أن يكون أكثر المصابين بفيروس كورونا (كوفيد 19) المستجد هم من العمال غير المهرة فهذا أمر طبيعي، ليس فقط لأنهم يتشاركون العيش في غرف صغيرة كي يتمكنوا من توفير مبلغ يحقق لهم ما يحلمون به ودفعهم إلى الخروج من بلدانهم وركوب الصعب، ولكن لأنهم يفتقدون الثقافة التي يمكن أن تدفعهم إلى خيارات أخرى تقيهم الشر الآتي من التشارك في مثل تلك الغرف، وبتلك الأعداد.

هذه المشكلة لا تخص هذه الفئة من العمالة التي يطلق عليها أيضاً اسم العمالة الرخيصة هنا فقط ولكنها مشكلة عامة، فالمنتمون لهذه الفئة يعيشون في دول كثيرة في الظروف نفسها، وكلهم يعانون من مستوى نظافة منخفض يجعل أمر تمكن هذا الفيروس أو غيره منهم سهلاً يسيراً.

التفاصيل عن حياة هؤلاء كثيرة، لكن دول مجلس التعاون لم تعمد إلى التخلص منهم بحرمانهم من فرص العمل وإعادتهم إلى بلدانهم في مثل هذا الظرف وإنما اختارت أن توجد حلولاً إنسانية لما هم فيه كي لا يتمكن «كورونا» منهم وكي لا يصيروا بؤرة له وسبباً في انتشاره.

هذه الدول رأت أن الأفضل من الدخول في التفاصيل حيث يكمن الشيطان والأفضل من تبادل الاتهامات واللوم في هذا الظرف هو حمايتهم من الفيروس وبالتالي حماية كل المواطنين والمقيمين، فكان أن اتجهت إلى تخفيض أعدادهم في تلك المساكن ومحاولة تحسين ظروفها ومراقبتها وتفريغ عدد من المدارس وإسكان بعضهم فيها في ظروف مختلفة، وإخضاعهم جميعاً للفحوص اللازمة. وبعدها يمكن دراسة أحوالهم واتخاذ القرارات التي تحميهم من العيش في مثل تلك الظروف وتحمي المجتمع من سلبيات مثل تلك المعيشة.

ولأن هذه المشكلة لا تخص دولة بعينها وإنما تعاني منها كل الدول التي تضطر إلى جلب عمال من هذه الفئة، لذا فإن مناقشة المشكلة وإيجاد المخارج المناسبة لها هي مسؤوليتها كلها، والأكيد أن الوقت الأفضل لذلك هو بعد الانتهاء من هذا الوباء، أما في الوقت الحالي فلا مفر من إيجاد الحلول المؤقتة التي بها يمكن السيطرة على الفيروس.

مهم هنا الإشارة إلى أن ازدياد أعداد المصابين بالفيروس لا يعني تمكنه وانتشاره، فالحاصل هو نتيجة التوسع في عملية الفحوص بغية السيطرة على الوضع، وهذا أمر صار ملحوظاً في كل دول مجلس التعاون، فبعضٌ يكون حاملاً للفيروس من دون أن يعلم ومن دون أن تظهر عليه أنه يعاني منه أو هو متمكن منه، ولا يتبين له وللجهات ذات العلاقة إلا عند إخضاعه للفحص عبر نقاط الفحص العشوائي أو فحص المخالطين لواحد أو أكثر من المصابين.

هنا سؤال. هل وجود هذه الفئة من العمالة الآن مشكلة؟ الجواب هو نعم. ولكن هل من العدل قطع أرزاقهم وإعادتهم إلى بلدانهم أو تحميلهم مصروفات فحصهم؟ الجواب هو لا. هنا سؤال آخر. هل إضاعة الوقت في تبادل التهم وتوجيه اللوم فيما بين الأطراف ذات العلاقة هو الحل؟ الجواب هو لا. لهذا اتخذت الحكومة قرارها بإيجاد الحلول المؤقتة التي يمكن أن تسهم في إيقاف «كورونا» ومنعه من التمكن والانتشار، وبعدها يتفرغ الجميع لإيجاد الحلول الدائمة والمنصفة لمختلف الأطراف ذات العلاقة، وهو أمر ستتشارك فيه كل الدول التي تعمد إلى جلب هذه العمالة. القصة لا تقتصر على تحمل صاحب العمل كلفة إضافية بغية توفير ظروف صحية ومعيشية أفضل للعمال، ولكنها تمتد إلى أمور أخرى كثيرة من بينها ارتفاع قيمة الخدمات التي يتم تقديمها من خلال أولئك العمال، حيث من غير المنطقي أن يأتي صاحب العمل بعمال يكلفونه فوق طاقته ولا يستفيد منهم.