سيارة تقف فجأة في إحدى مسارات الشارع، وينزل منها مرافق السائق شيخ كبير في السن، مبتعداً عن السيارة محاولاً عبور الشارع بالاتجاه الآخر، وهو يبدي استياء ويهذي بكلام غير مسموع، وينزل من خلفه السائق محاولاً اللحاق به، ثم يقود الرجل الكبير إلى السيارة وسط تبادل الكلمات بين الاثنين ويعيده إلى السيارة بعد أن أمسكه بالقوة.

وتقف سيارات أخرى بالقرب منهم مستغربين من وضع الرجل الكبير. المشهد كما يظهر للعامة من الناس أن الرجل مع ابنه في السيارة، ولسبب ما ينزل منها وهو يندب حظه ويتحسب، والمجتمعون ينظرون إلى الولد بشكل مقزز، ولسان حالهم يقول «مسكين ذاك الرجل، يعاني من عقوق هذا الابن». البعض يشاهد صامتاً والبعض يسمع الابن كلمات لعله يدرك حجم الجحود والعقوق الذي هو فيه، هذا يقول له لا حول ولا قوة إلا بالله، الله لا يبلانا والثاني يقول حسبي الله ونعم الوكيل، يا ويلك من الله.

الصورة ليست بالهينة ولا من المشاهد التي يرغب أحد بمشاهدتها، كل من وقف لثوانٍ ودقائق قال كلمة وأظهر استياء من هول الموقف وذهب، ودون أن يسمح لنفسه بأن يستفسر عن الوضع ولماذا يحصل كل هذا؟

الابن سمع ما سمع من كلمات ومن نظرات قالت الكثير، ولم يبالِ وقتها بمن هو حوله! فلماذا يا ترى؟ هل هو اللامبالاة بالمجتمع وما يقوله حيال ظاهرة لا يتمناها مجتمعنا، أم هناك سبب آخر يدفع الرجل للسكوت؟

والحقيقة كما أصفها لكم من لسان صاحب الحال وصاحب المقال «أي أنا»، أن والدي ظهر عليه التعب في وقت متأخر من الليل، فحاولت أخذه إلى المستشفى الذي يتابع حالته دائماً، وفي الطريق كان والدي يصر على عدم الذهاب إلى هذا المستشفى بالذات ويفضل أي من المستشفيات الخاصة الصغيرة، وحين أدرك أنه أمام المستشفى فتح باب السيارة ونزل منها في الشارع مبتعداً وهو يقول لن أذهب مهما يحصل. وخرجت خلفه أحاول إعادته للسيارة وأخذه للمستشفى قبل أن تتفاقم حالته، وأنا أقول له لن آخذك إلى مستشفى آخر فليس هناك مستشفى غيره هذا يستقبل مشاكل القلب.

ما حدث أن والدي كان يعاند نفسه والجميع بإهمال وضعه الصحي، وإصراري في أخذه للمستشفى في ذلك الوضع ظهر للناس عقوق وجحود، فمنظر الرجل الكبير والابن العاق خلفه هو أول ما يصفه الناس في هذا الحال، دون إدراك أو عذر بأن الوضع ربما يكون مختلفاً تماماً عما يبدو. فليس بكل القسوة عقوق وليس في كل التهاون طاعة. فهل أنا عاق وقاسٍ؟

وها هو والدي الآن يرقد في المستشفى في وضع حرج بسبب عناده وإصراره، وليته وقتها وقبلها سمع كلامي والتزم.