إذا كانت أوروبا هي القارة العجوز، ففرنسا بلد سياسة العجائز، فجرعة اليمينية المتطرفة لا يبدو أنها قوية بما فيه الكفاية على يد مارين لوبان Marine Le Pen رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني، وابنة مؤسسه جان ماري لوبان. لذا لا بد من جرعة يمينية أقوى وأذكى وهذا ما أوصت به بريجيت زوجة إيمانويل ماكرون المساندة لزوجها في حياته السياسية، وكانت التوصية بتعيين اليميني جيرالد دارمانان وزيراً للداخلية، والذي هو المحرك الرئيسي لكل ما يجري في فرنسا من تأليب على الإسلام، وصاحب تصريحات يمينية مشينة تضمنت عبارات مسيئة للإسلام واستنكرها الأزهر الشريف، فقد صك تعريف «الإسلام الانفصالي» قبل أن يتراجع ويحذفه، وهو من أعلن أن «فرنسا في حرب ضد الإرهاب الإسلامي»، قبل ماكرون، كما اقترح حل منظمات إسلامية، وأن «مضايقة الإسلام الراديكالي أولوية وطنية»، والراديكالي والإرهابي والانفصالي كلها مصدات لامتصاص الصدمات والتنصل من أنه يقصد الإسلام كدين.وزير للداخلية، دارمانان يسير على خطى ساركوزي وقد وصف بالشخصية السياسية اليمينية المقربة من الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، ويتفق معه في أسطر كثيرة من سيرتهما الذاتية، فكلاهما يعانيان من أزمة الهوية الفرنسية، ولإثباتها كان لا بد من سير ميل إضافي، فنيكولا ساركوزي من أب مجري كاثوليكي مهاجر، وأم يهودية يونانية، وحين ثارت الضواحي 2005 ووقودها المهاجرين المسلمين لم يتورع كوزير للداخلية عن استخدام العنف والسب بلغة متشددة، كوصفه مثيري الشغب بأنهم «حثالة» وقوله إن «العديد من الضواحي تحتاج إلى تنظيف». ومثله جيرالد موسى دارمانان فقد ولد لأب يهودي وأم جزائرية هرب أبوها من هناك إبان استقلال الجزائر لأنه كان عميلاً للفرنسيين فيما يعرف «بالحركيين» وهو مصطلح ازدرائي يصف من ساعدوا الفرنسيين في أثناء حرب الاستقلال.* بالعجمي الفصيح:عاد اليمين المتطرف الفرنسي بوجه آخر، غير وجه مارين لوبان، عبر وصول دارمانان الذي لم يكن في سيرته الذاتية ما يؤهله لشغل هذا المنصب الحساس كوزير الداخلية إلا يمينيته، فالمنصب هو الأكثر أهمية فرنسياً، ومرحلة تأهيلية، قاد سابقاً عدة رجال طموحين لشغل كرسي رئيس الوزراء أو حتى رئاسة الجمهورية.* كاتب وأكاديمي كويتي