كان ولا يزال لفيروس كورونا القدرة على خلق مناخات استراتيجية قابلة للاشتعال، فالنزعة الفوضوية التي طبعت تعامل العالم معها سيفضي بدول العالم إلى تبني نزعة عدوانية تنافسية فيما بينها للتعويض عن خسائرها. ويرى المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي في مقاله «كيف سيغير فيروس كورونا العالم؟»، مطلع أبريل 2020 «إمكانية ظهور دول أكثر استبدادية أو إعادة بناء المجتمع بشروط إنسانية.. بل إن العالم بانتظار أزمات تهدد البشرية كلها، وهي الحرب النووية وأزمة الاحتباس الحراري».
وفي تقديرنا أن هناك فترة زمنية بين انحسار فيروس كورونا المتوقع خلال شهرين، وبين الحروب التي يتوقعها تشومسكي، ولن تخلو من الصراعات التي نرجح منها ثلاثة أشكال:
أولها حروب الدواء، فرغم صدور قرار أممي بإجماع 193 دولة يطالب بإتاحة «اللقاحات المستقبلية» لفيروس كورونا بصورة عادلة، إلا أن هناك حرباً مستترة بين مختبرات الأبحاث واللقاحات، حيث تخوض فيه العديد من الشركات المصنّعة سباقاً مع الزمن للعثور على لقاح ناجع مع ما يترتّب عليها مثل هذا التحدّي من عبء مالي كبير، ثم ربح مالي أكبر. وقد تتدخل الحكومة الأمريكية لدعم وحماية الاقتصاد الصحي فيها ومثل ذلك روسيا والصين والأوروبيون، ولن يكون التعاون الذي طلبته منظمة الصحة بنفس النبل الذي تتوقعه.
أما ساحة الصراع الثانية فهي حروب الغذاء، فقد شحت منتجات كثيرة في الأسواق، وفشلت دول في تشغيل آليات مواجهة معضلة الأمن الغذائي في ظل كورونا، والتي ربما لم تتعد داخلياً حملات توعية لكبح سلوكيات الهلع والشره بين المواطنين. أما المعركة الخارجية فبين المصدرين والموردين، وحجة دول المنشأ هي التداعيات السلبية على سلاسل توريد الأغذية، كالخلل في حركة شحن وإغلاق الحدود، والمطارات. فيما تتهمها الدول المستوردة بفرض قيود على التصدير خوفاً من طول أمد أزمة فيروس كورونا، وتعرض الاحتياطي الاستراتيجي لديها للنفاد. أو للجشع الذي دفع بسكب الحليب في المجاري أو إعدام المحاصيل بحجة تعطّل طرق الإمداد، بينما السبب هو منع إغراق السوق.
ويبدو أن ذريعة عدم إغراق الأسواق قد وجدت من يتبناها، ففي الحرب الثالثة وهي حرب النفط قام القطاع النفطي في روسيا بحرق النفط لحجبه عن السوق. لقد كان النفط تاريخياً مؤججاً للصراعات، وصدمة انخفاض الطلب الحالية ضخمة لدرجة أنها تخطت كل التوقعات، وقد تقود إلى صراعات بين المنتجين، وليس ببعيد عنا تذكر أن ذريعة صدام لاحتلال الكويت كانت تهمة إغراق السوق بالنفط. وستستمر حروب الأسعار وأطرافها «أوبك» و«أوابك+» ووكالة الطاقة المناوئة لهم. كما أن المستوردين سيدفعون بالأمور إلى ساحة الصراع خصوصاً حين تتعذر الشركات والدول المصدرة بأنها لا تستطيع تسليم شحنات خام للعملاء بسبب الجدوى الاقتصادية الضعيفة. إن المآلات المأسوية للدول التي تعتمد على النفط قد غطت في كتابات الشامتين على أرقام ضحايا فيروس كورونا، وقد لا يكون الأمر بذلك السوء لكنه أمر يتطلب القيام بعمل.
* بالعجمي الفصيح:
يسيل فيروس كورونا الآن الكثير من القلق، وسيسيل الكثير من الحزن بعد أن يرحل، لكن تبعاته ستسيل الكثير من الدماء.
* كاتب وأكاديمي كويتي
وفي تقديرنا أن هناك فترة زمنية بين انحسار فيروس كورونا المتوقع خلال شهرين، وبين الحروب التي يتوقعها تشومسكي، ولن تخلو من الصراعات التي نرجح منها ثلاثة أشكال:
أولها حروب الدواء، فرغم صدور قرار أممي بإجماع 193 دولة يطالب بإتاحة «اللقاحات المستقبلية» لفيروس كورونا بصورة عادلة، إلا أن هناك حرباً مستترة بين مختبرات الأبحاث واللقاحات، حيث تخوض فيه العديد من الشركات المصنّعة سباقاً مع الزمن للعثور على لقاح ناجع مع ما يترتّب عليها مثل هذا التحدّي من عبء مالي كبير، ثم ربح مالي أكبر. وقد تتدخل الحكومة الأمريكية لدعم وحماية الاقتصاد الصحي فيها ومثل ذلك روسيا والصين والأوروبيون، ولن يكون التعاون الذي طلبته منظمة الصحة بنفس النبل الذي تتوقعه.
أما ساحة الصراع الثانية فهي حروب الغذاء، فقد شحت منتجات كثيرة في الأسواق، وفشلت دول في تشغيل آليات مواجهة معضلة الأمن الغذائي في ظل كورونا، والتي ربما لم تتعد داخلياً حملات توعية لكبح سلوكيات الهلع والشره بين المواطنين. أما المعركة الخارجية فبين المصدرين والموردين، وحجة دول المنشأ هي التداعيات السلبية على سلاسل توريد الأغذية، كالخلل في حركة شحن وإغلاق الحدود، والمطارات. فيما تتهمها الدول المستوردة بفرض قيود على التصدير خوفاً من طول أمد أزمة فيروس كورونا، وتعرض الاحتياطي الاستراتيجي لديها للنفاد. أو للجشع الذي دفع بسكب الحليب في المجاري أو إعدام المحاصيل بحجة تعطّل طرق الإمداد، بينما السبب هو منع إغراق السوق.
ويبدو أن ذريعة عدم إغراق الأسواق قد وجدت من يتبناها، ففي الحرب الثالثة وهي حرب النفط قام القطاع النفطي في روسيا بحرق النفط لحجبه عن السوق. لقد كان النفط تاريخياً مؤججاً للصراعات، وصدمة انخفاض الطلب الحالية ضخمة لدرجة أنها تخطت كل التوقعات، وقد تقود إلى صراعات بين المنتجين، وليس ببعيد عنا تذكر أن ذريعة صدام لاحتلال الكويت كانت تهمة إغراق السوق بالنفط. وستستمر حروب الأسعار وأطرافها «أوبك» و«أوابك+» ووكالة الطاقة المناوئة لهم. كما أن المستوردين سيدفعون بالأمور إلى ساحة الصراع خصوصاً حين تتعذر الشركات والدول المصدرة بأنها لا تستطيع تسليم شحنات خام للعملاء بسبب الجدوى الاقتصادية الضعيفة. إن المآلات المأسوية للدول التي تعتمد على النفط قد غطت في كتابات الشامتين على أرقام ضحايا فيروس كورونا، وقد لا يكون الأمر بذلك السوء لكنه أمر يتطلب القيام بعمل.
* بالعجمي الفصيح:
يسيل فيروس كورونا الآن الكثير من القلق، وسيسيل الكثير من الحزن بعد أن يرحل، لكن تبعاته ستسيل الكثير من الدماء.
* كاتب وأكاديمي كويتي