سماهر سيف اليزل الشرقاوي: والدتي كانت تشجعني على الاستمرار بالكتابةالشرقاوي مدرسة في الشعر ورمز من رموز الأدبالديوان المشترك ولد من رحم المعاناة والشوقيدخل البيت وهو يغني «أجمل ولد في هالبلد علي الشرقاوي» علي الشرقاوي وفتحية عجلان، شاعران بحرينيان جمع بينهما الحب صدفة خلال لقائهما في أحد المختبرات الطبية فأضاءت قلوبهما شعراً، جسدا معاً قصة حب تمسكت فيها الشاعرة عجلان بحبها للشرقاوي متحدية الكثير أمام مجتمع تحكمه العادات والتقاليد، حتى تمكنا من الارتباط لاحقاً بعد عدة محاولات.كتبا لبعضهما حروفاً من ذهب وأمل ونور، جسدا أيقونة عشق بحرينية خالدة بخلود شعريهما الذي يمتد للقلوب قبل العقول، ففيما أكد الشرقاوي أنه يميل للكتابة بالفصحى ويقرأ للجميع، أوضحت عجلان أن الشرقاوي رمز من رموز الأدب في البحرين.وفي لقاء ملأته الحفاوة والحب التقت «الوطن» الشاعرين الزوجين المحبين للخوض في تفاصيل مسيرتهما، وفي أعماق ذكرياتهما. وفيما يلي اللقاء:حدثينا عن علي الشرقاوي.. وكيف كانت بدايتكما وارتباطكما؟- علي الشرقاوي مدرسة في الأدب والشعر، ودائماً أقول إن المدارس تبنى ولا تهدم، ونحن نسعى لترميم كل ما يتساقط من الوطن، وعلي الشرقاوي هو رمز من رموز الأدب في البحرين.أما بدايتنا، فقد كانت مختلفة بحكم اختلاف الوقت، كان لقائي بعلي الشرقاوي في المختبر، حيث ذهبت لعمل بعض الفحوصات، وأعجبت بطريقته وبساطته وفرحته الطفولية وابتسامته، تحدثنا قليلاً أثناء انتظاري للنتيجة التحاليل وسألني إذا كنت أقرأ وعندما أخبرته بأسماء الكتاب الذين أقرأ لهم طلب مني التواصل معه، وفي ذلك الوقت لم يكن الهاتف متاحاً فكان التواصل عن طريق الرسائل الورقية، واتفقت معه أن يراسلني باسم إحدى صديقاتي، وبدأنا نتراسل رغم خوفي من أهلي، خصوصاً أنني نشأت في منزل ديني، ولكن إحساسي بأن هذه فرصة لا يجب أن تضيع وأن هذا الإنسان لا يعوض.فقد كنت في المرحلة الثانوية عندما تقدم لي، وردوه أكثر من مرة، وكان دائماً يقول لي بأن أثبت على موقفي وأن لا ألين أو أرضخ للرفض، وبعد عدة محاولات تمت الموافقة، وبدأت رحلتنا معاً واستمرت ولم تمر علي ولا لحظة أسف أو ندم واحدة حتى هذه اللحظة.علي الشرقاوي رفع من شأني وثقافتي وعلمي، علمني وكان لي مدرسة وصديق وأخ، ساعدني على الانتشار، وكان الفضل يعود له في كافة مراحلي ولكل ما كنت عليه ووصلت له.وكيف ترين بساطة الشرقاوي ومواقفه مع أبنائه ومحيطه؟- علي الشرقاوي مختلف تماماً، أب بسيط حنون، بشوش، مرح، يدخل البيت وهو يغني «أجمل ولد في هالبلد علي الشرقاوي» وأبناؤه يرددون من خلفه ويصفقون بحب.فقد كان بسيطاً في كل تصرفاته، وفي طريقة أكله على الأرض، وفي أحلامه، وتعلم أبناؤه من خلاله وتثقفوا، فتحوا أعينهم على الكتب والجرائد وأقلام، كان إنساناً رائعاً جداً وما زال.موقف لا تنسينه مع علي الشرقاوي؟- مواقف كثيرة لا تنسى معه، ومنها الموقف الذي ولدت فيه أغنية «تصور»، حيث كان علي معتقلاً سياسياً لفترة طويلة يناغم من أجل الوطن ضد المستعمر، ضد الانتهازية، ومع العمال، وبعد هذه الفترة الصعبة وبعد أن أدى كل ما يمكنه في توعية الناس وتثقيفهم وتعليمهم معنى الوطن والحياة، عاد للحياة الطبيعية، وفي يوم دخل علي وقال لي «لبسي عباتج» وكان معه ناس جاءوا لتفتيش المنزل، وأخدوه معهم، وعلى ضوء ما حدث كتبت:تصور لو خلت هالديرة من عينك ولا تعودينبت عليها الحزن وأصير أنا كالعودوطيب الصبر ديرتي مثل المسك والعودتصور لو خلت هالدنيا من عينك أنا شجوفولو تنشرى جيتك بسري المكتوم لصرخ وأقول الهوى ماله عمر وحدودوهل كان لذلك دور في التأثير على كتاباتك؟- نعم بالتأكيد، فعلي بالنسبة لي كان مدرسة تعلمت منه، رغم أن خطي غير وطريقتي تختلف عن طريقته، حيث أكتب باللهجة المحرقية المحلية القحة ولكن كنت أستفيد منه، وكنت أعرض عليه كتاباتي ولكن لا أرضى أن يغير بها شيئاً، حيث أعتبر أن هذه هي المشاعر الأولى ولا يمكن أن تغير أو تعدل.وأنا أكتب بالعربية الفصحى كذلك ولكن طريقتي أبسط من طريقته، حيث أكتب عن حياتي اليومية وحياة أي امرأة، أتكلم عن معاناتي وسط بيتي وبين عيالي، ولكن علي مدرسة وقاموس وهو مراجع في الكتابة، وقد يقال إني قد أبالغ ولكنني أعرف ذلك من خلال معاصرتي له وبرأيي فإن علي يستحق أن يشيد له تمثال يزار.لمن كان يقرأ الشرقاوي ومن هم الشعراء الذين لهم بصمة في ذاكرته؟علي مثقف ثقافة عامة، ويقرأ أي ورقة تقع في يده ويقرأ للجميع.فتحية على لسان علي الشرقاوي: أقرأ من البحرين لقاسم حداد، سليم بركات وعلي عبدالله خليفة، وللعرب أقرأ لبدر شاكر السياب، صلاح عبدالصبور، وجميع الشعراء العرب.كيف كانت بدايتك في الكتابة؟- علي الشرقاوي: كانت بدايتي عادية جداً، كنت أكتب كل ما يخطر على بالي، مثل أي مراهق في زمننا.- فتحية عجلان: ومن كثر شغفه وحبه للقراءة كان يذهب عند الجيران ليقرأ المجلات والكتب.وكانت والدته تدعمه رغم أنها كانت بسيطة إلا أنها كانت تلقنه ما تحفظه من شعر وأبيات وقصص، وكانت تشجعه دائماً على الكتابة والاستمرار.هل كان لعلي الشرقاوي دور في غرس حب الكتابة والشعر لدى بناته؟- علي الشرقاوي: نعم كل بناتي يكتبن، وكنت أدعمهن دائماً بأن يواصلن ويكتفين بإمكانياتهن، وأن يخترن ما يريدن أن يكتبنه.- فتحية عجلان: كان لجو البيت تأثير كبير على البنات، فكبرن على الثقافة والأدب، وكن مختلفات عمن في سنهن ذاك الوقت، وكن يقدن الهيئة التعليمية الثقافية في المدرسة منذ الصغر، حيث تمثل في الشرقاوي مجموعة من الثقافات بحكم معيشتها في مختلف المناطق مثل دبي والسعودية فأصبحت تكتب النبطي الحديث، فيما عاشت فوز الشرقاوي في بريطانيا فتكتب بالإنجليزي. أما فيض فتتمتع بثقافة واسعة وتكتب في جميع الأمور.إلى ماذا يميل على الشرقاوي في كتاباته؟- علي الشرقاوي: كنت أميل للكتابة بالفصحى، لأن تأسيسي كان بالفصحى، والعامية جاءت لاحقاً.حدثونا عن الديوان المشترك بينكما؟- كتب الديوان في فترة عدم تواجد علي الشرقاوي معنا، ومن جهته كان «أفا يا فلان» ومن جهتي كان «شمس الظهاري»، حيث كتب هو قصائد ديوانه، وكنت أنا في البحرين وأكتب وجمعت القصائد معاناة واحدة وروح واحدة تتكلم عن البعد والدموع، والسهر، وعند عودته فكر في أن نجمع القصائد في ديوان واحد، وكنت سعيدة وفخورة به، ولم يعد فقط البيت هو ما يجمعني مع علي بل الديوان كذلك.لماذا كانت هذه تجربة وحيدة ولم تعيدا كتابة ديوان مشترك آخر؟- فتحية عجلان: السبب هو اختلاف خطي عن خطه، فكتابتي بسيطة وعامية، أما كتابته فغزيرة العمق، وكنت أحرص على أن يظهر هو وينتشر، وكنت أفرغه لذلك، ولم أكلفه بأي مهمة في المنزل سوى الكتابة، وبعد انتشاره وترجمت قصائده للعالمية التفت لنفسي وقلت إن دوري قد حان، لذلك أصبح خطي مغايراً لخطه وأسلوبي غير عن أسلوبه.كيف ترون الحركة الشعرية البحريني؟- علي الشرقاوي: الحركة الشعرية في مملكة البحرين متقدمة وتحظى بالدعم والتشجيع.- فتحية عجلان: الحركة الشعرية بشكل عام قوية، ولكن الحركة الشعرية للمرأة تقف عند حد معين ولا تستمر، يعيقها البيت الزوج العيال والشغل، ويجب أن يكون العطاء مستمراً وأن لا تتوقف بل أن تتخذ كل معوق كموضوع للكتابة، ويجب أن تستمتع المرأة بالعطاء، فالشعر ليس له وقت وليس له مدرسة بل يهطل كالمطر على غفلة.هل من كلمة توجهانها للشعراء الشباب والمبتدئين؟- علي الشرقاوي: اكتب وواصل كتابتك ولا تستلم ولا تهتم لأي عائق أو مشكلة، فالعزم يأتي من داخلك ولا يجب أن تهزم.- فتحية عجلان: كتابة الشعر عبارة عن تسجيل للمشاعر فيجب أن لا تكون مصطنعة أو مبالغاً فيها، وأن لا يكون فيها ادعاء للثقافة والأدب، بل يجب أن يكون الشعر نابعاً من الدخل دون تجميل. وأقول للمرأة الشاعرة أن تقوي من عزيمتها وأن تؤمن بما في داخلها، وأن تنظم وقتها وتستمر في العطاء، فالكتابة شيء جميل، وأعتبرها نعمة.طقوس علي الشرقاوي في الكتابة؟- يجلس على الأرض، وحوله كتب وأوراق، وبيده كوب الشاي والسجارة، ويتلو ويردد ما يخطر في باله، وعندما يكتب لا يلتفت ولا يعي ما يدور حوله.القصيدة رسالة مفتوحة للعالم، فهل تفكران في القارئ عندما تكتبان الشعر؟- نعم، نفكر في القارئ، وكنا نتخيل شعور القارئ عند قراءته للشعر ولوصفي للمشاعر.علي الشرقاوي وفتحية عجلان في سطور- ولد الشرقاوي في عام النكبة، في ربوع المنامة نشأ وكبر وترعرع، ونظم الشعر من خلال التجارب، كتب للوطن، سكنته القضايا الشعبية منذ بداية مشواره الشعري.انطلق شعره من البعد الوطني، وكانت قصائده تعبر عن المواقف السياسية، والصراع الطبقي‮ ‬والوقوف في‮ ‬صف الطبقة العاملة، والوطنية الصارخة والمطالبة بالحرية التامة وحياة أفضل للإنسان البحريني‮ ‬والإنسان في‮ ‬العالم‮.‬الشرقاوي الذي كان للكلمة المسجوعة إيقاع خاص في نفسه، اتخذ لنفسه منهجية في نظمه الشعر بمختلف ألوانه بما في ذلك الشعر العمودي أو الحر، أو القصيدة النثرية أو الشعر العامي والموال، تتركز منهجيته في نظم الشعر في وضوح المعنى مع المحافظة على الجرس الموسيقي للقصيدة مع وجود المحسنات البديعية وتناثرها في معظم قصائده، مبتعداً عما كان سائداً في جيل الحداثة من الاتجاه الشديد نحو استخدام الرمز وغموض المعنى وإن لامس ذلك قليلاً في بعض قصائده.ترجمت قصائده إلى الإنجليزية والألمانية والبلغارية والروسية والكردية والفرنسية والصينية. غنى له ولحن من كلماته الكثير من المطربين العرب والخليجين. وهو من مؤسسي أسرة الأدباء والكتاب في البحرين، كما أنه من الأعضاء الفاعلين في مسرح أوال.- أما زوجته فتحية عجلان، فهي شاعرة غنائية بحرينية، نشأت في عائلة بحرينية محافظة رفضت زواجها بالشاعر البحريني علي الشرقاوي الذي تعرفت عليه وهي في المرحلة الثانوية. أصرت فتحية على الزواج به ووافقت الأسرة على مضض.كان زواجها بالشاعر علي الشرقاوي تأثيراً كبيراً على شعرها فقد كان أول دواوينها الشعرية «آفا يا فلان، شمس الظهاري» ديواناً مشتركاً مع زوجها الذي كان معتقلاً سياسياً في ذلك الحين، لكن بداية شهرة الشاعرة فتحية عجلان كانت مع قصيدة «تصور» التي غناها الفنان عبدالله الرويشد سنة 1997 ولاقت استحساناً كبيراً.