حسن الستري، «تصوير: محمد عز»
شاركت بانتخابات 2011 عن قناعة وطنية ولم أقبل الإملاءات
كنت مولعاً بـ«الفيزياء الكونية» لكن بالنهاية اخترت دراسة الهندسة في موسكو
بدأت مهندساً في موقع صغير براتب 300 دينار حتى أصبحت الشخصية الثانية في الشركة
تأسيس «كتلة البحرين» من الطائفتين الكريمتين كان رسالة بأن وطننا بخير
«نشأت يتيماً، وبدأت حياتي عصامياً، وأكملتها عصامياً»، بهذه الكلمات اختصر رئيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان علي الدرازي مشوار حياته الذي سرده لـ«الوطن».
واستذكر الدرازي في حديثه ولعه بالفيزياء والرياضيات، وطموحه لدراسة الفيزياء الكونية، وكيف «طارت السكرة وجاءت الفكرة» بعد السنة الأولى لدراستها في موسكو، ليتجه لدراسة الهندسة، ثم يعود ويبدأ مشواره من مهندس صغير إلى محكم هندسي، ومن مواطن إلى نائب في البرلمان ثم عضو الهيئة الاستشارية لدول مجلس التعاون وأخيراً رئيساً للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان.
وبين الدرازي إنه شارك في الانتخابات التكميلية 2011، عن قناعة وطنية ولم يقبل أي إملاءات مجتمعية حينها، لأن البحرين حينها كانت تمر بأزمة، وكان لابد أن نقف مع وطننا، وقال «أنا فخور بهذا الموقف الذي أخذته بالمشاركة في الانتخابات ودخول البرلمان، رغم أنني واجهت صعوبات وتعرضت لضغوطات كبيرة لإثنائي ممن يطالبون بالديمقراطية، وهذا دليل أنهم لا يؤمنون بها حقاً لأن الديمقراطية هي احترام الآخر والفكر النقيض».
كما أعرب عن اعتزازه بتأسيس «كتلة البحرين» من الطائفتين في البرلمان بهدف معالجة الانشقاق المجتمعي والتصدي للفكر الطائفي، وقال: «كانت مبادرة ضرورية في توقيت دقيق أرسلنا من خلالها رسالة هامة أن البحرين مازالت بخير وستظل بخير».
وفيما يلي نص اللقاء:
حدثنا عن نشأتك، كيف كانت بداية حياتك؟
- نشأت يتيماً، لأب كان تاجراً في سوق المنامة، توفي وعمري 14 سنة ويومها كنت طالباً في المرحلة الإعدادية، وأكملت دراستي في مدرسة النعيم الثانوية، تخصص علمي.
هل رافقت والدك إلى السوق أيام طفولتك؟
- نحن تربينا في ظل «الحجي» كما يقال في تلك الأيام، كان أسلوب التاجر أن يأخذ أولاده معه ويدربهم، فمنذ الطفولة ونحن في سوق المنامة وكان لدينا عدة دكاكين، وهناك تعلمنا أسلوب الحياة وتعلمنا أسلوب البيع والشراء، وتعاملنا مع مختلف الأصناف، وتعلمنا أصول التعامل مع البشر.
كل ذلك تعلمناه من الوالد رغم أنه لم يكن يعرف يقرأ ويكتب.
وماذا عن الوالدة؟
- هي مازالت موجودة أطال الله في عمرها، وهي من النوع الهادئ جداً ولكن كانت قوية، كنا ثمانية أشقاء، أنا أصغر الذكور، وجميعنا توفقنا ولله الحمد، عندي أخت دكتورة والثانية مهندسة والثالثة في التأمين، وجميعنا تخرجنا من الجامعات، رغم أن والدي حين توفي لم يكن فينا أحد أنهى دراسته الجامعية، لكن الوالدة كان لها دور كبير جداً، فأعطتنا القوة والدعم النفسي لنواجه الحياة.
من كفلكم بعد وفاة الوالد؟
- تجارة الوالد كانت موجودة ولكنها انخفضت طبعاً، كانت فترة صعبة، ولكننا تجاوزناها.
مَن أبرز زملائك في الدراسة الثانوية؟
- لا أستطيع ذكر أسماء، ولكن منهم اليوم محامون وأطباء وغيرهم.
لماذا اتجهت للدراسة في موسكو؟
- كنت مولعاً بالفيزياء والرياضيات، وخصوصاً النظرية النسبية، وكانت لدي رغبة في دراسة الفيزياء الكونية، وهذا التخصص لم يكن موجوداً إلا في دول محددة، واخترت موسكو، لأنه بأمريكا وإنجلترا ليس من السهل قبول الأجانب في هذا التخصص.
ولكن بعد السنة الدراسية الأولى، طارت السكرة وجاءت الفكرة، ماذا سأعمل بعد التخصص، عرفت أنه لا مستقبل لي إلا إذا أخذت الدكتوراه، ولا مجال عمل لهذا التخصص بالدول العربية إلا التدريس الجامعي في أحسن الأحوال تكون أستاذاً في الجامعة، لذلك اخترت أن أغير التخصص وكان عندي خياران إما الاقتصاد كوني أحب الاقتصاد والأرقام أو الهندسة. فقدمت في الكليتين، وقبلت في كلية الاقتصاد، وبعدها بأيام قبلت في كلية الهندسة، فاخترت أن أواصل في الهندسة والحمد لله الذي وفقني وتخرجت وعملت مباشرة بعد التخرج.
بتلك الفترة كان هناك توجس من تأثر الطلاب في روسيا بالمد الشيوعي، هل واجهت هذا الأمر حينها؟
- بالطبع، فترة الثمانينات كان فيها نوع من الصراع الأيديولوجي بين أمريكا والاتحاد السوفيتي ولكن الحقيقة تختلف اختلافاً كلياً عن الظاهر، فحين ذهبنا للاتحاد السوفيتي، رأينا أغلب الناس غير مؤمنين بالشيوعية، وكثير منهم كانوا شيوعيين وكفروا بالشيوعية، رأينا شعباً طيباً وبسيطاً جداً، لم يكونوا ملحدين كما نسمع.
هل واجهت معارضة من قبل عائلتك؟
- واجهتها، ولكن الإنسان بعمر 18 عاماً، يكون عنده روح المغامرة أكثر بكثير من سن العشرينات والثلاثينات التي يكون فيها أنضج فكرياً وتكون عنده طريقة الاختيار أكثر دقة وأكثر حنكة، وفي تلك الفترة أصلاً لم أفكر ماذا سأعمل، فقط فكرت في ما أرغب في دراسته.
أثناء فترة دراستك في موسكو، شهدت تفكك الاتحاد السوفيتي، هل كان لذلك تأثير على دراستك؟
- كانت فترة صعبة جداً يمر بها البلد الذي أنت تدرس فيه، وكان لدي خياران، إما المواصلة وتجاوز الصعوبات وإكمال الدراسة، أو العودة وأبدأ من جديد في أي دولة أخرى، كانت فترة جداً صعبة، ظهرت مافيات، وكان بها انعدام للأمن وانفلات اقتصادي كبير، المبلغ الذي يساوي اليوم 100 دينار، لا يساوي 10 بعد أسبوع. ولكن اخترت الخيار الأصعب وهو أن أكمل الدراسة في هذه الظروف بدلاً من أن أبدأ من جديد، ودائماً الصعاب حين تقدر على تخطيها تصبح أقوى بكثير.
كيف بدأت حياتك العملية؟
- أعفني من ذكر أسماء الشركات التي عملت بها، ولكن بدأت في العمل في شركة هندسة تعمل في القطاع الإنشائي. وبدأت فيها من مهندس موقع صغير. معاشي لا يتجاوز 300 دينار، إلى أن أصبحت الشخصية الثانية في الشركة.
والحياة تحديات، وفضلت أن أدخل في تحدٍّ آخر وبدأت في شركة بحرينية. واليوم هي من أكبر شركات البحرين في التصميم الهندسي واستفدت كثيراً فيها، لأن عملنا كان منتشراً في عدة دول.
بعد التصميم رجعت مرة ثانية للتنفيذ. وأنشأت شركة خاصة هي للتنفيذ والتصميم أيضاً، وقليل من المهندسين عملوا في التصميم والتنفيذ، أنشأنا محطات تبريد، ومشاريع في البنية التحتية.
دخلت البرلمان في الانتخابات التكميلية في 2011، ماذا كانت دوافعك حينها؟
- البلد يومها كان يمر بأزمة، وكان لابد أن نقف مع البلد. وأن تفعل ما أنت مقتنع به، لا ما يمليه عليك غيرك، لذلك اتخذت القرار، ومضيت في الطريق، وأنا مقتنع اقتناعاً كلياً واليوم أنا أفتخر بالموقف الذي أخذته في 2011.
واجهت صعوبة وقتها، ولكنني كما بدأت حياتي عصامياً، واصلت حياتي عصامياً، للأسف حصلت ضغوطات كبير من الأشخاص الذين يطالبون بالديمقراطية، وهذا دليل على أنهم في داخلهم لا يؤمنون بالديمقراطية لأن الديمقراطية هي احترام الآخر، احترام الفكر النقيض.
أسستم كتلة البحرين، وكانت أول كتلة تشكل من الطائفتين في ذاك الوقت. كيف تبلورت الفكرة؟
- البحرين والوطن العربي يومها كان يعاني من المد الطائفي، الذي تسبب بشق الصف في المجتمع العربي بشكل عام، وفي المجتمع البحريني بشكل خاص، وكانت هناك خطط بدأت اليوم واضحة جداً للجميع، فكان لابد من التصدي لهذا الانشقاق المجتمعي وللفكر الطائفي، وكان لابد من عمل كتلة من الطائفتين الكريمتين لنرسل رسالة أن البحرين مازالت بخير، هي مبادرة اعتبرت يومها جريئة، واليوم باتت عادية.
في عام 2014 دخلت الانتخابات ولم يحالفك الحظ، لماذا لم تعاود ترشيح نفسك بعدها؟
- دخلت المعترك السياسي وبقيت في المعترك السياسي، ولكن لابد من ترك المجال إلى الآخرين، المهم هو نجاح الفكرة التي آمنا بها في 2011، وهذا تحقق من خلال نسبة المشاركة العالية التي بلغت 73% بانتخابات 2022، حجم المشاركة كان مبهراً في كل مناطق البحرين، ولم يعد هناك أي مظهر لمظاهر العنف من قبل الآخرين.
حدثنا عن شهادة التحكيم الهندسي؟
- هي شهادة تُعطى للمحكمين بحيث يكون هناك محكم هندسي محترف.
وهي شهادة احترافية، وحصلت عليها منذ 20 عاماً وعملت في التحكيم الهندسي وأصبحت خبيراً معتمداً في المحاكم، وهذه الشهادة تعني عملياً أنك كمهندس تصبح أكثر احترافية في عملك بشكل عام.
لدينا في البحرين كوادر كبيرة وقامات هندسية معتبرة على المستوى العالمي لا تقل عن أي مستوى عالمي في المجال الهندسي ومجال العقود الهندسية ومجال التعاملات الهندسية أيضاً.
وماذا عن عضوية الجمعية الأمريكية لمهندسي التدفئة والتبريد؟
- هذه أيضاً شهادة احترافية، مهمتها وضع قوانين التكييف، على سبيل المثال تحدد ما إذا كان هذا المكان يحتاج 20 طناً أو 10 أطنان تكييف وما إلى ذلك، وتضع القوانين الهندسية وتُعنى بتعديلها.
ماذا عن عضويتك في الهيئة الاستشارية لدول مجلس التعاون لمدة 4 سنوات؟
- الهيئة الاستشارية لمجلس التعاون الخليجي أُنشئت من قبل مجلس التعاون وتصدر تقارير ترفع إلى المجلس الأعلى برئاسة قادة دول المجلس، وكان لي الشرف بتمثيل البحرين فيها خلال هذه السنوات.
أخيراً، حدثنا عن المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان؟
- المؤسسة أُنشئت بإرادة ملكية سامية، ومهمتها مراقبة الوضع الحقوقي في مملكة البحرين، كان لي شرف أن أكون رئيسها، وأتحمل الصعوبات، فالعمل الحقوقي بشكل عام مهم جداً في تعزيز الوعي المجتمعي، وللأسف البعض يعتقد أنه عند المؤسسة العصا السحرية، اطرح مشكلتك وستحل في أسرع وقت، ولكن الأمور ليست بهذه الطريقة، بل تحتاج إلى عمل مستمر لكي نحقق الأهداف.