جمال رمضان في العبادة واستمرار العلاقات الاجتماعية..
كنت أساعد والدتي في «ضرب الهريس»
أول طبخه لنا في رمضان كانت «مأساة»
إعداد سفرة رمضان مهمتي
15 ديناراً قيمة المنحة الدراسية
50 ديناراً أول راتب تسلمته
سماهر سيف اليزل
حمل حب الوطن في قلبة منذ شب، من أبناء الجيل الذي كان الطفل فيه يكبر سريعاً، حيث ظهرت ملامح شخصيته مبكراً، اتسم بالروح الحماسية والوطنية، لم يتوقف يوماً عن تبني التوجهات والاتجاهات العروبية في أبنائه جيلاً بعد جيل.
د. سعيد السماك نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الحكمة للمتقاعدين، استرجع مع «الوطن» ذكرياته الشقية، وأستعرض ابرز محطات حياته.
وفيما يلي نص اللقاء:
حدثنا عن الميلاد والنشأة وما هي أبرز ذكريات طفولتك؟
- ولدت في حي المخارقة «قلب» العاصمة المنامة سنة 1952، وكانت طفولتي مليئة بالشقاوة في إطار «الفريج»، وكنت من محبي لعبة كرة القدم، ولكل حي فريق مختص باسم معين ويكون في منافسة، وكنت في فريق الصاعقة وكانت الفرق تسمى تمجداً ببطولات الجيوش العربية، ومن ثم صار التوجه لدمج الفرق تحت مظلة اتحاد الشباب والرياضة في الستينات، وتم توحيد الفرق في إطار نادي الجزائر.
عاصرنا فترة الصراع الشديد بين العرب وإسرائيل خصوصاً حرب 67، وعشنا تأثيراتها النفسية والفكرية على العالم العربي وتحديداً البحرين، وكان لي ارتباط قوي بالقومية العربية رغم صغر سني،وكنا نشكل فرقاً تطوعية «يزعم» لمساعدة الجيوش العربية وكان أمراً عفوياً حيث أنشأنا مركزاً أمام المدرسة الثانوية وكنا نسجل أسامي المتطوعين وكان مجرد إجراء غير حقيقي يكسبنا إحساساً بالمشاركة، ويشار لهذه الفترة بالبنان لأنها تاريخ مجيد لهذا الجيل.
حدثنا عن أبرز ذكرياتك الرمضانية.. وفي أي سن بدأت الصيام؟
- بدأت بممارسة طقوس رمضان منذ سن 6 سنوات، فنحن كبحرينيين بشكل عام نمارس الطقوس مع العائلة دون النظر للعمر، ورمضان بالنسبة لنا له زهوة خاصة، لأن في جيلنا وفترة الصبا كانت لنا ألعاب جداً خاصة ننتظر الانتهاء من الإفطار للعبها، مثل «الصرقيع»، و«الجراخيات» بالإضافة إلى الألعاب الرياضية البسيطة والبدائية، مثل السلة والطائرة، وكنا نجوب «الفرجان» القريبة، ونظل في حالة لعب وتبارز وتنافس في الألعاب المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك كانت هناك دروس في المجالس، ودروس قرآنية، وكنا ننتظر المجلس الأقرب لأداء الختمة القرآنية، لتناول السحور، ومن ثم أصبحنا نتعلم التلاوة ونمارسها، في محيط لا يتجاوز حدود المساحة الجغرافية الضيقة الممتد من فريج الحطب إلى القلعة، الخالية من المواصلات، والتي كنا نتنقل بينها بجهد فردي.
هل تتذكر موقفاً لا تنساه؟
- كان بالمنامة تداخل مع الإخوة العجم خصوصاً في منطقة المشبر والقلعة، وكانت هناك محاولات للتدخل للتأثير على نشاطنا القومي العربي بشكل عفوي لا إرادي، الأمر الذي كان يجعلنا نعمل حشوداً مواجهة، وكنا ندخل معهم في معارك، وكانت تأتينا إمدادات من فريق الحطب وفريق الحمام، وكان هناك صراع بالنسبة لنا في تلك الأيام كانت تعتبر كمعارك واشتباكات بالأيدي والعصي، وكانت كمحاولة لإبراز قوميتنا وانتماءاتنا العروبية.
وكذلك لا ننسى صراعنا ومواجهتنا مع الجيش البريطاني المتواجد في منطقة القلعة، وكان هناك شبه مواجهات عن بعد تحدث بشكل فطري، وكنا نحاول بأي طريقة أن نلفت نظرهم بأننا موجودون، وكان هناك عمود كهربائي من النحاس به صوت مرتد قوي وعند طرقة بأي حديدة يتجلجل الصوت، فكان هناك شخص مختص يقوم بطرق العمود ومن ثم ننتشر ونختفي من قرب المنطقة في محاولة لاستفزاز الجنود.
كيف اختلف رمضان الأول عن رمضان اليوم؟
- رمضان كان عفوياً وبسيطاً، يمارسه الأهل بتبادل الوجبات، والزيارات، وكانت البيوت كلها مفتوحة ومتصلة، وكان يسمح لنا بالمبيت في بيوت الجيران وكانت العفوية هي الطاغية على الأجواء الرمضانية، وكانت المجلس بسيطة وقليلة.
ورمضان اليوم أجمل، وجماله في استمرار العلاقة الأسرية والروابط الأخوية والتلاوة القرآنية صارت منتشرة بشكل أكبر وفي مجالس أكثر، وباتت الفرجان أكثر هدوءاً، والأجيال الجديدة أصبحت تحيي الشعائر الرمضانية بشكل أكبر، ولا تواجد في أحضان الأسرة والأقارب.
واليوم البحرين تعتبر من الدول الأكثر اتساعاً في أداء الشعائر الرمضانية، ففي رمضان يصبح كل أهالي البحرين عائلة واحدة، وكل المجالس مجلساً واحداً، وهناك تنافس لزيارة أكبر عدد من المجالس والقراءة في ليلة واحدة بمختلف الأعمار، والضيافة دائماً موجودة من بعد الإفطار حتى قرب السحور، ونخرج من حيز المناطق لنصبح منطقة واحدة كبيرة.
ما هو روتينك الرمضاني؟
- كان لدي مجلس رمضاني خاص منذ الثمانينات، وكان خاصاً لتلاوة القرآن وكان به قارئ خاص، نسعى من خلال تشجيع الأطفال على قراءة وحفظ القرآن، وكنت أستقبل هذه الفئة لتعليم التلاوة، وكنا نختم القرآن في الشهر مرتين، وكنت أشتهر بختمة النصف من رمضان التي أستعد لها مادياً ونفسياً، حيث اشتهرت بأن يستلذ ضيوفي بكل أنواع السمك التي أشرف عليها بنفسي، وأعدها مع زوجتي وكنت أقوم بعمل السمك المسقوف بالطريقة العراقية، وحاولت أن استمر ولكن من بعد الألفينيات توقفت.
منذ صغري وأنا مرتبط بوالدتي في المطبخ، وكانت هوايتي «ضرب الهريس»، وفي الكبر كنت أقوم بتوزيع «نقصة» الفطور بشكل يومي لعدد من بيوت الأهل والأصدقاء والجيران.
والمطبخ هوايتي، وبحكم عيشي لفترات في الخارج ودراستي، وأنا أستمتع بطبخ الأكلات التي تحوي على نفس البيت، وأطبخ كل أنواع الطبخات، وما أذكرة أن أول طبخة لنا في أيام الدراسة بالعراق في أول رمضان سنة 68 كانت مأساة، «كان عيش وتحول لعجين، والدال طفح من الماء»، وكانت ورطة كبيرة وتدريجياً تعلمنا، وأنا أعتقد أن أغلب الرجال يحبون الطبخ ودخول المطبخ لمساعدة زوجاتهم.
لا يسمح لي بدخول المطبخ كثيراً في وقتنا الحالي لأنني «مشاغب»، لذلك أقوم بإعداد السفرة، وأجهز الفواكه، وأساعد في عمل المقليات.
حدثنا عن دراستك الجامعية.. وتخصصك؟
- كانت بدايتي في كلية الحقوق في بغداد 1968، وحصلت على منحة دراسية من الجمهورية العراقية، وكان أغلب الطلبة البحرينيون يحصلون على مثل هذه المنح، ما يقارب 300 طالب نفقات دراستهم على الحكومة العراقية، المنحة كانت عبارة عن 15 ديناراً عراقياً، وكانت مقسّمة على النحو التالي، 5 دنانير مصاريفي الشخصية، و5 دنانير إيجار السكن، و5 دنانير أوفرها في بنك الرافدين.
وماذا عن دخولك للكلية العسكرية؟
- كانت لدي رغبة شديدة في دخول الكلية العسكرية، وحصلت على خطاب رسمي من سمو ولي العهد للدراسة العسكرية في العراق ومازلت أحتفظ بهذا الخطاب، ولكني للأسف الشديد لم أحصل على الموافقة للالتحاق من الكلية؛ لأنها تشترط في الملتحقين بها أن تكون بعثياً أو مزكى من جهات بعثية، وفشلت كل محاولاتي للحصول على واسطات للالتحاق دون هذا الشرط، فتوجهت لتقديم أوراقي للكلية العسكرية الكويتية، والسورية ورجعت لدراسة القانون في بغداد.
وخلال دراستي في بغداد سمعت عن زيارة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لبغداد ضيفاً على الرئيس السابق أحمد حسن البكر في العام 1969، فقررنا أنا وأصدقائي زيارته في قصر الزهور، والتقينا به وتحدثت معه حول مشكلتي وكان منفتحاً جداً، وأكد لي على أننا جميعاً أبناء منطقة واحدة، وخليج واحد ودول عربية واحدة، وأمر وزير الدولة لشؤون الخارجية بمتابعة الأمر، ونقل الفريق الركن حردان التكريتي طلبي، وأمر مدير العمليات العقيد محمد علي بالقيام بالإجراءات اللازمة لدخولي في بغداد حين شاهد فيّ الحماس الشديد لذلك، وتم قبولي ودخلت الكلية العسكرية في بغداد، وتم تدريبي بشكل خاص لوحدي للحاق بالطلبة حيث إن الدورة كانت قد بدأت، وتخرجت من الكلية في العام 1971 وحصلت على بكالوريوس علوم عسكرية وإدارية، كملازم متخصص في المدفعية وعدت للبحرين.
متى باشرت أول عمل لك وماذا كان.. وكم كان أول راتب تلقيته؟
- عدت للبحرين، وأول عمل لي بعد التخرج كان سنة 72 بشركة للمشاريع والمقاولات، وكنت مشرف الموظفين والعمال، وكنت متعدد المهمات في هذه الوظيفة، حيث كنت أسجل دخول وخروج العمال كما كنت أعد مرتابتهم، وكانت الرواتب مجزية تدفع كل أسبوعين حيث كان العمل المهني البدني يحقق أجوراً جيدة حيث كان متوسط الأجور بين 250 إلى 300 دينار، مما جعل بعض الطلبة في المراحل الإعدادية والثانوية يلتحقون بهذه الأعمال بسبب هذه الرواتب.
ومن ثم حصلت على وظيفة في بيروت، بتمثيل مكتب بحريني في لبنان للمشاريع والمقاولات، وبقيت هناك لمدة 5 سنوات، وهناك درست في الحقوق وواصلت بالانتساب حتى العام 1977.
وكان أول راتب لي 50 ديناراً، أعطي الوالد رحمة الله 40 ديناراً، وأترك 10 دنانير لنفسي كمصاريف خاصة.
تأسيس الحكمة للمتقاعدين الفكرة والأهداف المستقبلية، وما دورك في كل ذلك؟
- نشأت الجمعية وتأسست في عام 1991 عندما التقت مجموعة مرموقة من الشخصيات الوطنية الخليجية وتباحثوا حول أهمية إنشاء جمعية تتبنى شؤون المتقاعدين الصحية والنفسية والاجتماعية، والذين اختارهم الباري عز وجل إلى جواره وعلى رأسهم المغفور له بإذن الله تعالى سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة والمرحومان يوسف أحمد الشيراوي والدكتور غازي القصيبي سفير المملكة العربية السعودية في البحرين وقتها، والمحروم محمد حسن صنقور، والأستاذ محمد عبدالغفار العلوي مدير صندوق التقاعد، وكان الهدف من تأسيسها انتشال المتقاعدين من الوضع النفسي الذي يعاصرونه عند بلوغهم سن التقاعد واعتلال الوضع الصحي لانقطاعهم عن حياة العمل ولقاء أقرانهم.
ومن أهداف تأسيس الحكمة للمتقاعدين أذكر تجميع وتنظيم جهود المحالين للتقاعد من موظفي العام والخاص والعسكري، والسعي لتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية للأعضاء، وتوفير الخبراء من بين أعضاء الجمعية والمتقاعدين وفقاً لاحتياجات السوق، والسعي لمنح العديد من الامتيازات للمحالين للتقاعد بالتعاون مع الجهات الحكومية والأهلية والهيئات الدستورية.
وقد تطلع المؤسسون الأوائل لشخصي لتحقيق رؤيتهم في نشأة الجمعية باعتباري كنت مؤسساً ورئيساً للتنظيم العمالي آنذاك وذلك كان مطلبي، وقد تحملت المسؤولية وثقة هذه الشخصيات المرموقة وعملت جاهداً لتحقيق حلم المتقاعدين بوجود صرح يلامس مشاعرهم ويتبنى تطلعاتهم في الكرامة والعيش والرغد المناسب، وقد كانت فرصة ذهبية لا تعوض أن أمضي لتحقيق حلمي وقد تحقق ذلك إلى حد كبير.
كنت أساعد والدتي في «ضرب الهريس»
أول طبخه لنا في رمضان كانت «مأساة»
إعداد سفرة رمضان مهمتي
15 ديناراً قيمة المنحة الدراسية
50 ديناراً أول راتب تسلمته
سماهر سيف اليزل
حمل حب الوطن في قلبة منذ شب، من أبناء الجيل الذي كان الطفل فيه يكبر سريعاً، حيث ظهرت ملامح شخصيته مبكراً، اتسم بالروح الحماسية والوطنية، لم يتوقف يوماً عن تبني التوجهات والاتجاهات العروبية في أبنائه جيلاً بعد جيل.
د. سعيد السماك نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الحكمة للمتقاعدين، استرجع مع «الوطن» ذكرياته الشقية، وأستعرض ابرز محطات حياته.
وفيما يلي نص اللقاء:
حدثنا عن الميلاد والنشأة وما هي أبرز ذكريات طفولتك؟
- ولدت في حي المخارقة «قلب» العاصمة المنامة سنة 1952، وكانت طفولتي مليئة بالشقاوة في إطار «الفريج»، وكنت من محبي لعبة كرة القدم، ولكل حي فريق مختص باسم معين ويكون في منافسة، وكنت في فريق الصاعقة وكانت الفرق تسمى تمجداً ببطولات الجيوش العربية، ومن ثم صار التوجه لدمج الفرق تحت مظلة اتحاد الشباب والرياضة في الستينات، وتم توحيد الفرق في إطار نادي الجزائر.
عاصرنا فترة الصراع الشديد بين العرب وإسرائيل خصوصاً حرب 67، وعشنا تأثيراتها النفسية والفكرية على العالم العربي وتحديداً البحرين، وكان لي ارتباط قوي بالقومية العربية رغم صغر سني،وكنا نشكل فرقاً تطوعية «يزعم» لمساعدة الجيوش العربية وكان أمراً عفوياً حيث أنشأنا مركزاً أمام المدرسة الثانوية وكنا نسجل أسامي المتطوعين وكان مجرد إجراء غير حقيقي يكسبنا إحساساً بالمشاركة، ويشار لهذه الفترة بالبنان لأنها تاريخ مجيد لهذا الجيل.
حدثنا عن أبرز ذكرياتك الرمضانية.. وفي أي سن بدأت الصيام؟
- بدأت بممارسة طقوس رمضان منذ سن 6 سنوات، فنحن كبحرينيين بشكل عام نمارس الطقوس مع العائلة دون النظر للعمر، ورمضان بالنسبة لنا له زهوة خاصة، لأن في جيلنا وفترة الصبا كانت لنا ألعاب جداً خاصة ننتظر الانتهاء من الإفطار للعبها، مثل «الصرقيع»، و«الجراخيات» بالإضافة إلى الألعاب الرياضية البسيطة والبدائية، مثل السلة والطائرة، وكنا نجوب «الفرجان» القريبة، ونظل في حالة لعب وتبارز وتنافس في الألعاب المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك كانت هناك دروس في المجالس، ودروس قرآنية، وكنا ننتظر المجلس الأقرب لأداء الختمة القرآنية، لتناول السحور، ومن ثم أصبحنا نتعلم التلاوة ونمارسها، في محيط لا يتجاوز حدود المساحة الجغرافية الضيقة الممتد من فريج الحطب إلى القلعة، الخالية من المواصلات، والتي كنا نتنقل بينها بجهد فردي.
هل تتذكر موقفاً لا تنساه؟
- كان بالمنامة تداخل مع الإخوة العجم خصوصاً في منطقة المشبر والقلعة، وكانت هناك محاولات للتدخل للتأثير على نشاطنا القومي العربي بشكل عفوي لا إرادي، الأمر الذي كان يجعلنا نعمل حشوداً مواجهة، وكنا ندخل معهم في معارك، وكانت تأتينا إمدادات من فريق الحطب وفريق الحمام، وكان هناك صراع بالنسبة لنا في تلك الأيام كانت تعتبر كمعارك واشتباكات بالأيدي والعصي، وكانت كمحاولة لإبراز قوميتنا وانتماءاتنا العروبية.
وكذلك لا ننسى صراعنا ومواجهتنا مع الجيش البريطاني المتواجد في منطقة القلعة، وكان هناك شبه مواجهات عن بعد تحدث بشكل فطري، وكنا نحاول بأي طريقة أن نلفت نظرهم بأننا موجودون، وكان هناك عمود كهربائي من النحاس به صوت مرتد قوي وعند طرقة بأي حديدة يتجلجل الصوت، فكان هناك شخص مختص يقوم بطرق العمود ومن ثم ننتشر ونختفي من قرب المنطقة في محاولة لاستفزاز الجنود.
كيف اختلف رمضان الأول عن رمضان اليوم؟
- رمضان كان عفوياً وبسيطاً، يمارسه الأهل بتبادل الوجبات، والزيارات، وكانت البيوت كلها مفتوحة ومتصلة، وكان يسمح لنا بالمبيت في بيوت الجيران وكانت العفوية هي الطاغية على الأجواء الرمضانية، وكانت المجلس بسيطة وقليلة.
ورمضان اليوم أجمل، وجماله في استمرار العلاقة الأسرية والروابط الأخوية والتلاوة القرآنية صارت منتشرة بشكل أكبر وفي مجالس أكثر، وباتت الفرجان أكثر هدوءاً، والأجيال الجديدة أصبحت تحيي الشعائر الرمضانية بشكل أكبر، ولا تواجد في أحضان الأسرة والأقارب.
واليوم البحرين تعتبر من الدول الأكثر اتساعاً في أداء الشعائر الرمضانية، ففي رمضان يصبح كل أهالي البحرين عائلة واحدة، وكل المجالس مجلساً واحداً، وهناك تنافس لزيارة أكبر عدد من المجالس والقراءة في ليلة واحدة بمختلف الأعمار، والضيافة دائماً موجودة من بعد الإفطار حتى قرب السحور، ونخرج من حيز المناطق لنصبح منطقة واحدة كبيرة.
ما هو روتينك الرمضاني؟
- كان لدي مجلس رمضاني خاص منذ الثمانينات، وكان خاصاً لتلاوة القرآن وكان به قارئ خاص، نسعى من خلال تشجيع الأطفال على قراءة وحفظ القرآن، وكنت أستقبل هذه الفئة لتعليم التلاوة، وكنا نختم القرآن في الشهر مرتين، وكنت أشتهر بختمة النصف من رمضان التي أستعد لها مادياً ونفسياً، حيث اشتهرت بأن يستلذ ضيوفي بكل أنواع السمك التي أشرف عليها بنفسي، وأعدها مع زوجتي وكنت أقوم بعمل السمك المسقوف بالطريقة العراقية، وحاولت أن استمر ولكن من بعد الألفينيات توقفت.
منذ صغري وأنا مرتبط بوالدتي في المطبخ، وكانت هوايتي «ضرب الهريس»، وفي الكبر كنت أقوم بتوزيع «نقصة» الفطور بشكل يومي لعدد من بيوت الأهل والأصدقاء والجيران.
والمطبخ هوايتي، وبحكم عيشي لفترات في الخارج ودراستي، وأنا أستمتع بطبخ الأكلات التي تحوي على نفس البيت، وأطبخ كل أنواع الطبخات، وما أذكرة أن أول طبخة لنا في أيام الدراسة بالعراق في أول رمضان سنة 68 كانت مأساة، «كان عيش وتحول لعجين، والدال طفح من الماء»، وكانت ورطة كبيرة وتدريجياً تعلمنا، وأنا أعتقد أن أغلب الرجال يحبون الطبخ ودخول المطبخ لمساعدة زوجاتهم.
لا يسمح لي بدخول المطبخ كثيراً في وقتنا الحالي لأنني «مشاغب»، لذلك أقوم بإعداد السفرة، وأجهز الفواكه، وأساعد في عمل المقليات.
حدثنا عن دراستك الجامعية.. وتخصصك؟
- كانت بدايتي في كلية الحقوق في بغداد 1968، وحصلت على منحة دراسية من الجمهورية العراقية، وكان أغلب الطلبة البحرينيون يحصلون على مثل هذه المنح، ما يقارب 300 طالب نفقات دراستهم على الحكومة العراقية، المنحة كانت عبارة عن 15 ديناراً عراقياً، وكانت مقسّمة على النحو التالي، 5 دنانير مصاريفي الشخصية، و5 دنانير إيجار السكن، و5 دنانير أوفرها في بنك الرافدين.
وماذا عن دخولك للكلية العسكرية؟
- كانت لدي رغبة شديدة في دخول الكلية العسكرية، وحصلت على خطاب رسمي من سمو ولي العهد للدراسة العسكرية في العراق ومازلت أحتفظ بهذا الخطاب، ولكني للأسف الشديد لم أحصل على الموافقة للالتحاق من الكلية؛ لأنها تشترط في الملتحقين بها أن تكون بعثياً أو مزكى من جهات بعثية، وفشلت كل محاولاتي للحصول على واسطات للالتحاق دون هذا الشرط، فتوجهت لتقديم أوراقي للكلية العسكرية الكويتية، والسورية ورجعت لدراسة القانون في بغداد.
وخلال دراستي في بغداد سمعت عن زيارة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لبغداد ضيفاً على الرئيس السابق أحمد حسن البكر في العام 1969، فقررنا أنا وأصدقائي زيارته في قصر الزهور، والتقينا به وتحدثت معه حول مشكلتي وكان منفتحاً جداً، وأكد لي على أننا جميعاً أبناء منطقة واحدة، وخليج واحد ودول عربية واحدة، وأمر وزير الدولة لشؤون الخارجية بمتابعة الأمر، ونقل الفريق الركن حردان التكريتي طلبي، وأمر مدير العمليات العقيد محمد علي بالقيام بالإجراءات اللازمة لدخولي في بغداد حين شاهد فيّ الحماس الشديد لذلك، وتم قبولي ودخلت الكلية العسكرية في بغداد، وتم تدريبي بشكل خاص لوحدي للحاق بالطلبة حيث إن الدورة كانت قد بدأت، وتخرجت من الكلية في العام 1971 وحصلت على بكالوريوس علوم عسكرية وإدارية، كملازم متخصص في المدفعية وعدت للبحرين.
متى باشرت أول عمل لك وماذا كان.. وكم كان أول راتب تلقيته؟
- عدت للبحرين، وأول عمل لي بعد التخرج كان سنة 72 بشركة للمشاريع والمقاولات، وكنت مشرف الموظفين والعمال، وكنت متعدد المهمات في هذه الوظيفة، حيث كنت أسجل دخول وخروج العمال كما كنت أعد مرتابتهم، وكانت الرواتب مجزية تدفع كل أسبوعين حيث كان العمل المهني البدني يحقق أجوراً جيدة حيث كان متوسط الأجور بين 250 إلى 300 دينار، مما جعل بعض الطلبة في المراحل الإعدادية والثانوية يلتحقون بهذه الأعمال بسبب هذه الرواتب.
ومن ثم حصلت على وظيفة في بيروت، بتمثيل مكتب بحريني في لبنان للمشاريع والمقاولات، وبقيت هناك لمدة 5 سنوات، وهناك درست في الحقوق وواصلت بالانتساب حتى العام 1977.
وكان أول راتب لي 50 ديناراً، أعطي الوالد رحمة الله 40 ديناراً، وأترك 10 دنانير لنفسي كمصاريف خاصة.
تأسيس الحكمة للمتقاعدين الفكرة والأهداف المستقبلية، وما دورك في كل ذلك؟
- نشأت الجمعية وتأسست في عام 1991 عندما التقت مجموعة مرموقة من الشخصيات الوطنية الخليجية وتباحثوا حول أهمية إنشاء جمعية تتبنى شؤون المتقاعدين الصحية والنفسية والاجتماعية، والذين اختارهم الباري عز وجل إلى جواره وعلى رأسهم المغفور له بإذن الله تعالى سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة والمرحومان يوسف أحمد الشيراوي والدكتور غازي القصيبي سفير المملكة العربية السعودية في البحرين وقتها، والمحروم محمد حسن صنقور، والأستاذ محمد عبدالغفار العلوي مدير صندوق التقاعد، وكان الهدف من تأسيسها انتشال المتقاعدين من الوضع النفسي الذي يعاصرونه عند بلوغهم سن التقاعد واعتلال الوضع الصحي لانقطاعهم عن حياة العمل ولقاء أقرانهم.
ومن أهداف تأسيس الحكمة للمتقاعدين أذكر تجميع وتنظيم جهود المحالين للتقاعد من موظفي العام والخاص والعسكري، والسعي لتوفير الرعاية الصحية والاجتماعية للأعضاء، وتوفير الخبراء من بين أعضاء الجمعية والمتقاعدين وفقاً لاحتياجات السوق، والسعي لمنح العديد من الامتيازات للمحالين للتقاعد بالتعاون مع الجهات الحكومية والأهلية والهيئات الدستورية.
وقد تطلع المؤسسون الأوائل لشخصي لتحقيق رؤيتهم في نشأة الجمعية باعتباري كنت مؤسساً ورئيساً للتنظيم العمالي آنذاك وذلك كان مطلبي، وقد تحملت المسؤولية وثقة هذه الشخصيات المرموقة وعملت جاهداً لتحقيق حلم المتقاعدين بوجود صرح يلامس مشاعرهم ويتبنى تطلعاتهم في الكرامة والعيش والرغد المناسب، وقد كانت فرصة ذهبية لا تعوض أن أمضي لتحقيق حلمي وقد تحقق ذلك إلى حد كبير.