إن اعتقاد البعض أن فتح المجال للتعبير عن عواطفهم ومشاعرهم تجاه الآخرين في العمل يُعد ضعفاً وتهاوناً في التعامل مع الآخرين إنما هو اعتقاد خاطئ يضر ولا ينفع ومبرره غير المقبول لديهم بأننا بذلك نعطي فرصة للآخرين باستغلالها كنقطة ضعف في الحصول على مكتسبات خارج إطار خط العمل وأهدافه وخططه، فكيف لنا أن نخلق بيئة عمل صالحة وإبداعية تتسم بالمبادرة والشغف تدعم قيم الولاء للمؤسسة دون أن يكون هناك روابط ومساحة خضراء تشمل جميع المنتسبين وتبني بينهم أواصر التواصل والتعاون لتحقيق أكبر إنجاز ممكن. نحتاج أن نعترف بشجاعة بأهمية الذكاء العاطفي وتوظيفه في إدارة المؤسسات والمنظمات وأن نمتلك القدرة على فهم وتبادل المشاعر مع الآخرين والتحكم فيها وضبطها وتوجيهها بشكل سليم، لبناء علاقات متينة وناجحة بين الأفراد، لتدعيم السلوك الإيجابي في المواقف المختلفة، وتطوير قدرات الموظفين على الاستفادة من المشاعر الإيجابية ذاتية القيادة مثل الثقة والحماس والشغف والمبادرة، التي تنعكس على المؤسسة وأدائها وإنجازاتها.

ولنا في كل تجارب الإدارة الناجحة المثل والدليل، فالجمع بين صرامة القانون واللوائح والعواطف والمشاعر يخلق شكلاً مميزاً للمؤسسة، فلو لم يكن للعاطفة مكان ما سمعنا عن روح القانون ولو كان الدين جامداً ما صلح لكل العصور وكذلك قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، «أنتم أعلم بأمور دنياكم»، فالقانون أعمى والنصوص جامدة، تبصر وتتحرك بإعمال العقل، فنجاح هذا الأسلوب الإداري يأتي من قدرة القادة والموظفين على النقاش الفعال وتبادل المعلومات المهمة وتقديم ملاحظات قيمة وإقامة علاقات إيجابية ناجحة، ففي أزمة جائحة كورونا التي بدأت من أواخر عام 2019 واجتاحت العالم وألقت بتبعاتها على الحياة البشرية بسرعة كبيرة فتأثرت اقتصادات الدول بالسلب وأفقدت العديد من الناس وظائفهم، وتوقفت أنشطة بشرية كثيرة وتغيرت أنماط الحياة وفقاً لما فرضه الوضع الوبائي، وهنا كان الدور الأبرز للذكاء العاطفي في الإدارة بناء الثقة بين القادة وتابعيهم وتحفيزهم والتخفيف من التبعات النفسية عليهم وقلقهم من مستقبل لا تبدو ملامحه مبشرة على المدى القريب على الأقل.

الفارق كبير بين من سرح موظفيه بقرار عام وجائر لا رؤية له ومن نقاش ومشورة، وبين من عقد اتفاقاً معهم وتبادلوا الرأي وتدارسوا القرار ليعبروا بمؤسستهم المحنة يداً بيد واستغلال الفرصة للتطوير وتحسين المهارات والمعارف والقدرة على التعامل بشكل مناسب واحترافي مع الوضع؛ للوقوف من جديد استناداً إلى معايير الوعي الذاتي للتعرف على مشاعرك ونقاط قوتك وضعفك وقيمك ودوافعك تجاه موقف معين وكيفية تأثيرها على الآخرين، وضبط الذات من خلال السيطرة على المشاعر المضطربة أو السلبية ومحاولة توجيهها بشكل صحيح، والدافعية من خلال مجموعة من المشاعر والعواطف التي تحمس الفرد على تحقيق أهداف المؤسسة، والعاطفة التي تمكننا من فهم مشاعر الآخرين وكيفية تفاعلهم مع الأحداث من حولهم، والمهارات الاجتماعية التي تتطور بالتفاعل الاجتماعي المستمر، لنصل في نهاية المطاف إلى أرض واسعة وخصبة للتعاون والتنمية نتيجة التواصل الفعال ومواجهة التحديات والمصاعب بروح الفريق.

ربما وقع القادة والمديرون في الفترة الماضية بين مطرقة تحقيق الأهداف الاستراتيجية وسندان العاطفة مع الموظفين -وهذا أمر طبيعي- لكن لنتعامل بشكل مختلف في إدارة الأزمة ونجرب طرقاً وأساليب مختلفة، وندع التجربة تثبت لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن الذكاء العاطفي مؤشر للنجاح والنضج الإداري للقادة والمنظمات.

* أستاذ مساعد بالجامعة الخليجية