الاعتقاد السائد لدى أولئك الذين يعتبرون أنفسهم «معارضة» ومفاده أن أمريكا وبريطانيا لا تتكلفان غير توجيه الأمر لأي دولة من دول الخليج العربي لتنفذ ما تريدانه منها اعتقاد خاطئ. ولأنهم لا يزالون دون القدرة على فهم هذا الأمر لذا فإنهم لا يترددون حتى عن توجيه اللوم للحكومتين الأمريكية والبريطانية واتهامهما بأنهما منحازتان إلى تلك الدول وتغلبان مصلحتيهما على كل مصلحة، فلا تلتفتان إلى ملف حقوق الإنسان فيها رغم رفعهما لشعارات مناصرة هذا الملف.

هذا يوفر مثالاً جديداً على عدم استيعاب أولئك للسياسة وبعدهم عن الواقع وتحليقهم في الخيال. هم يعتقدون أن الأمر لا يعدو قيام بريطانيا أو أمريكا – لو أرادت – إصدار الأوامر إلى الحكام ليقوموا بتنفيذ ما يراد منهم وأن هذا يشمل كل شيء.

ما ينبغي أن ينتبه إليه أولئك جيداً هو أن دول الخليج العربي كافة دول مستقلة، ولا يمكن لا لبريطانيا ولا لأمريكا ولا لغيرهما توجيهها وفرض ما تريد عليها.

لعل المثال الأبرز هنا المواقف المختلفة لدول الخليج العربي واختلافها مع مواقف أمريكا ودول أوروبا فيما يخص الحرب في أوكرانيا، «ففي الوقت الذي قامت فيه أمريكا ودول أوروبا بفرض عقوبات على موسكو التزمت دول مجلس التعاون الخليجي بسياستها الدبلوماسية واكتفت بالدعوة لوقف الحرب واللجوء للمفاوضات.. وأبدت قطر والكويت رفضهما انتهاك سيادة أراضي أوكرانيا بينما برزت الإمارات بعضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن برفض التصويت المؤيد لقرار يندد بتدخل روسيا في أوكرانيا»، وهذا يعني أن قرارات هذه الدول تخصها وحدها ولا يمكن لأحد فرض ما يريد عليها. الولايات المتحدة ودول أوروبا وكل القوى في العالم تتخذ ما تريد من مواقف وقرارات لكن لا يمكنها فرض ذلك على دول مجلس التعاون، فهذه الدول مستقلة ولا يمكن أن تضحي بمصالحها واستقلالها من أجل سواد عيون أحد. عدا أن العالم كله صار يعرف كيفية المتاجرة بملف حقوق الإنسان.