تجارة الغذاء مستدامة ورثتها عن والدي وورّثتها لأبنائي لم أندم يوماً على قرار اتخذته أو خطوة قمت بها في عملي الزراعة في الخليج لا يمكنها الإيفاء باحتياجات المستهلكين من الأمن الغذائي قطاع الدواجن لا ينتج ما نأكل ويسد فقط ٪20 من احتياجات السوق أتعاطف مع المواطنين في شكواهم من الأسعار والتاجر ليس المتحكم الوحيد محرر الشؤون المحلية «تصور: سهيل وزير» يعد رجل الأعمال إبراهيم زينل رئيس مجلس إدارة مجموعة «ترافكو»، واحداً من أهم رجال صناعة الأغذية في البحرين، ويمتلك خبرات متراكمة تصل إلى أكثر من نصف قرن من الزمان، حيث بدأ إبراهيم زينل حياته المهنية من خلال العمل مع والده في شركة العائلة «مازا» للمواد الغذائية، وولد وتربى في فريج العوضية بالمنامة، وتوارث عن والده رحمه الله أن تجارة الغذاء طريق نجاح العمل التجاري فليس هناك منزل لا يحتاج يومياً إلى سلع غذائية ثم أورث لأبنائه حب العمل في هذا المجال باعتباره إرثاً عريقاً للعائلة.بورشاد كما يحلو له أن يناديه الناس التقته «الوطن» ضمن سلسلة حواراتها «سيرة ومسيرة» ليروي أدق أسرار تجارة الأغذية مهنته التي توارثها عن أبيه وهموم العالم العربي وبالأدق المجتمعات الخليجية مع ملف الأمن الغذائي قائلاً: على مدار خمسين عاماً من عمري شاركت في الكثير من الندوات والمؤتمرات والاجتماعات ذات العلاقة بالأمن الغذائي العربي ورأيت محاولات كثيرة للارتقاء بالقطاع الزراعي والغذائي لكن ما زلنا في عالمنا العربي نفتقر إلى تحقيق نوع مقبول من الأمن الغذائي، أما البحرين فحالها حال دول الخليج لكنها دائماً بخير.حدثنا عن نشأتك وبدايات عملك؟- ولدت في عام 1944، بفريج العوضية بالمنامة واكتسبت خبراتي من خلال العمل مع والدي -رحمه الله- حيث بدأت العمل في شركة الوالد عام 1961 وإلى اليوم لا أعرف في التجارة غير مجال الأغذية، فالوالد قال لي جملة أتذكرها إلى يومنا هذا بأن «كل أنواع التجارة تقل إلا التجارة في الغذاء» وقال لي «إذا شفت الناس عندها فلوس جبلهم حلويات وإذا ما عندهم هات لهم خبز وعيش» وعلى هذا عملت واجتهدت إلى أن سلمت شركة العائلة «مازا» إلى أبنائي الأربعة لإدارتها وبفضل الله يديرونها بشكل يرضي طموحاتي.حدثنا عن تاريخك في العمل العام؟- كنت عضواً بمجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين لـ6 دورات ونائباً لرئيس الغرفة في دورتين، ونجحنا بفضل الله في العديد من مجالات العمل وفق أهدافنا وخططنا للنهوض بمجتمع الأعمال، كما تشرفت بتعييني مرتين عضواً بمجلس الشورى، وشغلت العديد من المناصب الأخرى ومازلت رئيساً لمجلس إدارة شركة ترافكو وشركة أوال للألبان وشركة البحرين للمواشي وترافكو اللوجستية وغيرها، وسعيد بما أعمل وبما عملت لخدمة الوطن والنهوض بقطاعته الاقتصادية التي اعتبارها الأهم كونها مصدر التنمية وغايته الأساسية.حدثنا عن لحظات الفرح في حياتك؟ وما هي أصعب المواقف؟- كثير من المواقف الصعبة التي مررت بها لكن لا أفضل الحديث عنها، وحياتي بها الكثير بفضل الله من الأمور المفرحة، فلم أندم منذ نشأتي وعملي بمجال التجارة مع الوالد على أي عمل قمت به، وسعيد بما حققت في شركة العائلة، والبركة اليوم في الأبناء الذين يديرون العمل، لكن أكثر ما يضايقني ويحز في نفسي هو شكوى البعض من الناس بينما يكمن الحل في زيادة الوعي، وأقول دائماً أن البحرين ولله الحمد بخير.حدثنا عن الأمن الغذائي في البحرين؟- لله الحمد البحرين يتوفر فيها الغذاء بشكل دائم ولا نعاني من أي نقص، حتى في أشد الظروف التي مر بها العالم والتي أثرت على المنظومة الغذائية في معظم دول العالم، إلا أننا هنا في البحرين لم نعانِ ولم يكن هناك نقص في أي سلعة غذائية وذلك بفضل جهود الحكومة بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء الذي أمر حينها بتوفير مخزون كافٍ من السلع الغذائية تفادياً للطوارئ المحيطة بكل دول العالم، كما أن الحكومة تبذل وافر جهدها للحد من ارتفاعات الأسعار لكن علينا أيضاً أن نعلم أن هناك أموراً أخرى خارج عن إرادة الدولة والتاجر لاسيما وأن المملكة تأتي ضمن المنظومة الاقتصادية العالمية إلى تعتمد على الاستيراد للسلع الغذائية بما يعني تأثرها بالعوامل الخارجية وما يطرأ عليها من متغيرات.ماذا عن الخطوات التي يمكن للبحرين اتخاذها لتحقيق أمنها الغذائي؟- في الحقيقة يجب علينا أن نعترف بأن الزراعة في منطقتنا الخليجية لا يمكنها الإيفاء باحتياجات المستهلكين من الأمن الغذائي لعدة عوامل لعل من أهمها: قلة وفرة الأراضي القابلة للزراعة وندرة المياه والظروف المناخية غير المساعدة على الزراعة بما لا يساعد في عمليات التوسع الإنتاجي وتحقيق تنمية زراعية تفي بالهدف المنشود، ولاشك أن المحاولات المبذولة حالياً من الجهات المعنية تخلق مؤشراً إيجابياً عبر دعم صغار المزارعين، إلا أن هذا الأمر لا يتعدى كونه عاملاً مساعداً لزيادة محاصيل الخضروات وبعض المواد الاستهلاكية ولا يحل الإشكالية القائمة بتوفير أمن غذائي من المنتجات والسلع الأساسية مثل «الأرز، والقمح، والزيوت النباتية، ومنتجات الألبان.حدثنا عن أبرز التحديات وآليات المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي؟- هناك مشكلة في قطاع الدواجن هذا القطاع الهام لا ينتج ما نأكل والشركة الوحيدة في البحرين التي تعمل في قطاع الثروة الداجنة لا تسد إلا نسبة 20% من الحاجة الاستهلاكية للسوق المحلي، ومعظم الدجاج الطازج والمجمد يأتينا من الخارج، كذلك منتجات الألبان تعاني هي الأخرى فلا توجد مزرعة لإنتاج الحليب الطازج في البحرين حتى اليوم على عكس دول مجلس التعاون للخليج العربي، ونحن في «أوال» نعتمد فقط على الحليب البودرة بما يضعنا دوماً تحت رحمة الأسعار العالمية في منتجات الألبان، أما زراعة الأسماك مازلنا في البديات لكن أرى أن هناك تشجيعاً من الدولة لإنشاء مزارع الأسماك للوفاء باحتياجات السوق، كما أننا في البحرين نعتمد اعتماداً كلياً على مصدر واحد للطحين مما يشكل عبئاً على الشركة خاصة وأنها تحتاج إلى زيادة في قدرتها التخزينية تحسباً للظروف الطارئة.هل التاجر جانٍ أم مجني عليه في ملف الأسعار؟- أولاً أؤكد أنني أتعاطف تماماً مع المواطنين في شكواهم من الأسعار ولا يمكنني تبرئة كل التجار ولست في موقف دفاع عن أحد، لكن الاعتقاد بأن التاجر هو المتحكم الأول والأخير في الأسعار أمر خاطئ، ونظرة قصيرة فهناك أسباب رئيسية لارتفاع السعر لا ذنب للتاجر فيها، وعلينا أن نعي جيداً بأننا في دولة اقتصادها حر وإذا أراد التاجر استغلال الظروف فيمكن للكثير أن يستوردوا هذه السلع وهذا يخلق منافسة لصالح خفض الأسعار وتقديم خدمة أفضل للمستهلك وللسوق المحلي.كيف نرشد المستهلك في عملية شراء السلع من المواد الغذائية؟- من خلال رفع الوعي لديه وأن يتخذ قراراً بالانتقال من سلعة إلى أخرى ومن علامة تجارية إلى علامة بديلة بنفس المواصفات، الحمد لله السلعة الواحدة في البحرين يوجد منها ما يقرب من 100 علامة تجارية ويكون الأمر متروكاً للمستهلك لاختيار ما يناسبه من تلك السلع وهذه الأصناف.كيف يمكن تحقيق الأمن الغذائي للمملكة؟- يقودنا تشخيص جذور أزمة تحقيق الأمن الغذائي إلى الحديث عن جملة من العوامل المحفزة ومن أبرزها وضع سياسة متكاملة على مدى 20 عاما لتحقيق هذا الهدف مع زيادة إنتاجنا من الدواجن واللحوم الحمراء خاصة وأنه لا يوجد في البحرين مزارع كافية أو حظائر لاستيعاب عمليات الاستيراد بشكل أكبر، فضلا عن إنشاء شركة جديدة لإنتاج الحليب والألبان وكل هذا يحتاج إلى مساندة ودعم من جانب الدولة عبر توفير المقومات الأساسية وتقديم التسهيلات اللازمة، مع الأخذ في الاعتبار أهمية منح الصناعات الغذائية امتيازات أفضل وهنا لا أقصد الدعم المالي لكن أقصد تهيئة البنية الأساسية من أراضي، وتخفيض فاتورة الكهرباء والماء لكي يتسنى تشجيع التجار في الدخول في هذا القطاع وإنشاء مصانع للمواد الغذائية وأقولها لا يمكن أن يتساوى قطاع الأغذية مع القطاعات الأخرى نظراً لأهميته في الوقت الراهن، كما أننا في حاجة إلى زيادة القدرة التخزينية لاسيما وأن جزءاً كبيراً من استهلاك الفرد يعد مواد استهلاكية مبردة.حدثنا عن أهمية التثقيف في معدلات الاستهلاك الغذائي؟- قضايا المستهلكين مهمة للغاية وتوعية المستهلك وحمايته أمر ضروري للمحافظة على القوة الشرائية، ولدينا بعض المشاكل التي يجب تلاشيها في المستقبل منها الهدر في الأطعمة حيث إن معظم العائلات تهدر ما لا يقل عن 30 إلى 40% من كميات الغذاء التي يقتنيها من السوق المحلي، وهذا الأمر يحتاج إلى دراسة وتوعية من خلال التثقيف عبر وسائل الإعلام المختلفة سواء كانت مكتوبة، أو مقروءة، أو مسموعة أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي للقضاء على هذا الظاهرة.حدثنا عن دراستك التي أجريتها في مسألة الأسعار؟- قمت العام الماضي بإجراء دراسة مقارنة بين أسعار السلع الغذائية بين العام والعام الذي سبقه، ووجدت أن هناك بعض السلع ارتفعت بنسبة تفوق 30 إلى 50%، إلا أن ذلك صاحب الارتفاعات في أسعار البترول بما يعني أن دعم السلع الغذائية مهم وتخفيض الرسوم على قطاع الأغذية، أما الحديث عن بطاقات تموينية يزيد الملف تعقيداً وهو ليس بحل مُجدٍ لأنه يساعد على انتشار ممارسات الاحتكار.ماذا عن الاستثمار الزراعي الخارجي؟- أثبتت التجارب السابقة أن الظروف الصعبة تستدعي من الدول الحفاظ على ثرواتها الغذائية لصالح مواطنيها وتتخذ في سبيل ذلك قراراتها بمنع التصدير كما حدث في الفترة الماضية، إذ إن بعض الدول الكبرى منعت تصدير منتجات الأرز والقمح، أما في الظروف العادية فيختلف الأمر إلا أنه قد يواجه عوامل خارجة عن السيطرة وتعقيدات في الشحن تحت ما يطرأ من ظروف داخل الدولة المستثمر فيها.لماذا كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الأمن الغذائي؟- استقطبت جائحة كورونا اهتماماً كبيراً بملف الأمن الغذائي بعد النقص الذي حدث في عمليات الإنتاج وتعطل سلاسل الإمدادات الغذائية، ليأتي بعدها الصراع الأوكراني الروسي ليزيد الأمور تعقيداً وبدأت المشكلة الغذائية حتى أصبحت واحدة من أخطر المعضلات التي تواجهها دول المنطقة العربية بأكملها، فالأمن الغذائي قاعدته الأساسية هي توفر الغذاء بحيث تكون هناك سلع بالسوق متاحة للجميع، أما الوصول إلى الغذاء يعني قدرة المستهلك على الشراء وأن تكون الأسعار في متناول الجميع، ولعل من المؤسف أننا في دول الخليج نعتمد اعتماداً كلياً على عملية الاستيراد من الخارج، وكل دولة تختلف نسبتها عن الأخرى إلا أن معدل الاستيراد يبلغ نحو 75% إلى 90%، لذا فنحن نتأثر بما يحدث في الخارج ولا نستطيع أن نؤثر في أسعار المواد الغذائية.