أعرف من الكتاب من لديه الوقت ليمارس نوعاً من الكتابة التي تشبه إلى حد بعيد صناعة الزهور البلاستيكية، والتي شكلها وألوانها زهور، وقلبها ومادتها من البلاستيك. ونموذج واحد من هذه الصناعة التي يدمنها البعض بلا كلل ولا ملل، هو ما يكتب عن «المشاعر المزيفة»، وكأن العالم لا يجري فيه أمر جلل غير ذلك.
قد تكون مثل هذه الهواية مشروعة تماماً، لأن مشاعر جزء مهم من حياتنا، إلا أن اللافت أن هؤلاء غالباً ما يكتبون ما يقترب من السخافات السطحية الخالية من أي معنى أو قيمة جمالية. وحتى عندما نقرأ لهم في بعض الأحيان، فإن ذلك يكون فقط من باب الاطمئنان على صحتهم العاطفية، وعلى حالة الحبّ التي يعيشونها منذ زمن طويل من دون توقف، وهو حالة تستحق الإعجاب، خاصة أنها تجري في هذا العالم الخانق.
وأعتقد ان القارئ لا يقرأ لهؤلاء – في الغالب وعلى الأرجح– ليتعلم أو لينتفع منهم بشيء مفيد، أو حتى ليستمتعَ بما يكتبون، وإنما يقرأ لهم ليزداد إعجاباً بهذه القدرة الفائقة على ممارسة فعل الغيبوبة، بالإبحار في عالم خيالي جارف، في الوقت الذي تقوم فيه الدنيا ولا تقعد، وتنهض فيه الثورات وتنفجر الحروب، وتتفكك دول وتنشأ أخرى، وهؤلاء غارقون خارج الزمان والمكان. إنهم لا يرون غير الحب المستحضر من ثقافة منقرضة، لم تعد لها صلة بالواقع. فاتخذوا منه حرفة.
والسؤال هنا، هو: كيف يستطيع الكاتب أن يتجاهل الحرائق والانفجاريات في كل مكان، بل كيف يستطيع تجاهل الأشواق والأحزان والمصائب والخيبات والهزائم وحتى الأفراح والإنجازات الإنسانية الكبرى؟ ويستمر في الغرق في الغيبوبة، وبطريقة مبتذلة؟ بل كيف يستطيع أن يدفن وجهه في التراب وأن يلغي نفسه ويستقيل من الحياة ويخرج من الزمن ويخلق عالماً من الأوهام والخيالات؟، كيف يمكن له أن يترك الحريق وأن يهرب منه لتخذ لنفسه مكاناً قصياً، يكتب فيه لحبيباته الورقيات ويشتري لهن وروداً من البلاستيك، وحتى خاتم سليمان ؟!
لا أحد يمتلك الجواب، لأن الكتابة عن الحب بهذا الأسلوب المبتذل، تتطلب شجاعة غير عادية. بل ربما تتطلب قدرة فائقة على ممارسة التزييف واللعب بالكلمات واستحضار عواطف اصطناعية. وذلك لأن الكتابة عن الحب بصدق وعمق، هي أقرب إلى الكتابة عن الوطن ومدنه وناسه وصوره وأصواته وشواطئه وصباحاته وأفجاره وشموسه وطيوبه وأحلامه، ولكن الكتابة عن الحب بهذه الصورة المبتذلة، هي فعلاً أقرب إلى صناعة الزهور البلاستيكية التي لا علاقة لها بالفن ولا بالطبيعة ولا بالصدق ولا بالمشاعر.
* همس:
خلف النافذة الغائمة
جلست،
والمطر ناعماً يهمس.
يده تعانقني،
وغبار الطريق البطيء
والسفر.
وفي غيبوبة النوم أنادي:
عانقيني أيها اللحظة
كما كنَّا صغارًا.
{{ article.visit_count }}
قد تكون مثل هذه الهواية مشروعة تماماً، لأن مشاعر جزء مهم من حياتنا، إلا أن اللافت أن هؤلاء غالباً ما يكتبون ما يقترب من السخافات السطحية الخالية من أي معنى أو قيمة جمالية. وحتى عندما نقرأ لهم في بعض الأحيان، فإن ذلك يكون فقط من باب الاطمئنان على صحتهم العاطفية، وعلى حالة الحبّ التي يعيشونها منذ زمن طويل من دون توقف، وهو حالة تستحق الإعجاب، خاصة أنها تجري في هذا العالم الخانق.
وأعتقد ان القارئ لا يقرأ لهؤلاء – في الغالب وعلى الأرجح– ليتعلم أو لينتفع منهم بشيء مفيد، أو حتى ليستمتعَ بما يكتبون، وإنما يقرأ لهم ليزداد إعجاباً بهذه القدرة الفائقة على ممارسة فعل الغيبوبة، بالإبحار في عالم خيالي جارف، في الوقت الذي تقوم فيه الدنيا ولا تقعد، وتنهض فيه الثورات وتنفجر الحروب، وتتفكك دول وتنشأ أخرى، وهؤلاء غارقون خارج الزمان والمكان. إنهم لا يرون غير الحب المستحضر من ثقافة منقرضة، لم تعد لها صلة بالواقع. فاتخذوا منه حرفة.
والسؤال هنا، هو: كيف يستطيع الكاتب أن يتجاهل الحرائق والانفجاريات في كل مكان، بل كيف يستطيع تجاهل الأشواق والأحزان والمصائب والخيبات والهزائم وحتى الأفراح والإنجازات الإنسانية الكبرى؟ ويستمر في الغرق في الغيبوبة، وبطريقة مبتذلة؟ بل كيف يستطيع أن يدفن وجهه في التراب وأن يلغي نفسه ويستقيل من الحياة ويخرج من الزمن ويخلق عالماً من الأوهام والخيالات؟، كيف يمكن له أن يترك الحريق وأن يهرب منه لتخذ لنفسه مكاناً قصياً، يكتب فيه لحبيباته الورقيات ويشتري لهن وروداً من البلاستيك، وحتى خاتم سليمان ؟!
لا أحد يمتلك الجواب، لأن الكتابة عن الحب بهذا الأسلوب المبتذل، تتطلب شجاعة غير عادية. بل ربما تتطلب قدرة فائقة على ممارسة التزييف واللعب بالكلمات واستحضار عواطف اصطناعية. وذلك لأن الكتابة عن الحب بصدق وعمق، هي أقرب إلى الكتابة عن الوطن ومدنه وناسه وصوره وأصواته وشواطئه وصباحاته وأفجاره وشموسه وطيوبه وأحلامه، ولكن الكتابة عن الحب بهذه الصورة المبتذلة، هي فعلاً أقرب إلى صناعة الزهور البلاستيكية التي لا علاقة لها بالفن ولا بالطبيعة ولا بالصدق ولا بالمشاعر.
* همس:
خلف النافذة الغائمة
جلست،
والمطر ناعماً يهمس.
يده تعانقني،
وغبار الطريق البطيء
والسفر.
وفي غيبوبة النوم أنادي:
عانقيني أيها اللحظة
كما كنَّا صغارًا.