سارع النواب إلى الاستفادة من حكم المحكمة الدستورية التي حكمت بعدم دستورية الشق الثاني من المادة 163 والذي أعطى المجلس النيابي الحق بتمديد مهلة لجان التحقيق فوق الأربعة أشهر، وقالوا بأن هذا الحكم الذي ألغى عمل اللجان السابقة التي زدات مدتها عن الأربعة شهور «ألغى» التوصيات إذاً بأثر رجعي، وألغى عمل جميع اللجان التي تشكلت من 2002 إلى اليوم، وعليه فإننا سنبدأ من جديد ونشكل لجاناً جديدة لذات المواضيع القديمة..!!

ونسوا بأن الحكومة لم تقل كلمتها بعد وهي الطرف المدعي وتستطيع أن تستفيد هي الأخرى من هذا النص بطريقتين، تستطيع أن تقبل بتوصيات اللجان السابقة للحكم فهي «المدعي»، وتستطيع أن تحتج من اليوم وصاعداً أي بعد نشر الحكم في الجريدة الرسمية على مد أي لجنة تحقيق مستقبلية ستتجاوز المدة القانونية أي أربعة شهور.

الحكومة لم تقرر وهي الطرف الذي ادعى ما إذا كانت سترفض توصيات اللجان السابقة أم تقبل بها وهذا يفتح باب السؤال هل يجوز لها قبول التوصيات للجان باطلة؟ مع العلم بأن التوصيات غير ملزمة للحكومة في الحالتين كلتيهما، ومع ذلك وتجنباً وسداً للباب أمام الذرائع ورغبة منها في عدم تكرار ذات المسار مرتين، بإمكانها أن تقبل التوصيات، إذ إن الدعوى أقيمت اعتراضاً على المدة الزمنية المفتوحة للجان التحقيقية خلافاً للدستور، لا على نتائج التحقيق، وهي بهذا الحكم نجحت في إعادة الأمور لنصابها وألزمت المجلس النيابي مستقبلاً بأربعة أشهر كما نص عليه الدستور ونصت عليه المذكرة التفسيرية.

الأمر الثاني الذي يستحق أن نقف عنده أنها المرة الأولى التي تطلب فيها إحدى السلطتين التنفيذية والتشريعية رأياً بخصوص مادة دستورية وهذه المرة السلطة التنفيذية هي التي رفعت الدعوى مطالبة فيها النظر في دستورية المادة 163 من اللائحة الداخلية للنواب وتطابقها مع المادة 69 الدستورية والمذكرة التفسيرية، وبهذا أصبح للمحكمة الدستورية اختصاص غير مباشر -عن طريق دعوى- لتفسير المواد الدستورية وهي الحالة الأولى من نوعها منذ بدأ عمل المحكمة الدستورية.

إنما هذا يقودنا من جديد إلى لفت الانتباه أن الدستور واللوائح الداخلية كل لا يتجزأ والذي الزم المجلس النيابي بأربعة شهور ألزم الحكومة بالتعاون التام دون مماطلة وأعطى للنواب الحق في استجواب الوزراء غير المتعاونين مع اللجان أو الذين يحاولون المماطلة والتلاعب في الوقت حتى تنقضي الشهور الأربعة وتبطل اللجنة، صحيح أن الاستجواب مقيد بالعدد المطلوب ولكن يستطيع الأعضاء إحراج عدم المتعاونين من المسؤولين باللجوء للرأي العام وبالتعاطي بشفافية مع محاولة عرقلة التحقيق، بل وإحراج النواب الحكوميين أكثر من الحكومة إن وجدوا.

في النهاية هذه هي اللعبة السياسية ينجح فيها الأكثر موضوعية وحجة ومنطق وشفافية وجرأة الطرح وينجح فيها من يعمل على مصلحة البحريني والبحرين بغض النظر عن لونه أو عرقه أو طائفته أو جنسه، لعبة سياسية لا تستهين بذكاء الناس فلا ينجح فيها الأكثر صراخاً وعنتريات والأكثر دغدغة للعواطف واستجداء للأطر الضيقة دوائر طائفية كانت أو حتى دوائر انتخابية فكلها استجداءات مكشوفة، حتى مماطلة الوزراء واللعب بالوقت مكشوفة إن حصلت!!

الملعب السياسي مفتوح أمام السلطتين في سبيل تحقيق المصلحة العامة، فإن كان الحكم لدستورية القانون للمحكمة الدستورية، فإن الحكم للنجاح السياسي اختصاصاً وسلطة تقديرية للمواطن.