نواصل في الجزء الرابع من المقال حديثنا عن منازل الفهم في جائحة كورونا (كوفيد 19).
المنزلة الرابعة هي فقه العمران وفهم جدلية وثنائية التآكل أو التكامل في عمارة الأرض. يرتكز فقه العمران على الموازنة بين مفهوم الزمن والعوائد على مدى القصير أو الطويل وهو ما يعرف بمعضلة الأفق «tragedy of horizon»، حيث ينتاب الإنسان والأمم حالة من غياب البصيرة الناتج عن إهمالنا للأعمال التي لا نرى عوائدها على المدى البعيد لذا ننغمس في الأعمال ذات النتائج على المدى القصير أو ما يسمى سباق الفئران. لكن يستشعر الإنسان مسؤوليته تجاه الجيل القادم حتى نسير على نهج من غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون. جوهر عمارة الأرض أن نستثمر للمستقبل ولا ننتظر الجزاء السريع. في خضم الأزمات يكون أمامنا جملة خيارات تتراوح بين حالة التدمير الذاتي «self-destruction»، أو عملية البناء المشترك «Co-creation»، من خلال التبصر والتعاون. مسار الهدم الذاتي مبني على سردية تعتمد على الإنكار واتهام الآخر كما نراه في خطاب بعض الدول العظمى. في المقابل نرى أنّ مسار البناء المشترك يعتمد على التفكير والعمل من خلال إعمال العقل والمنهج العلمي وفهم عالم الأسباب والسنن الاجتماعية. فقه العمران أساسه بناء المؤسسات واعتماد نظام الجدارة والعدل وتعزيز الحوكمة والقطاع العام وبناء التعليم من أجل الفهم والتعلم مدى الحياة. لقد تعلمنا من هذه الجائحة أهمية القطاع العام والقيادة والمواطنة في بناء الأمة وحماية الأمن والشرعية، وكذلك أهمية الزراعة والأمن الغذائي والصناعي والبحث العلمي والابتكار.
المنزلة الخامسة هي إدراك كلفة الفساد وتدمير الأنظمة البيئية من غابات وأنهار لأنها تحقق توازناً بيئياً بين الإنسان والكائنات الحية. لقد أدى نمط الاستهلاك والتوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية إلى تقريب المسافة بين الإنسان والكائنات الحية والتي لها دور كبير في انتقال الأمراض المعدية وهناك علاقة بين الاحتباس الحراري وانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وانتشار الأمراض المعدية والفيروسات مثل الملاريا. حالة التعافي للمحيط الخارجي مرتكزة على حالة التصالح والإحسان وإنعاش الجمال الداخلي. ما نشهده من نقص المناعات المكتسبة لا يتمثل في مرض الأيدز بل يتعداه إلى الاقتصاد والمجتمع والبيئة هو نتيجة طبيعية لخيارات البشر «بما كسبت أيدي الناس». لكن هناك حلقات من التغذية الراجعة والتعلم العكسي تلزمنا كي نفهم عظة التاريخ ولا يكون مآل مدننا وحضارتنا كحالة «بئرٍ معطّلةٍ و قصرٍ مشيد»، والتي ساعدت هذه الجائحة على تقريب الصورة. خلاصة القول لعبور هذه الجائحة بسلام علينا الارتقاء في مدارج السالكين من خلال إدراكنا لأثر أفعالنا الفردية على الأرض، والتعايش مع المفارقات وفهم المصالح العامة وفقه العمران الاجتماعي كي ننعم جميعاً بحالة من السلام الخصيب. لأنّه من أشرقت بدايته أشرقت نهايته.
* رئيس قسم إدارة الابتكار والتقنية – جامعة الخليج العربي
{{ article.visit_count }}
المنزلة الرابعة هي فقه العمران وفهم جدلية وثنائية التآكل أو التكامل في عمارة الأرض. يرتكز فقه العمران على الموازنة بين مفهوم الزمن والعوائد على مدى القصير أو الطويل وهو ما يعرف بمعضلة الأفق «tragedy of horizon»، حيث ينتاب الإنسان والأمم حالة من غياب البصيرة الناتج عن إهمالنا للأعمال التي لا نرى عوائدها على المدى البعيد لذا ننغمس في الأعمال ذات النتائج على المدى القصير أو ما يسمى سباق الفئران. لكن يستشعر الإنسان مسؤوليته تجاه الجيل القادم حتى نسير على نهج من غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون. جوهر عمارة الأرض أن نستثمر للمستقبل ولا ننتظر الجزاء السريع. في خضم الأزمات يكون أمامنا جملة خيارات تتراوح بين حالة التدمير الذاتي «self-destruction»، أو عملية البناء المشترك «Co-creation»، من خلال التبصر والتعاون. مسار الهدم الذاتي مبني على سردية تعتمد على الإنكار واتهام الآخر كما نراه في خطاب بعض الدول العظمى. في المقابل نرى أنّ مسار البناء المشترك يعتمد على التفكير والعمل من خلال إعمال العقل والمنهج العلمي وفهم عالم الأسباب والسنن الاجتماعية. فقه العمران أساسه بناء المؤسسات واعتماد نظام الجدارة والعدل وتعزيز الحوكمة والقطاع العام وبناء التعليم من أجل الفهم والتعلم مدى الحياة. لقد تعلمنا من هذه الجائحة أهمية القطاع العام والقيادة والمواطنة في بناء الأمة وحماية الأمن والشرعية، وكذلك أهمية الزراعة والأمن الغذائي والصناعي والبحث العلمي والابتكار.
المنزلة الخامسة هي إدراك كلفة الفساد وتدمير الأنظمة البيئية من غابات وأنهار لأنها تحقق توازناً بيئياً بين الإنسان والكائنات الحية. لقد أدى نمط الاستهلاك والتوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية إلى تقريب المسافة بين الإنسان والكائنات الحية والتي لها دور كبير في انتقال الأمراض المعدية وهناك علاقة بين الاحتباس الحراري وانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون وانتشار الأمراض المعدية والفيروسات مثل الملاريا. حالة التعافي للمحيط الخارجي مرتكزة على حالة التصالح والإحسان وإنعاش الجمال الداخلي. ما نشهده من نقص المناعات المكتسبة لا يتمثل في مرض الأيدز بل يتعداه إلى الاقتصاد والمجتمع والبيئة هو نتيجة طبيعية لخيارات البشر «بما كسبت أيدي الناس». لكن هناك حلقات من التغذية الراجعة والتعلم العكسي تلزمنا كي نفهم عظة التاريخ ولا يكون مآل مدننا وحضارتنا كحالة «بئرٍ معطّلةٍ و قصرٍ مشيد»، والتي ساعدت هذه الجائحة على تقريب الصورة. خلاصة القول لعبور هذه الجائحة بسلام علينا الارتقاء في مدارج السالكين من خلال إدراكنا لأثر أفعالنا الفردية على الأرض، والتعايش مع المفارقات وفهم المصالح العامة وفقه العمران الاجتماعي كي ننعم جميعاً بحالة من السلام الخصيب. لأنّه من أشرقت بدايته أشرقت نهايته.
* رئيس قسم إدارة الابتكار والتقنية – جامعة الخليج العربي