أو ما شابهه لقصة حياة سمكة أو طائر؟ هل كتبت قصة خيالية لعالم الجن أو عالم الشياطين؟ هل فكرت يوماً أن تكتب رواية لقصة ملاك أو يومياته في الجنة.!! قد تبدو أسئلة كهذه نوعاً من السذاجة والعبط أو نوعاً من الخروج عن المألوف أو شكلاً من أشكال الجنون. لا يهم.. المهم أن تجيب عن هذه الأسئلة أو بعضها بالإيجاب ما يدعوني لطرح سلسلة أخرى من الأسئلة اللاحقة، ولكن في أغلب الحالات، أشترك وإياكم في الإجابة بـ»لا».وسواء كتبت يوماً نصاً لعالم مادي كعالم الحيوان أو عالم لا مرئي، هل حاولت يوماً أن تفكر بعقل السمكة في الرواية أو بعقل الطائر أو الشيطان أو الملاك أو أي مخلوق لا نعرف شيئاً عن عالمه الداخلي ومكنوناته ومعتقداته «إن كان لديه معتقدات» وأنماط تفكيره ورؤيته للحياة وخلاصة تجاربه فيها؟ فهم حقيقي لدواخله وليس تفسيراً لسلوكه في ضوء فهمنا وأحكامنا ووفق نظرتنا للحياة. هل حاولت أن تفكر يوماً بعقل ذاك المخلوق «أي ما يكن» بطريقة تعكس مكنونات التفكير لديه وفق نظامه الاجتماعي الخاص وفي ضوء مرئياته ونظرته للحياة؟ هل فكرت في إذا ما كانت المجتمعات تلك «مجتمعات المخلوقات الأخرى» هي عبارة عن مجتمعات متدينة وغير متدينة كما لدينا نحن البشر؟ هل تتفاوت تلك المخلوقات في مستوى عبادتها؟ هل تسير كل تلك المخلوقات وفق نظام واحد ما لم يتدخل البشر في الإخلال بذلك النظام «بمحاولة تربية بعضها أو صيدها أو التعرض لبيئتها الطبيعية» أو تختلف في نظامها من أسرة لأخرى أو من بلد لآخر وربما من شخص لآخر؟ هل فكرت يوماً كيف تراك السمكة أو كيف يشعر الطائر تجاهك؟! هل تجولت يوماً في عقل الشيطان وخلجات قلبه باحثاً عن رأيه فيك «كآدمي» وشعوره تجاهك وكيف تبادلك الملائكة الغبطة على كثير من الأمور في تجربتك الإنسانية الأرضية التي تحظى بها أنت ولا تحظى بها هي رغم علوها وسماويتها؟!!يقال إن ظهور الميثولوجيا «علم الأساطير» كان شكلاً من أشكال التعبير عن الوعي الإنساني والتفكير جزئياً بعقل الآخر والارتقاء فيه حيث يتناول الجوانب غير المتطرق إليها في الواقع فتسطر الميثولوجيا العبر والحكم من خلال سيناريوهات تلامس الواقع أو الحقيقة في بعض أبعادها، ولعلها المصافحة الآدمية الأولى لعقل المخلوق «بما فيه الآدمي» الآخر.* اختلاج النبض:عندما تفكر بزاوية الآخر أياً كانت، وتحاول أن تفهم وجهة نظره في ضوء المعطيات التي كونت رأيه من عوامل داخلية وخارجية، تكون قد بلغت مرحلة خاصة من الوعي لا يحظى بها كثيرون في تجربتهم الإنسانية في الحياة.