أيمن شكل - تصوير: محمد حمزة أوركسترا البحرين الفيلهارموني مشروع وطني حضاريتحملت بحب مشقة التنقل من المحرق للمنامة لدروس الموسيقىأول ألحاني كانت بالمرحلة الثانوية للمطرب يعقوب بومطيع في 1971معهد الكونسرفتوار في القاهرة صقل موهبتي الفنية والموسيقيةفضل كبير لمحمد بن خليفة وراشد بن عبدالله في دراساتي التخصصية للموسيقىالموسيقى لم تكن مقبولة عند أهلي وشقيقي الأكبر راشد ساندنيفي فريج المري وبين الدور والفرق الشعبية، نشأ المايسترو الدكتور مبارك نجم، طفلاً يسمع الموسيقى من حوله ويشتد غراماً بها، حتى أنه كان يتنصت على جرامافون «أم رقية» إلى أن سمحت له بالجلوس وسماع الموسيقى في بيتها، وحين اشترى عوده الأول كاد أن يفقده بسبب تقاليد العائلة ورفض والدته لهذا المستقبل.كان يعتقد أنه الوحيد في المحرق الذي يحب الموسيقى، لكنه اكتشف أنه ليس الحبيب الوحيد لهذا الفن عندما توجه لأول حصة تعلم الموسيقى، وقد تميز بإصراره على مواصلة التعلم، حتى كان أصغر فنان في فرقة «الأنوار» مطلع السبعينات، وأخذ موقعه بين نجوم كبار، وكانت رحلة الدراسة في الكونسرفتوار نقلته الأولى لتغير مجرى حياته، ثم جاء عمله في الموسيقى العسكرية ليمنحه فرص دراسات أوسع وأشمل.واليوم يقود المايسترو نجم مشروعاً حضارياً فريداً من نوعه في البحرين وهو أوركسترا البحرين الفيلهارموني الذي يعتبره مسؤولية وطنية للارتقاء بالحس الثقافي والفني بالمملكة، وقبل إحدى بروفات هذه الأوركسترا الرائعة، قدم المايسترو مبارك نجم لـ«الوطن» عزفاً منفرداً لمسيرة حياته.وفيما يلي نص اللقاء:حدثنا عن نشأتك؟- ولدت في مدينة المحرق وبالتحديد في فريج المري، وهذا الفريج من أحياء المحرق العتيقة، وكان يحتوي على العديد من الدور والفرق الشعبية سواء كانت رجالية أو نسائية، ومنذ صغري كنت مولعاً بالموسيقى وأحببتها منذ وقت مبكر من حياتي، وكنت من بين أخوتي الخمسة والأهل والأصدقاء في الحي المغرم بالموسيقى فأحرص على سماع الإذاعة.وكانت إحدى العوائل في الفريج يمتلكون آلة جرامافون والإسطوانات، فكان يستهويني سماع صوت الموسيقى فأقف بجوار النافذة أو باب البيت من الخارج وأستمع إلى هذه الإسطوانات، ويغريني شكل الجرامافون والإسطوانة وهي تدور لتخرج هذه الأصوات الجميلة، وأتذكر «أم رقية» في فريجنا التي كان لديها جرامافون وتعيش مع زوجها في بيت لم يرزقهم الله أطفالاً، فكانت تسمح لي بالبقاء لسماع إسطوانات الأغاني الشعبية التي يجلبها زوجها، فعرفت من خلال جرامافون «أم رقية» الفنانين الشعبيين البحرينيين مثل محمد زويد وعبد الله سالم الشيخ ويوسف فوني، وكذلك كان لديها إسطوانات لأغاني عراقية ويمنية.وفي هذه المرحلة العمرية قررت صناعة العود الخاص بي، وكان عبارة عن صندوق معدني وأوتار من خيوط صيد السمك والتي لم يكن متاحاً سواها في ذاك الوقت، وعلى الرغم من كونه عوداً لا يمت للموسيقى بصلة إلا أنني كنت فرحاً بهذا المشروع وما يصدر عنه من «خربشة» عليه وأغني وأرقص في البيت.ومَن اكتشف موهبتك؟- موهبتي لم تكن بحاجة للكشف لأنها كانت كاشفة نفسها، ولذلك أعتبر شقيقي الأكبر الدكتور راشد نجم هو سندي خلال تلك المرحلة، لأنه كان الإنسان المثقف والمتعلم والذي أدرك موهبتي واستطاع أن يتجاوز بي حواجز العادات والتقاليد، فلم تكن الموسيقى أمراً مقبولاً عند أهلي، وهو الذي ساعدني في شراء أول آلة عود واصطحبني لمعلم الموسيقى.متي كان أول عود اشتريته؟- كان أخي راشد يحاول البحث عن معلم موسيقي يتبنى موهبتي ويطورها، وهذا الأمر كان صعباً في تلك الفترة وخاصة في المحرق، لكن أذكر بعد أن أنهيت المرحلة الابتدائية في المدرسة الشمالية والتي تسمى حالياً «عمر بن الخطاب» انتقلت للمرحلة الإعدادية في مدرسة طارق بن زياد، ودخل علينا الفصل أحد المعلمين والذي أتذكره لمحبتي الكبيرة له، وهو الأستاذ أحمد مبارك النعيمي، وقال «إللي يريد يتعلم موسيقى يروح يسجل اسمه في مدرسة عمر بن الخطاب اليوم من الساعة الثالثة والنصف» وكان المشرف على هذا المشروع الأستاذ جاسم العمران.ولا أنسى هذه اللحظة، حيث كان المعتاد بعد العودة من المدرسة أن أتناول وجبة الغداء، لكني لم أنتظرها وذهبت مسرعاً فرحاً للتسجيل في دروس الموسيقى، وكنت أعتقد أنني الوحيد في المحرق الذي يحب الموسيقى، لكني تفاجأت بعدد كبير من الطلبة يتواجدون في الموعد للالتحاق بهذه الدروس.ورغم هذا العدد الكبير الذي رغب في الالتحاق بدروس الموسيقى إلا أن جميعهم غادروا بسبب الصعوبات التي واجهت المتقدمين، فقد كان مدرس الموسيقى سورياً يدعى ميشيل إلياس عوض، حيث أجرى اختبارات واختار لي العود بدلاً من الكمان، وطلب من كل واحد أن يشتري الآلة، ولذلك انسحب الجميع لصعوبة الإمكانيات في تلك الفترة، وبقيت بمفردي.كيف تغلبت على مشكلة شراء العود؟- توجهت مع أخي راشد إلى سوق المقاصيص واشترينا عوداً من محل أخبرنا صاحبه بأنه مناسب وكان بمبلغ 4.5 دينار «45 روبية»، وعدنا به إلى البيت لنكتشف صعوبة إدخاله للبيت الرافض لهذا المشروع أصلاً، وصعوبة استخدامه للتدريب اليومي فأهلي يخشون أن يشغلني هذا الشيء عن دراستي وخاصة والدتي والتي أوعزت لأبي بأن يتخلص من هذا العود بأسرع وقت ممكن.ويوم رجعت من المدرسة إلى غرفتي فوق السطح لأبحث عن العود فلم أجده، بكيت كثيراً ورفضت تناول الطعام، إلى أن رقت أمي لحالتي فطلبت من أبي إعادة العود مرة أخرى، وعندها أبلغني بأنه عرضه للبيع في محل بسوق المحرق، وقال لي: اذهب لصاحب المحل واستعيد العود منه، فتوجهت مسرعاً بدراجتي إليه واسترجعت العود.وتواصلت التحديات أمامي فقد كان مدرس الموسيقى يأتي من المنامة بتاكسي أو رفقة الأستاذ جاسم العمران في سيارته، لكي يعلمني أنا فقط الموسيقى، إلى أن طلبوا مني الذهاب إليه في بيته بالمنامة، فكنت أسير مسافات طويلة من بيتي إلى موقف الباصات في المحرق لأصل إلى رأس رمان ثم أسير مشياً إلى القضيبية، وأتلقى الدرس لمدة نصف ساعة ثم أعود بنفس الكيفية وتتكرر الرحلة مرتين في الأسبوع.ألم تجبرك هذه الرحلة المتعبة على التوقف عن مواصلة تعلم الموسيقى؟- المتعة التي أجدها في درس النصف ساعة كانت تمحو تعب الرحلة ذهاباً وعودة، بل لم أكن أشعر بهذا التعب وأنا متلهف للوصول إلى بيت الأستاذ ميشيل، أو عند العودة من المنامة للمحرق.متى بدأت نجومية مبارك نجم ومرحلة النضوج الفني؟- في المرحلة الثانوية كنت أصغر عضو في فرقة الأنوار الموسيقية والتي كان موقعها المنامة وضمت أبرز الأسماء الفنية في البحرين مثل داوود سلمان وأحمد الفردان ونجم عبدالله ومحمد الذوادي وجعفر حبيب وعبد الله بو قيس وأحمد الجميري، ومحمد جمال والملحن الجميل عيسى جاسم، والمطرب يعقوب بومطيع الذي لحنت له أول تجربة لي، وذهب باللحن إلى القاهرة وسجل الأغنية مع الفرقة الماسية عام 1971، فلقد كان واثقاً من موهبتي.ماذا عن مرحلة الدراسة الأكاديمية للموسيقى؟- بعد تخرجي من الثانوية العامة توجهت إلى القاهرة للدراسة في معهد الموسيقى العربية، لكن صديق عزيز لي وهو حسين الموسوي، كان يعرف حجم موهبتي، فقال لي إن معهد الكونسرفتوار يناسب مؤهلاتك أكثر من معهد الموسيقى العربية، وتلك كانت نقلة هائلة في حياتي الدراسية والعملية.هل هناك مراحل محورية أخرى في حياة مبارك نجم الفنية؟- النقلة الثانية والتي تمثل محوراً مهماً في حياتي كانت انضمامي إلى وزارة الداخلية بعد عودتي من الدراسة في القاهرة وذلك بطلب من وزير الداخلية السابق سمو الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة الذي عرض علي وظيفة ضابط بالفرقة الموسيقية، وهذا الرجل أكن له امتناناً كبيراً لأنه غير مجرى حياتي وفتح لي المجال للدراسة والابتعاث لدراسة الموسيقى وحضور مؤتمرات وورش عمل مما أتاح صقل موهبتي الموسيقية.وتواصل هذا الفضل مع وزير الداخلية الفريق أول ركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، حيث واصلت الابتعاث والدراسة فدرست الموسيقى العربية والشعبية والكلاسيكية والعسكرية وكلها دراسات متخصصة حتى أصبحت أمتلك مزيجاً من هذه الموسيقات لا يتوفر لأحد آخر، ولذلك فأنا أعتبر نفسي محظوظاً بهذين الوزيرين لأن كل دراساتي العليا كانت بدعم منهما.كيف كون مبارك نجم عائلته وما هي كواليس الزواج؟- تزوجت في وقت متأخر لأن الموسيقى أخذت الكثير من وقتي، ولكن كان زواجاً كلاسيكياً كأي شاب بحريني، ورزقني الله بـ«سلمان» ابني الأكبر وهو فنان تشكيلي ثم عيسى والذي اختار الموسيقى وحصل على ماجستير، و«دلال» التي اهتمت بدراسة التصوير والإخراج السينمائي وأخيراً «راشد» وله التوجه الرياضي، لكن جميعهم تعلموا العزف على الآلات الموسيقية، ليس لكي يكونوا موسيقيين ولكن لأن الموسيقى تمنح الإنسان الرقي والذوق، ثم اختار كل منهم طريقه.اليوم تقود أوركسترا البحرين الفيلهارمونية لتحقق إنجازاً كبيراً وجديداً.. ما هي تطلعاتك؟- الأوركسترا هو مشروع نهضوي إنساني حضاري بحريني يهدف لنشر البهجة والسعادة وخلق أجيال تهتم بوطنها، ولذلك نحرص على عرض حفلات كثيرة لأطفال المدارس وطلبة الجامعات، ونقوم بتقديم شرح حول ماهية الأوركسترا والموسيقى، ونجد تفاعلاً كبيراً من الجمهور في المسرح الوطني، وأود أن أدعو المؤسسات الكبيرة بأن تدعم هذا المشروع الوطني وتخصص وقتاً لموظفيها كي يحضروا حفلات الأوركسترا في المسرح وللتعرف على هذا النشاط الوطني، فالموسيقى لها تأثير كبير في رقي النفس البشرية وتنمية الفكر والثقافة وحب الوطن.