حادثتان غريبتان تداولتهما وسائل الإعلام، وسببتا صدمة للمتابعين. الحادثتان منفصلتان وكل واحدة منهما وقعت في دولة عربية مختلفة. ولكن بوضع الحادثتين بصورة متجاورة تتضح مقاربات تنم عن نسق «ذهني» مشترك ومقلق. لا يعرف بالضبط المستوى الذي بلغه في عالمنا العربي.
الحادثة الأولى وقعت في مصر حين قرر «العريس» تطليق «عروسه» في حفل الزفاف لأنها اختارت أغنية «مسيطرة» من ضمن باقة أغاني الزفاف ورقصت عليها. والحادثة الثانية وقعت في البحرين، وطلبت فيها الزوجة الطلاق لأن زوجها لا يشبه أبطال المسلسلات التركية. وليس رومانسياً مثلهم!! الحادثتان انتهتا بالطلاق. وفي كل مرة يختلف فيها جنس الطرف الراغب في الانفصال. وذلك كي نتجاوز التفسيرات النمطية لارتباط الطلاق بخصائص الذكورة أو الأنوثة.
والتفسير العام للواقعتين يبين الأثر البالغ الذي صارت تشكله منصات التواصل على تصورات الناس وتوقعاتهم للبشر ولمختلف جوانب الحياة. إنها باتت ركناً رئيساً في صياغتهم لعلاقتهم بعوالمهم وبالمحيطين بهم. وبتفكيك كل حادثة على حدة. فإن «العريس» الذي استفزته أغنية «مسيطرة» رأى في اختيار عروسه لها في حفل الزفاف العلني تأسيس عقد اشتراطي بينهما يفضي لكونها ستكون هي المسيطرة. وأنها ستسيره على مسطرة وتعدل مساره إن اعوج على ما تم الاتفاق عليه، كما تقول كلمات الأغنية. وهو بذلك ربط بين مغازي كلمات الأغنية، وما ستؤول إليه حياتهما المستقبلية. أما في القصة الثانية فإن الزوجة قارنت بين زوجها الذي عاشت معه فترة من الزمن، وما تشاهده من مسلسلات رومانسية على الشاشة. ووجدت الفرق شاسعا في عدة نواح.
مما أدخلها في أزمة «اغتراب» تجاه زوجها، فطلب الطلاق. الزوجة قارنت بين عالمين تظن أنهما متحققين بنفس الدرجة. عالم الحياة الزوجية مع زوجها. وعالم الحب في المسلسلات. وفي كلتا الحالتين كان الطرف المنسحب من العلاقة الزوجية يقارن شريكه بنموذج آخر. نموذج سلبي «مسيطرة». ونموذج مثالي «أبطال الأعمال الفنية». وكلا الطرفين عاش حالة انفصال عن الواقع. وانغماس كامل مع تصوراته لعالم آخر. لقد غاب «الشريك» تماماً بسماته وخصائصه وشخصه. لم يعد موجوداً لذاته هو. بل تم إعادة تشكيل «كيانه» بتقييمه بناء على مقارنته بالآخر الذي لا مكان له سوى التصورات الذهنية. وهذه النتيجة هي أخطر ما أفرزته منصات ووسائل التواصل الاجتماعي. إذ قدمت لنا عالماً آخر متكاملاً بعلاقاته ونموه الذاتي وتقاطعه مع عوالم من نفس تكوينه. تلك العوالم ليست حقيقية. إنها مبنية على طبيعة شخوصها وشروط استمرارهم واستمرار عالمهم «المصنوع كلياً» الذي نجهل كثيراً من أسراره. لكن الظواهر الأخطر التي صرنا نشاهدها، هي أن تتحول جزيئات تلك العوالم إلى معطيات نبني عليها علاقتنا بالواقع المختلف تماماً عن عالم «المنصات». الاندماج الطويل مع منصات التواصل المختلفة بدأ يمارس ما يشبه عملية «غسيل الدماغ» لمُدمِنِيه. وخلق حالة من «اللبس» بين الإنسان ومحيطه نتيجة المقارنات الهائلة بين العالمين. تبدأ القصة بإدمان تلك المنصات والتقوقع عليها. وتنتهي برفض الواقع الحقيقي والانسحاب منه. إنها جزء من مسيرة البشرية الحديثة نحو العزلة والانفكاك عن الواقع.
الحادثة الأولى وقعت في مصر حين قرر «العريس» تطليق «عروسه» في حفل الزفاف لأنها اختارت أغنية «مسيطرة» من ضمن باقة أغاني الزفاف ورقصت عليها. والحادثة الثانية وقعت في البحرين، وطلبت فيها الزوجة الطلاق لأن زوجها لا يشبه أبطال المسلسلات التركية. وليس رومانسياً مثلهم!! الحادثتان انتهتا بالطلاق. وفي كل مرة يختلف فيها جنس الطرف الراغب في الانفصال. وذلك كي نتجاوز التفسيرات النمطية لارتباط الطلاق بخصائص الذكورة أو الأنوثة.
والتفسير العام للواقعتين يبين الأثر البالغ الذي صارت تشكله منصات التواصل على تصورات الناس وتوقعاتهم للبشر ولمختلف جوانب الحياة. إنها باتت ركناً رئيساً في صياغتهم لعلاقتهم بعوالمهم وبالمحيطين بهم. وبتفكيك كل حادثة على حدة. فإن «العريس» الذي استفزته أغنية «مسيطرة» رأى في اختيار عروسه لها في حفل الزفاف العلني تأسيس عقد اشتراطي بينهما يفضي لكونها ستكون هي المسيطرة. وأنها ستسيره على مسطرة وتعدل مساره إن اعوج على ما تم الاتفاق عليه، كما تقول كلمات الأغنية. وهو بذلك ربط بين مغازي كلمات الأغنية، وما ستؤول إليه حياتهما المستقبلية. أما في القصة الثانية فإن الزوجة قارنت بين زوجها الذي عاشت معه فترة من الزمن، وما تشاهده من مسلسلات رومانسية على الشاشة. ووجدت الفرق شاسعا في عدة نواح.
مما أدخلها في أزمة «اغتراب» تجاه زوجها، فطلب الطلاق. الزوجة قارنت بين عالمين تظن أنهما متحققين بنفس الدرجة. عالم الحياة الزوجية مع زوجها. وعالم الحب في المسلسلات. وفي كلتا الحالتين كان الطرف المنسحب من العلاقة الزوجية يقارن شريكه بنموذج آخر. نموذج سلبي «مسيطرة». ونموذج مثالي «أبطال الأعمال الفنية». وكلا الطرفين عاش حالة انفصال عن الواقع. وانغماس كامل مع تصوراته لعالم آخر. لقد غاب «الشريك» تماماً بسماته وخصائصه وشخصه. لم يعد موجوداً لذاته هو. بل تم إعادة تشكيل «كيانه» بتقييمه بناء على مقارنته بالآخر الذي لا مكان له سوى التصورات الذهنية. وهذه النتيجة هي أخطر ما أفرزته منصات ووسائل التواصل الاجتماعي. إذ قدمت لنا عالماً آخر متكاملاً بعلاقاته ونموه الذاتي وتقاطعه مع عوالم من نفس تكوينه. تلك العوالم ليست حقيقية. إنها مبنية على طبيعة شخوصها وشروط استمرارهم واستمرار عالمهم «المصنوع كلياً» الذي نجهل كثيراً من أسراره. لكن الظواهر الأخطر التي صرنا نشاهدها، هي أن تتحول جزيئات تلك العوالم إلى معطيات نبني عليها علاقتنا بالواقع المختلف تماماً عن عالم «المنصات». الاندماج الطويل مع منصات التواصل المختلفة بدأ يمارس ما يشبه عملية «غسيل الدماغ» لمُدمِنِيه. وخلق حالة من «اللبس» بين الإنسان ومحيطه نتيجة المقارنات الهائلة بين العالمين. تبدأ القصة بإدمان تلك المنصات والتقوقع عليها. وتنتهي برفض الواقع الحقيقي والانسحاب منه. إنها جزء من مسيرة البشرية الحديثة نحو العزلة والانفكاك عن الواقع.