يقول أحد الهاربين من أحكام القضاء والفارين إلى بلاد الضباب حيث جنة الأحلام وأرض الحقوق ومدرسة الإنسانية إنه سجل اسمه لتلقي اللقاح فظهر اسمه بعد 38 مليون اسم، ولا نقول سوى سلام يا البحرين.

عن البحرين كتبت مقال وأرسلته لصحيفة الشرق الأوسط يوم الجمعة صباحاً لينشر الأحد كما جرت العادة، أي أنني كتبته وأرسلته قبل أن أرى تغريدة الأخ الذي يتمنى لو أنه في البحرين ليأخذ اللقاح بسرعة، سبحان الله على توارد الخواطر.

ومقالي كان بعنوان «راجو تطعم قبلي» كتبت فيه «حين ذهبت لأخذ اللقاح ضد كورونا كان طابور الانتظار طويلاً في المركز الصحي وحافل بالعمالة الآسيوية فقد شكلوا ما يقارب الـ 40% أو أكثر من طول الطابور، إذ إنه في هذا اليوم تطعم 12 ألف فرد، 4800 منهم أجانب.

وقفت أنتظر دوري وأمامي عدد من العمالة الآسيوية سبقوني في الطابور وتساءلت وأنا أشاهد هذا المنظر الذي يجسد القيمة الحقيقية للقيم الإنسانية الأصيلة حيث يتساوى الإنسان هنا في بلدي البحرين دون النظر لجنسه ولونه وعرقه وجنسيته وحتى دون النظر لكونه مواطناً أو مقيماً وأياً كانت صفة إقامته، تساءلت هل من يمسك بميزان الحقوق في المنظمات الدولية ووزارات الخارجية والاتحادات الأوروبية ويكتب عنا تقارير تقيم درجة اهتمامنا بالحقوق الإنسانية هل يرى هذا المنظر؟ هل يوجد في بلاده أصلاً مثل هذا التطبيق العملي لمعنى «البشر سواسية كأسنان المشط»؟ هل يراني وأنا المواطنة أنتظر دوري بعد عامل آسيوي سيأخذ اللقاح قبلي وسيكلف دولة ليست دولته -وربما لن يبقى فيها- مبلغ وقدره 40 دولاراً كفلته له دولتنا دون من ولا أذى، بل دون حتى أن يطلب منها ذلك أو تكون ملزمة بذلك؟».

«تعاملنا الإنساني مع العمالة الأجنبية خلال جائحة كورونا ما هو سوى مؤشر واحد فقط من عدة مؤشرات أخرى تقيس بشكل جلي من خلالها حقيقة وأصالة قيمة الإنسان وحقوقه وحرياته في مملكة البحرين على سبيل المثال، رغم كون البحرين من الدول المستهدفة في التقارير الحقوقية الغربية إلا أن الاعتبارات الحقيقية للقياس لا تؤخذ بعين الاعتبار بقدر ما تحرص تلك التقارير على انتقائية المؤشرات الحقوقية بشكل يجردها من مصداقيتها وأمانتها وحتى دقتها التي من المفروض أن تنتهج المعايير العلمية الرصينة.

حيث تحفل التقارير بإشارات سلبية لمتابعة حالات فردية ومصادر معلوماتها أحادية وتتغاضى وتتعامى عن قصد وترصد الحالة العامة التي تبين أن دولة عربية شرق أوسطية كالبحرين يتمتع فيها الإنسان بحقوق فاقت بكثير ما تمنحه دولهم للإنسان.

فلا يوجد مشردين ولا ساكنين للخيام ولا جائعين ولا تجد حتى أجنبياً في دولنا يمد يده فقد حرصت البحرين على تكون لها الصدارة في مكافحة الاتجار بالبشر حماية لهذه العمالة، وأزالت قيد الكفيل منذ سنوات عديدة، ومنحته تأشيرة مرنة يستطيع من خلالها أن يختار العمل الذي يريده، وله حرية التعبد وفق ديانته وطقوسه واحتفالاته علنية بل يشارك بها مسؤولون من الدولة دلالة على احترام المعتقدات وحرية الفكر في هذا البلد، ثم يأتيك تقرير غربي يتحدث عن تقييد حرية «الناشط» الفلاني، أو منع إقامة دار عبادة والمقصود «المآتم» في المربع الفلاني، ودور العبادة المبنية أصلاً نصفها خالٍ أو لا يرتاده أحد لكثرتها!!».

هنا في بلدي في موطني يأتيك الدواء باتصال هاتفي، هنا في بلدي تأتيك الحافلة المدرسية وتأخذ طفلك وتعلمه وتعيده لك مجاناً، هنا في بلدي تمنحك أرضاً وسكناً بأسعار أقل من التكلفة، وهنا في بلدي تعطيك بدلاً للسكن إلى حين يأتي دورك لتعطى وحدة سكنية، هنا في بلدي كنت على رأس عملك ولديك سيارتك الخاصة معززاً مكرماً في محيطك الاجتماعي والوظيفي لكنك ومع كل ذلك وقفت تحت شعار «باقون حتى يسقط النظام»، لذلك فإن أول درس يجب أن يدرس في مادة حقوق الإنسان هو الإقرار بالحق والامتناع عن الجحود والنكران طوعاً وعرفاناً، حتى لا يأتي يوم عليك تضطر فيه اضطراراً لهذا الإقرار بعد أن تلمس الفرق.