سماهر سيف اليزل
أول من استورد «الأكريليك» و«الجاكوزي» للبحرين
أول بحريني أحصد شهادة FAA.. ومدير «جلف أفييشن» رفض توظيفي
كلفة دراستي للطيران كانت تكفي لبناء 6 بيوت صغيرة
600 دينار فاتورة أول دفعة بلاط استوردتها
«قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا» قاعدة أسير بها في حياتي
امتلكت 1000 قطعة من نماذج الطائرات الحربية بقي منها 200
أحتفل بمرور نصف قرن على انطلاق تجارتي وأعمالي
صاحب الوجه البشوش والابتسامة الجميلة المحب للوطن وللتاريخ، الطموح الذي أحب الطيران وسعى له حتى كان أول بحريني ينال شهادة «FAA» الأمريكية للطيران، لكن عاكسته الظروف ليبقى حلم الطيران ذكرى جميلة ويتجه إلى تجارة الأدوات الصحية برأسمال يبلغ 5 آلاف دينار منها 3 آلاف كان يدخرها.
احتفظ بذكرياته وعشق المقتنيات القديمة و«الأناتيك». أنشأ متحفه الخاص والمختلف، صنع اسمه الخاص في عالم الأدوات الصحية وظل علماً منيراً خمسين عاماً، ولم يكن أول من حصل على شهادة الطيران بل كان من أوائل من أحضر مختلف الأدوات الصحية الحديثة إلى البحرين.
هو الكابتن ورجل الأعمال يوسف صلاح الدين، التقته «الوطن» لتستمتع بسيرته ومسيرته الحافلة، ولتغور بين تفاصيله الشخصية والعملية وتنفسنا عبق الماضي معه داخل مكتبه المليء بالصور والبوسترات والمجسمات والأغراض النادرة والجميلة.. وفيما يأتي نص الحوار:
حدثنا عن الميلاد والنشأة؟
- ولدت في أسرة بحرينية بـ«فريج كانو» أحد الأحياء المعروفة بمدينة المنامة في 12 فبراير 1951، درست في مدارس البحرين الحكومية وأنا أفتخر بكوني ممن درس بالمدارس الحكومية، حيث إن ذلك منحنا خبرة مجتمعية، كما أن هذه الدراسة ألغت «الطبقية»، ما أعطى الفرد إحساساً أنه داخل مجتمع أو عائلة كبيرة متنوعة ومختلفة متآخية ومتحابة رغم كل الفروقات.
هذا الأمر كان مطبقاً في المنزل الذي ترعرت به حيث لم يكن هناك أي تفرقة بل كان الاحترام هو أساس التعامل مع الجميع، من أقارب وأصدقاء وأهل الحي، وهذا الأمر خلق بيئة جميلة وإحساساً بالانتماء إلى عائلته ومدينته ووطنه، وغرست العائلة فينا منذ الصغر حب الله وحب الوطن وحب العائلة الحاكمة.
حدثنا عن بداية حلم الطيران وتفاصيل تحقيقه؟
- منذ الصغر أثرت علي عوامل مختلفة، فوالدي كان مهندساً معمارياً وكان كثير السفر، وبحكم قربي منه كنت أذهب معه إلى المطار وحتى إلى داخل الطائرة، وكان يحضر مجسمات للطائرات، الأمر الذي أثار فيّ حب الطيران والشغف به.
كما كان لوالدي مجموعة فلل سكنية تؤجر لأفراد سلاح الجو الملكي البريطاني، وكنت أذهب معه لزيارة مكاتب الإدارة في مطار المحرق وكنت أشاهد العديد من الطائرات المدنية والحربية ما زاد حبي للطائرات، وكبر هذا الحب معي حتى إن رسوماتي في المراحل الدراسية تكون رسومات لطائرات أو معارك جوية، وفي أول إجازة لأخي المهندس محمد صلاح الدين وكان يدرس في بريطانيا في عام 1964، أهداني طائرة صغيرة تقلع بالتحكم عن بعد اسمها «سبيت فاير»، وهي مشهورة منذ أيام الحرب العالمية الثانية، وعندما رآها جدي سألني ما هذه؟ فأجبته بأنها طائرة تطير اسمها «سبيت فاير»، فابتسم وقال لي: «هل تعلم أن حاكم البحرين وأهلها تبرعوا خلال الحرب العالمية الثانية بمبالغ مالية لشراء 6 طائرات أهدوها لإنجلترا وحاربت في الحرب العالمية الثانية؟» هذه المعلومة التاريخية أعطتني اهتماماً أكثر بالطيران وحفزتني لأن أكون طياراً.
وجدت صعوبة في إقناع جدي المرحوم الحاج أحمد بن حسن إبراهيم، ولكن عندما رأى إصراري على دراستي للطيران وافق، وكنت أحب الطائرات الحربية ولكن لعدم وجود سلاح جوي بالبحرين قررت أن أتجه لدراسة الطيران المدني.
ذهبت إلى مصر للدراسة في عام 1969 بمعهد إمبابة للطيران، وبسبب حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل لم أستطع إكمال دراسة الطيران فانتقلت إلى معهد الطيران بمطار نيقوسيا الدولي في قبرص وتخرجت في أواخر عام 1970 وأعتبر نفسي أول طيار بحريني يمتلك شهادة «FAA الأمريكية للطيران» وكان مكتوباً في الشهادة «المنامة - المملكة المتحدة» فاعترضت على ذلك، فأعلموني أن البحرين لم تحصل على الاستقلال في ذلك الوقت، وعند تجديد الشهادة أصبح مكتوباً بها «المنامة - دولة البحرين».
رجعت إلى البحرين بعد تخرجي للعمل لدى شركة «جلف أفييشن» وهي شركة طيران الخليج حالياً، وكانت مملوكة في ذلك الوقت لحكومة البحرين وحسين يتيم وشركة يوسف بن أحمد كانو وخليفة القصيبي من السعودية وعبدالله درويش فخرو من قطر وشركة الطيران البريطانية، ويرأسها كابتن بودجر، ولكنه رفض مقابلتي.
وعندما علم بذلك المرحوم الشيخ عيسى بن عبدالله بن حمد آل خليفة رئيس الطيران المدني آنذاك، الذي كان فخوراً بكوني أول طيار قام بتحديد موعد في اليوم التالي لمقابلة كابتن بودجر، الذي كان غير متعاون ولم يقبل حتى دخولي إلى مكتبه وأعلمني أن الشركة لا تقبل طيارين بحرينيين، رغم أن دراسة الطيران مكلفة، فقد كلفتني حوالي 21 ألف دينار وهو مبلغ كان يكفي في ذاك الوقت لبناء 5 إلى 6 بيوت صغيرة؛ لذا أنصح كل من يريد دراسة الطيران أن يتأكد من حصوله على دعم من الحكومة أو شركات الطيران.
وأصبحت بين خيارين: إما أن أظل في البحرين وإما أن أذهب إلى إفريقيا للعمل كطيار، وكان الطيار في بداية السبعينيات يتقاضى 500 جنيه إسترليني ويعتبر مبلغاً كبيراً، وكانت هناك إحدى الدول التي تعرضت لحرب وكان لديهم حاجة ملحة لوجود طيارين براتب 1500جنيه، ولكن قررت أن أظل في البحرين وودعت الطيران، ولكن مازلت إلى الآن ملماً بتاريخ الطيران.
حدثنا عن بداية عملك واتجاهك إلى مشروعك التجاري للأدوات الصحية وكم كان رأس المال الذي بدأت به؟
- بدأت برأس مال لا يتجاوز 5 آلف دينار، منها 3 آلاف دينار كنت أدخرها، و1000 دينار من والدتي وأخرى من أخي المهندس محمد.
وكانت البداية بعملي مع أخي المهندس محمد في إدارة أعمال العائلة في بناء وصيانة أملاك العائلة في عام 1971، وأعلمني أخي بوجود نقص في بعض مواد البناء والأدوات الصحية والبلاط الحديث ونصحني بجلبها، فقررت البدء في تجارتي الخاصة عام 1972، وأصبحت معروفاً بتوفير نوعيات جيدة، وأحتفل بمرور 50 عاماً على انطلاق أعمالي.
ما الإضافة التي قدمتها للسوق وهل استطعت أن تقدم شيئاً جديداً؟
- كنت أحد التجار الأربعة أو الخمسة الكبار في تجارة الأدوات الصحية والبلاط في ذلك الوقت، إضافة إلى نحو 10 من التجار الصغار، وبسبب حبي للسفر وكثرة سفري استطعت أن أحضر بضائع متجددة، وفي ذلك الوقت كان لحوض الاستحمام «البانيو» نوعان، الأول «كاست آيرون» ويعتبر مكلفاً جداً ولكنه قوي؛ إذ يدوم حتى 30 عاماً، ونوع آخر أقل سعراً وخفيف الوزن وهو «برست ستيل» لكنه سريع التلف.
وفي عام 1976 رأيت نوعاً جديداً من مادة تسمى «الأكريليك»، فقمت باستيراده وكنت أول من استورد هذا النوع من الأحواض كما أنني كنت أول من استورد «الجاكوزي» للبحرين في عام 1980.
حدثنا عن حبك لجمع المقتنيات والأشياء القديمة ومتى بدأت هذه الهواية؟
- منذ أن كنت في التاسعة من عمري، أهدتني والدتي صورتين وأنا أعتز بهما كثيراً، حيث أهدتني صورتين من النسخ الأصلية الأولى كانت لمحمد علي باشا تعود لعام 1936، والثانية كانت للمغفور لهم بإذن الله أصحاب السمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين آنذاك وسمو الشيخ عيسى وسمو الشيخ خليفة وسمو الشيخ محمد تعود لعام 1960، وكانتا النواة لتولعي الشديد في الاحتفاظ بالصور التاريخية، وفي مجموعتي العديد من النسخ الأصلية وحتى التي تم نسخها وعدد من الصور التي لا توجد منها إلا نسخة واحدة وهي من ضمن مقتنياتي الثمينة.
وفي يوم ما كنت أملك 1000 قطعة من نماذج طائرات وسيارات حربية وسفن، واليوم اختزلت إلى 200 قطعة، والكثير من الصور تم تعليقه وغيره الكثير لم يتم تعليقه.
كما أن لدي مجموعة من التحف التي أعتز بها كنموذج لصحن كان موجوداً في السابق ببريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية التي كانت الحكومة في ذلك الوقت تطلب مساعدة مالية لشراء طائرات «سبيت فاير»، التي رسمت على هذا الصحن.
كما أن لدي عدة نماذج للطائرة «سبيت فاير» التي تبرعت بها البحرين حكومة وشعباً لشراء 6 طائرات في عام 1941 وكتب عليها اسم البحرين في الحرب العالمية الثانية، إلى جانب صور أصلية للعديد من الشخصيات الكبيرة والمعروفة ليست فقط على مستوى البحرين بل في العالم أجمع، والإصدارات الأولى لبعض الصحف البحرينية والمجلات التي كانت خارج وداخل البحرين، والعديد من العملات القديمة المزورة والأصلية البحرينية وغيرها ونسخ من رسائل كان يتم كتابتها لكبار الشخصيات لتعبر عن أهمية الشخص، إلى جانب نماذج للعديد من السيارات والطائرات القديمة وعدد من المقتنيات والأناتيك المختلفة والمتنوعة.
ماذا تعني لك هذه المقتنيات وما أقرب المقتنيات لقلبك؟
- الصورة الأقرب لقلبي صورتين إحداهما من والدتي وهي الصورة الثانية التي أهدتها لي والدتي وكانت ملونة تجمع المغفور لهم بإذن الله أصحاب السمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة والشيخ عيسى والشيخ خليفة والشيخ محمد، والصورة الثانية للمرحوم والدي مع المغفور له بإذن الله الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة في قاعة المرايا وأعتقد أن هذه هي الصورة الوحيدة التي تظهر في هذه القاعة وهما الأقرب لقلبي.
والمقتنيات لها قيمة، والأحداث يجب أن توثق وتحفظ، وهناك مناسبات عديدة توثق بالصور وتجعلك تستذكر اللحظات، وأنصح الجيل الجديد أن يحافظ على ما يملكه وخصوصاً ما حصل عليه من الآباء والأجداد والأمهات والجدات، وهي هواية أنصح أن يهتم الأشخاص بها.
كيف يقضي يوسف صلاح الدين رمضان؟
- شهر رمضان شهر مبارك وفضيل، ولا شك أن رمضان في السابق كان مختلفاً بحكم محدودية الأشخاص في ذلك الوقت، ورغم صعوبة المواصلات في وقتها، فإن التزاور والتواصل كان أكثر مما هو عليه اليوم، والحي كان أسرة كبيرة، وكانت البيوت البحرينية تستعد لرمضان.
وأذكر أن هناك أشخاصاً خاصين يأتون لتصفير الجدور الكبيرة للطبخ قبل رمضان، ومما أذكره أيضاً أنه قبل نصف ساعة من الفطور كنا نرى أبناء وبنات العوائل يقومون بتوزيع «كابات الأكل» أو الغناج لبيوت الجيران وهي من الأشياء الجميلة والمميزة.
كما أن هناك الكثير من بيوت الأسر الميسورة كانت تضع الفطور أمام باب البيت بحيث يمكن للمارة أو المتعسرين الفطور دون حرج وهذا يدل على عطف وتكاتف المجتمع البحريني، ذلك بالإضافة إلى أن أغلب سكان البيوت كانو يكثرون من قراءة القرآن الكريم وإقامة صلاة التراويح، إضافة إلى الزيارات المستمرة، وكنا نستمتع بسماع المسحراتي «بوطبيلة».
وللمجتمع البحريني خلال شهر رمضان عادات جميلة، ولها طابع جميل تتميز به البحرين خلال الشهر الفضيل، وهناك العديد من الزوار من الدول الشقيقة يحرصون على زيارة البحرين.
وكما هو معروف، فإن شهر رمضان يأتي على مدار الفصول بسبب الفرق بين السنة الشمسية والقمرية، ما جعلني وآخرين نعايش عدة مرات شهر رمضان المبارك في مختلف الفصول.
حكمة تؤمن بها وتسير بها في حياتك؟
- هناك الكثير من الحكم، ولكني آخذها من الآيات الكريمة في القرآن الكريم وهي قول الله تعالى: «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا»، لأنها حكمة من الله سبحانه وتعالى ولكنها لا تعني ألا أهتم أو آخذ الاحتياطات، بل تعني الأخذ بالمسببات وأقتنع وأرضى بما يحصل، وكذلك بالآية الكريمة: «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين».
وعلى الشخص أن يعامل الناس بالحسنى ويسيطر على نفسه، وأن يعفو عنهم ويسامح وقد علمنا أهالينا منذ الصغر أن نتعامل مع الناس كما نحب ونقدم الخدمة أو المساعدة باحترام ومودة، وهذا ما أطبقه في حياتي وأحب أن يطبقه غيري في تعاملهم معي.
موقف لا تنساه ظل مؤثراً بك؟
- هي ذاكرة عائلية كانت بوفاة والدي رحمة الله عليه، حيث كانت وفاته صدمة كبيرة للعائلة وللمجتمع البحريني وخاصة لي بحكم قربي منه وتعلقي به، توفي والدي فجراً، ومن وقع الفاجعة أجهضت عمتي ومات الجنين ثم توفيت فخرجت من بيت العائلة ثلاث جنائز، فجراً وظهراً وعصراً، وكان أمراً مؤثراً للعائلة والأهل والأصدقاء والمعارف وظل هذا الحادث عالقاً في ذاكرتي.
حدثنا عن زواجك وتكوينك للعائلة؟
- قررت أن أحقق طموحي قبل أن أتزوج، لأن الزواج مسؤولية، وكل شخص يتمنى أن يحصل على شريكة حياته التي تكمل معه رحلته، وبعد تكويني لنفسي تزوجت في 21 ديسمبر 1979، وأثمر هذا الزواج ابنتي الكبرى المحامية لطيفة، الحاصلة على ماجستير في المحاماة من جامعة لندن، وابني صلاح الحاصل على ماجستير من جامعة ميامي في إدارة الأعمال، وابنتي فاطمة الحاصلة على ماجستير في السياسة والاقتصاد، وآخر العنقود ابني محمد الذي سيحصل على شهادة ماجستير العام القادم بإذن الله.
ويجب على الشخص أن يرى نفسه في أبنائه، لذلك يغرس بهم حب الله وحب الوطن والقيادة، وأن يكونوا عنصراً مثمراً للبلد والمجتمع، وأن يحسوا بالمسؤولية، وأن نهيئ لهم الفرص ونؤسسهم التأسيس الصحيح، ونغرز فيهم مفهوم المسؤولية المشتركة وخاصة في تكوين الأسر وتربية الأبناء، والحمد لله أنا وزوجتي استطعنا أن نربي جيلاً من الأبناء والبنات عند حسن ظننا بهم.
أول فاتورة لأول دفعة بلاط استوردتها؟
- أول فاتورة اشتريت بها أول دفعة بلاط لعملي الخاص، كانت في حدود 600 دينار، وذلك الوقت كانت البضاعة تأتي داخل صناديق خشبية، ثم ظهرت بعدها الحاويات وكانت البحرين من أوائل الدول التي تستقبل هذه الحاويات.
أول من استورد «الأكريليك» و«الجاكوزي» للبحرين
أول بحريني أحصد شهادة FAA.. ومدير «جلف أفييشن» رفض توظيفي
كلفة دراستي للطيران كانت تكفي لبناء 6 بيوت صغيرة
600 دينار فاتورة أول دفعة بلاط استوردتها
«قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا» قاعدة أسير بها في حياتي
امتلكت 1000 قطعة من نماذج الطائرات الحربية بقي منها 200
أحتفل بمرور نصف قرن على انطلاق تجارتي وأعمالي
صاحب الوجه البشوش والابتسامة الجميلة المحب للوطن وللتاريخ، الطموح الذي أحب الطيران وسعى له حتى كان أول بحريني ينال شهادة «FAA» الأمريكية للطيران، لكن عاكسته الظروف ليبقى حلم الطيران ذكرى جميلة ويتجه إلى تجارة الأدوات الصحية برأسمال يبلغ 5 آلاف دينار منها 3 آلاف كان يدخرها.
احتفظ بذكرياته وعشق المقتنيات القديمة و«الأناتيك». أنشأ متحفه الخاص والمختلف، صنع اسمه الخاص في عالم الأدوات الصحية وظل علماً منيراً خمسين عاماً، ولم يكن أول من حصل على شهادة الطيران بل كان من أوائل من أحضر مختلف الأدوات الصحية الحديثة إلى البحرين.
هو الكابتن ورجل الأعمال يوسف صلاح الدين، التقته «الوطن» لتستمتع بسيرته ومسيرته الحافلة، ولتغور بين تفاصيله الشخصية والعملية وتنفسنا عبق الماضي معه داخل مكتبه المليء بالصور والبوسترات والمجسمات والأغراض النادرة والجميلة.. وفيما يأتي نص الحوار:
حدثنا عن الميلاد والنشأة؟
- ولدت في أسرة بحرينية بـ«فريج كانو» أحد الأحياء المعروفة بمدينة المنامة في 12 فبراير 1951، درست في مدارس البحرين الحكومية وأنا أفتخر بكوني ممن درس بالمدارس الحكومية، حيث إن ذلك منحنا خبرة مجتمعية، كما أن هذه الدراسة ألغت «الطبقية»، ما أعطى الفرد إحساساً أنه داخل مجتمع أو عائلة كبيرة متنوعة ومختلفة متآخية ومتحابة رغم كل الفروقات.
هذا الأمر كان مطبقاً في المنزل الذي ترعرت به حيث لم يكن هناك أي تفرقة بل كان الاحترام هو أساس التعامل مع الجميع، من أقارب وأصدقاء وأهل الحي، وهذا الأمر خلق بيئة جميلة وإحساساً بالانتماء إلى عائلته ومدينته ووطنه، وغرست العائلة فينا منذ الصغر حب الله وحب الوطن وحب العائلة الحاكمة.
حدثنا عن بداية حلم الطيران وتفاصيل تحقيقه؟
- منذ الصغر أثرت علي عوامل مختلفة، فوالدي كان مهندساً معمارياً وكان كثير السفر، وبحكم قربي منه كنت أذهب معه إلى المطار وحتى إلى داخل الطائرة، وكان يحضر مجسمات للطائرات، الأمر الذي أثار فيّ حب الطيران والشغف به.
كما كان لوالدي مجموعة فلل سكنية تؤجر لأفراد سلاح الجو الملكي البريطاني، وكنت أذهب معه لزيارة مكاتب الإدارة في مطار المحرق وكنت أشاهد العديد من الطائرات المدنية والحربية ما زاد حبي للطائرات، وكبر هذا الحب معي حتى إن رسوماتي في المراحل الدراسية تكون رسومات لطائرات أو معارك جوية، وفي أول إجازة لأخي المهندس محمد صلاح الدين وكان يدرس في بريطانيا في عام 1964، أهداني طائرة صغيرة تقلع بالتحكم عن بعد اسمها «سبيت فاير»، وهي مشهورة منذ أيام الحرب العالمية الثانية، وعندما رآها جدي سألني ما هذه؟ فأجبته بأنها طائرة تطير اسمها «سبيت فاير»، فابتسم وقال لي: «هل تعلم أن حاكم البحرين وأهلها تبرعوا خلال الحرب العالمية الثانية بمبالغ مالية لشراء 6 طائرات أهدوها لإنجلترا وحاربت في الحرب العالمية الثانية؟» هذه المعلومة التاريخية أعطتني اهتماماً أكثر بالطيران وحفزتني لأن أكون طياراً.
وجدت صعوبة في إقناع جدي المرحوم الحاج أحمد بن حسن إبراهيم، ولكن عندما رأى إصراري على دراستي للطيران وافق، وكنت أحب الطائرات الحربية ولكن لعدم وجود سلاح جوي بالبحرين قررت أن أتجه لدراسة الطيران المدني.
ذهبت إلى مصر للدراسة في عام 1969 بمعهد إمبابة للطيران، وبسبب حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل لم أستطع إكمال دراسة الطيران فانتقلت إلى معهد الطيران بمطار نيقوسيا الدولي في قبرص وتخرجت في أواخر عام 1970 وأعتبر نفسي أول طيار بحريني يمتلك شهادة «FAA الأمريكية للطيران» وكان مكتوباً في الشهادة «المنامة - المملكة المتحدة» فاعترضت على ذلك، فأعلموني أن البحرين لم تحصل على الاستقلال في ذلك الوقت، وعند تجديد الشهادة أصبح مكتوباً بها «المنامة - دولة البحرين».
رجعت إلى البحرين بعد تخرجي للعمل لدى شركة «جلف أفييشن» وهي شركة طيران الخليج حالياً، وكانت مملوكة في ذلك الوقت لحكومة البحرين وحسين يتيم وشركة يوسف بن أحمد كانو وخليفة القصيبي من السعودية وعبدالله درويش فخرو من قطر وشركة الطيران البريطانية، ويرأسها كابتن بودجر، ولكنه رفض مقابلتي.
وعندما علم بذلك المرحوم الشيخ عيسى بن عبدالله بن حمد آل خليفة رئيس الطيران المدني آنذاك، الذي كان فخوراً بكوني أول طيار قام بتحديد موعد في اليوم التالي لمقابلة كابتن بودجر، الذي كان غير متعاون ولم يقبل حتى دخولي إلى مكتبه وأعلمني أن الشركة لا تقبل طيارين بحرينيين، رغم أن دراسة الطيران مكلفة، فقد كلفتني حوالي 21 ألف دينار وهو مبلغ كان يكفي في ذاك الوقت لبناء 5 إلى 6 بيوت صغيرة؛ لذا أنصح كل من يريد دراسة الطيران أن يتأكد من حصوله على دعم من الحكومة أو شركات الطيران.
وأصبحت بين خيارين: إما أن أظل في البحرين وإما أن أذهب إلى إفريقيا للعمل كطيار، وكان الطيار في بداية السبعينيات يتقاضى 500 جنيه إسترليني ويعتبر مبلغاً كبيراً، وكانت هناك إحدى الدول التي تعرضت لحرب وكان لديهم حاجة ملحة لوجود طيارين براتب 1500جنيه، ولكن قررت أن أظل في البحرين وودعت الطيران، ولكن مازلت إلى الآن ملماً بتاريخ الطيران.
حدثنا عن بداية عملك واتجاهك إلى مشروعك التجاري للأدوات الصحية وكم كان رأس المال الذي بدأت به؟
- بدأت برأس مال لا يتجاوز 5 آلف دينار، منها 3 آلاف دينار كنت أدخرها، و1000 دينار من والدتي وأخرى من أخي المهندس محمد.
وكانت البداية بعملي مع أخي المهندس محمد في إدارة أعمال العائلة في بناء وصيانة أملاك العائلة في عام 1971، وأعلمني أخي بوجود نقص في بعض مواد البناء والأدوات الصحية والبلاط الحديث ونصحني بجلبها، فقررت البدء في تجارتي الخاصة عام 1972، وأصبحت معروفاً بتوفير نوعيات جيدة، وأحتفل بمرور 50 عاماً على انطلاق أعمالي.
ما الإضافة التي قدمتها للسوق وهل استطعت أن تقدم شيئاً جديداً؟
- كنت أحد التجار الأربعة أو الخمسة الكبار في تجارة الأدوات الصحية والبلاط في ذلك الوقت، إضافة إلى نحو 10 من التجار الصغار، وبسبب حبي للسفر وكثرة سفري استطعت أن أحضر بضائع متجددة، وفي ذلك الوقت كان لحوض الاستحمام «البانيو» نوعان، الأول «كاست آيرون» ويعتبر مكلفاً جداً ولكنه قوي؛ إذ يدوم حتى 30 عاماً، ونوع آخر أقل سعراً وخفيف الوزن وهو «برست ستيل» لكنه سريع التلف.
وفي عام 1976 رأيت نوعاً جديداً من مادة تسمى «الأكريليك»، فقمت باستيراده وكنت أول من استورد هذا النوع من الأحواض كما أنني كنت أول من استورد «الجاكوزي» للبحرين في عام 1980.
حدثنا عن حبك لجمع المقتنيات والأشياء القديمة ومتى بدأت هذه الهواية؟
- منذ أن كنت في التاسعة من عمري، أهدتني والدتي صورتين وأنا أعتز بهما كثيراً، حيث أهدتني صورتين من النسخ الأصلية الأولى كانت لمحمد علي باشا تعود لعام 1936، والثانية كانت للمغفور لهم بإذن الله أصحاب السمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين آنذاك وسمو الشيخ عيسى وسمو الشيخ خليفة وسمو الشيخ محمد تعود لعام 1960، وكانتا النواة لتولعي الشديد في الاحتفاظ بالصور التاريخية، وفي مجموعتي العديد من النسخ الأصلية وحتى التي تم نسخها وعدد من الصور التي لا توجد منها إلا نسخة واحدة وهي من ضمن مقتنياتي الثمينة.
وفي يوم ما كنت أملك 1000 قطعة من نماذج طائرات وسيارات حربية وسفن، واليوم اختزلت إلى 200 قطعة، والكثير من الصور تم تعليقه وغيره الكثير لم يتم تعليقه.
كما أن لدي مجموعة من التحف التي أعتز بها كنموذج لصحن كان موجوداً في السابق ببريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية التي كانت الحكومة في ذلك الوقت تطلب مساعدة مالية لشراء طائرات «سبيت فاير»، التي رسمت على هذا الصحن.
كما أن لدي عدة نماذج للطائرة «سبيت فاير» التي تبرعت بها البحرين حكومة وشعباً لشراء 6 طائرات في عام 1941 وكتب عليها اسم البحرين في الحرب العالمية الثانية، إلى جانب صور أصلية للعديد من الشخصيات الكبيرة والمعروفة ليست فقط على مستوى البحرين بل في العالم أجمع، والإصدارات الأولى لبعض الصحف البحرينية والمجلات التي كانت خارج وداخل البحرين، والعديد من العملات القديمة المزورة والأصلية البحرينية وغيرها ونسخ من رسائل كان يتم كتابتها لكبار الشخصيات لتعبر عن أهمية الشخص، إلى جانب نماذج للعديد من السيارات والطائرات القديمة وعدد من المقتنيات والأناتيك المختلفة والمتنوعة.
ماذا تعني لك هذه المقتنيات وما أقرب المقتنيات لقلبك؟
- الصورة الأقرب لقلبي صورتين إحداهما من والدتي وهي الصورة الثانية التي أهدتها لي والدتي وكانت ملونة تجمع المغفور لهم بإذن الله أصحاب السمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة والشيخ عيسى والشيخ خليفة والشيخ محمد، والصورة الثانية للمرحوم والدي مع المغفور له بإذن الله الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة في قاعة المرايا وأعتقد أن هذه هي الصورة الوحيدة التي تظهر في هذه القاعة وهما الأقرب لقلبي.
والمقتنيات لها قيمة، والأحداث يجب أن توثق وتحفظ، وهناك مناسبات عديدة توثق بالصور وتجعلك تستذكر اللحظات، وأنصح الجيل الجديد أن يحافظ على ما يملكه وخصوصاً ما حصل عليه من الآباء والأجداد والأمهات والجدات، وهي هواية أنصح أن يهتم الأشخاص بها.
كيف يقضي يوسف صلاح الدين رمضان؟
- شهر رمضان شهر مبارك وفضيل، ولا شك أن رمضان في السابق كان مختلفاً بحكم محدودية الأشخاص في ذلك الوقت، ورغم صعوبة المواصلات في وقتها، فإن التزاور والتواصل كان أكثر مما هو عليه اليوم، والحي كان أسرة كبيرة، وكانت البيوت البحرينية تستعد لرمضان.
وأذكر أن هناك أشخاصاً خاصين يأتون لتصفير الجدور الكبيرة للطبخ قبل رمضان، ومما أذكره أيضاً أنه قبل نصف ساعة من الفطور كنا نرى أبناء وبنات العوائل يقومون بتوزيع «كابات الأكل» أو الغناج لبيوت الجيران وهي من الأشياء الجميلة والمميزة.
كما أن هناك الكثير من بيوت الأسر الميسورة كانت تضع الفطور أمام باب البيت بحيث يمكن للمارة أو المتعسرين الفطور دون حرج وهذا يدل على عطف وتكاتف المجتمع البحريني، ذلك بالإضافة إلى أن أغلب سكان البيوت كانو يكثرون من قراءة القرآن الكريم وإقامة صلاة التراويح، إضافة إلى الزيارات المستمرة، وكنا نستمتع بسماع المسحراتي «بوطبيلة».
وللمجتمع البحريني خلال شهر رمضان عادات جميلة، ولها طابع جميل تتميز به البحرين خلال الشهر الفضيل، وهناك العديد من الزوار من الدول الشقيقة يحرصون على زيارة البحرين.
وكما هو معروف، فإن شهر رمضان يأتي على مدار الفصول بسبب الفرق بين السنة الشمسية والقمرية، ما جعلني وآخرين نعايش عدة مرات شهر رمضان المبارك في مختلف الفصول.
حكمة تؤمن بها وتسير بها في حياتك؟
- هناك الكثير من الحكم، ولكني آخذها من الآيات الكريمة في القرآن الكريم وهي قول الله تعالى: «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا»، لأنها حكمة من الله سبحانه وتعالى ولكنها لا تعني ألا أهتم أو آخذ الاحتياطات، بل تعني الأخذ بالمسببات وأقتنع وأرضى بما يحصل، وكذلك بالآية الكريمة: «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين».
وعلى الشخص أن يعامل الناس بالحسنى ويسيطر على نفسه، وأن يعفو عنهم ويسامح وقد علمنا أهالينا منذ الصغر أن نتعامل مع الناس كما نحب ونقدم الخدمة أو المساعدة باحترام ومودة، وهذا ما أطبقه في حياتي وأحب أن يطبقه غيري في تعاملهم معي.
موقف لا تنساه ظل مؤثراً بك؟
- هي ذاكرة عائلية كانت بوفاة والدي رحمة الله عليه، حيث كانت وفاته صدمة كبيرة للعائلة وللمجتمع البحريني وخاصة لي بحكم قربي منه وتعلقي به، توفي والدي فجراً، ومن وقع الفاجعة أجهضت عمتي ومات الجنين ثم توفيت فخرجت من بيت العائلة ثلاث جنائز، فجراً وظهراً وعصراً، وكان أمراً مؤثراً للعائلة والأهل والأصدقاء والمعارف وظل هذا الحادث عالقاً في ذاكرتي.
حدثنا عن زواجك وتكوينك للعائلة؟
- قررت أن أحقق طموحي قبل أن أتزوج، لأن الزواج مسؤولية، وكل شخص يتمنى أن يحصل على شريكة حياته التي تكمل معه رحلته، وبعد تكويني لنفسي تزوجت في 21 ديسمبر 1979، وأثمر هذا الزواج ابنتي الكبرى المحامية لطيفة، الحاصلة على ماجستير في المحاماة من جامعة لندن، وابني صلاح الحاصل على ماجستير من جامعة ميامي في إدارة الأعمال، وابنتي فاطمة الحاصلة على ماجستير في السياسة والاقتصاد، وآخر العنقود ابني محمد الذي سيحصل على شهادة ماجستير العام القادم بإذن الله.
ويجب على الشخص أن يرى نفسه في أبنائه، لذلك يغرس بهم حب الله وحب الوطن والقيادة، وأن يكونوا عنصراً مثمراً للبلد والمجتمع، وأن يحسوا بالمسؤولية، وأن نهيئ لهم الفرص ونؤسسهم التأسيس الصحيح، ونغرز فيهم مفهوم المسؤولية المشتركة وخاصة في تكوين الأسر وتربية الأبناء، والحمد لله أنا وزوجتي استطعنا أن نربي جيلاً من الأبناء والبنات عند حسن ظننا بهم.
أول فاتورة لأول دفعة بلاط استوردتها؟
- أول فاتورة اشتريت بها أول دفعة بلاط لعملي الخاص، كانت في حدود 600 دينار، وذلك الوقت كانت البضاعة تأتي داخل صناديق خشبية، ثم ظهرت بعدها الحاويات وكانت البحرين من أوائل الدول التي تستقبل هذه الحاويات.