القول بأن الكثيرين انفضوا من حول أولئك الذين يعتبرون أنفسهم «معارضة وثواراً» ولم يعودوا يلتفتون إلى ما يروجون له ليس ادعاء لأن الواقع يوفر العديد من الشواهد على صحته، فما جرى خلال السنوات العشر الأخيرة أكد أن ما قام به أولئك يمكن تصنيفه في باب المراهقة الفكرية التي بطبيعتها لا تنتج مفيداً.

شعارات كثيرة تم رفعها ثم تبين مع الوقت أنها مجرد شعارات وأن رافعيها لا يهمهم إن وجدت لها ترجمة على أرض الواقع أم لا، وشعارات كثيرة تبين للمغرر بهم أنه لا يمكن تحقيقها إما لأنها متحققة أساساً أو أن الحكومة عملت على تحقيقها بعد حين لاقتناعها بأهميتها ولأنها من الأساس تقع ضمن برامجها وأهدافها، أو لأنها حالمة وخيالية ولا يمكن أن تتحول إلى واقع.

ما دفع البعض إلى تصديق رافعي تلك الشعارات لبعض الوقت هو أن الشعارات التي تم رفعها كانت رنانة وقادرة على دفع الفرد إلى المقارنة بين واقعه وبين الخيال وبين حاله وحال آخرين يعيشون في نفس المنطقة. تلك الشعارات كانت مدروسة وكان معتمدوها يدركون قدرتها على جعل الكثيرين ينقادون إليهم. مثالها أن ما سيحصل في الجولة الأخيرة هو أن هذا المواطن سيكون مطمئناً على مستقبل أبنائه وأنهم سيعيشون حياة أفضل بكثير من التي عاشها ويعيشها اليوم.

ولأن كل هذا لم يتحقق، ولأنه تبين للمستهدفين بأنه غير قابل للتحقق لأن رافعي تلك الشعارات لا يمتلكون أدوات تحقيقها ويعتمدون في ذلك على ما تلقوه من وعود، ولأن الحكومة تعاملت مع ما جرى بطريقة أدهشت الجميع ولم يتوقعها أولئك ومن يقف من خلفهم، لذا كان من الطبيعي أن ينفض الكثيرون من حولهم.

اليوم لا يوجد بين القائمة التي قالوا إنهم «ثاروا» من أجل تحقيق ما احتوته من أهداف هدف لم يتحقق، فكل تلك الأهداف تحققت، ليس بجهدهم ولكن بجهد الحكومة، بمعنى أن الحكومة سحبت من تحت أرجلهم كل الذرائع التي اعتمدوا عليها واعتقدوا أن بإمكانهم إغراء العامة بها وجعلهم ينحازون إليهم.

ملخص الكلام أن الحكومة انتصرت عليهم، أو بالأحرى هزمتهم شر هزيمة، لهذا كان من الطبيعي أن ينفض الكثيرون من حولهم، إذ لا يمكن للعاقل أن يضع بيضه في سلة من لا يعرف كيف يحملها ويحفظها ويحميها.

التجربة التي عاشها شعب البحرين في السنوات العشر الأخيرة تعلم منها الكثير وجعلته أكثر قدرة على التمييز بين من يريد له الخير ومن يريد استغلاله ليحقق الخير لنفسه. واليوم تأكد من هذه الحقيقة بعدما رأى بنفسه كيف أن الحكومة عملت على ضمان أن تظل جيوب جميع المواطنين بعيدة عن التأثر من هجمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، ويكفي مثالاً على هذا الإشارة إلى قرار مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة بدعم 950 سائق سيارة أجرة و829 مدرب سياقة بـ 300 دينار لمدة 3 شهور ودفع رواتب 422 عاملة في رياض الأطفال و102 بدور الحضانة، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يتحقق لو أن القرار أو جزءاً منه كان بيد أولئك الذين من المثير أنهم لا يزالون يعتبرون النظام الإيراني الذي أكد فشله الذريع في التعامل مع أزمة فيروس كورونا مثالاً ونموذجاً.

البعض أغرته الشعارات المرفوعة في ذلك الحين فاندفع وشارك لكنه وبعد أن تبينت له جوانب من الحقيقة وأدرك اللعبة تراجع واعترف بخطئه وانفض من حول أولئك الذين اعتقد لوهلة أنهم إنما يعملون من أجله.

ما قامت به الحكومة فترة فيروس «كورونا» مثال عملي للرد على تلك الشعارات وتأكيد على أن قرار الانفضاض عن رافعيها كان هو الصواب.