حسن الستري - تصوير: نايف صالح

أول طبيب في تاريخ البحرين الحديث ووزير لـ«الصحة» و«التربية» لربع قرن

بدأت القراءة بنهم في مكتبة جدي وأنا بالثامنة من عمري

أدعو الشباب إلى القراءة للتحصن من الهجمة على الثقافة العربية

قضينا على الأمية وعلى كثير من الأمراض

الخدمات الصحية كانت متأخرة وقفزنا بها 75 سنة

الدولة قلبها على المواطن.. والبحرنة شعار مقدّس



كان أول طبيب بحريني في تاريخ البحرين الحديث، وتولى وزارتين من أكبر الوزارات في الدولة لمدة ربع قرن، وهما الصحة والتعليم.

«الوطن» التقت وزير الصحة ووزير التربية والتعليم السابق د. علي فخرو في حوار سرد فيه مسيرته الوطنية الحافلة، مشيراً إلى أنه يرفض تقديم نفسه بـ«المفكر» كما يصفه كثيرون، مؤكداً أن التسمية الأنسب له هي المثقف.

وقال إنه «بدأ القراءة بنهم منذ أن كان طفلاً في الثامنة من عمره». وفي ما يلي نص الحوار:

كيف كانت بدايتك؟



- بدايتي كانت كأي طفل، ولدت في المحرق، ووالدتي كانت بعيدة عني في الدوحة. قضيت طفولتي في بيت جدي في المحرق، وكان بيتاً كبيراً وفيه أخوالي الذين ربوني. وكانت في بيت جدي مكتبة صغيرة، وبدأت أقرأ بِنَهم وعمري 8 سنوات، كنت أقرا مجلات الهلال والمقطع، كانت مجلات صعبة جداً، والطفل لا يقدر على تحملها.

كنت أذهب إلى مدرسة المعاودة في المحرق بجوار السوق. وبقيت في تلك المدرسة حوالي سنتين. وهذه المدرسة تميزت بوضع أسس تعليمية جيدة.

والدي كان يذهب دائماً إلى الهند سنوياً لجلب بضائع، فقال لي ما رأيك أنا أعطيك أموالاً وتأتي للتجارة معي وتكون الربحية لك.

كان يريد جذبي لموضوع التجارة، ولكن توفيت والدتي، ولم أذهب في هذا الاتجاه.

كتبت رسالة إلى مدير مدرسة الهداية الخليفية لألتحق بها، بعد أن مر على بدء العام الدراسي حوالي شهرين، وتم قبولي في الصف الخامس الابتدائي، اجتهدت اجتهاداً شديداً، وتفوقت لأكون الثاني في صفي.

أحببت المدرسة والتعليم، وجاءني والدي في السنة التالية وعرض علي السفر مرة ثانية فأجبته بأنني أحببت المدرسة، وانتقلت بعدها إلى المدرسة الثانوية في المنامة، وتفوقت كذلك، وحصلت على بعثة من الحكومة لاستكمال الدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت، لدراسة الطب، وتخرجت كطبيب عام. وكنت أول طبيب في تاريخ البحرين الحديث، إذ في السابق كان الطب المعروف شعبياً.

وماذا بعد التخرج؟



- أردت أن أتخصص، فذهبت إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتخصصت في الأمراض الباطنية ثلاث سنوات.

ثم رجعت إلى البحرين وبقيت سنتين، أمارس طب الأمراض الباطنية، ولكن كنت أريد أن أتخصص فوق التخصص العام تخصصاً خاصاً.

أردت أن أتخصص في أمراض القلب، فرجعت إلى أمريكا، وبقيت هناك ثلاث سنوات أخرى لأتخصص في أمراض القلب.

ثم رجعت إلى البحرين، ويومها أعلنت بريطانيا نيتها إنهاء الانتداب على دول الخليج، فعينت في مجلس الدولة وزيراً للصحة، وأصبح لاحقاً اسمه مجلس الوزراء، وبقيت في هذا المنصب من عام 1970 ولغاية 1982.

حدثنا عن هذه المرحلة، وتحديدا المجلس التأسيسي، الذي كنت عضوا فيه بحكم منصبك كوزير؟

- أخذنا مسودة الدستور الكويتي، والكويت أخذت دستورها من مصر التي بدورها أخذته من فرنسا، تبنينا دستوراً تقدمياً ديمقراطياً إلى أبعد الحدود.

كان هناك أعضاء منتخبون من الشعب، وكانت هناك مناقشات ممتازة جداً.

أما بالمجلس الوطني، فقد كان الحماس والمد اليساري وما يجري في الخارج كان ينقل إلى الداخل للأسف.

حين كنت وزيراً للصحة جاءني طبيب بحريني متخرج في الأمراض النسائية، ووظفته بالوزارة، يومها تعرضت لضغوط من الكتلة الدينية، كيف تم تعيينه بالوزارة، قلت لهم أعطوني دولة إسلامية واحدة لا يوجد بها رجل في هذا التخصص.

النتيجة بالنهاية، أن المزايدات والمماحكات أثرت على المجلس، حتى تم حل المجلس، وكان للجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي دور رئيس في حل المجلس.

وماذا عن مرحلة وزارة الصحة؟



- الخدمات الصحية كانت متأخرة، ونحن قفزنا ما لا يقل عن 75 سنة حين كنت وزيراً، أقول ذلك بكل صراحة، بنينا المراكز الصحية في مختلف مناطق البحرين، وطورنا مستشفى السلمانية الطبي، اهتممنا بالرعاية الصحية الأولية، والرعاية الصحية الوقائية، وقضينا على الكثير من الأمراض المنتشرة آنذاك، كالملاريا وشلل الأطفال، وأنا هناك لا أنسب الفضل إلي، بل للفريق بأكمله الذي كنت أنا جزءا منه.

الدولة كانت دولة رعاية اجتماعية حقيقية بكل معنى الكلمة، مهتمة جداً بالخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم، والسكن، والعمل، ولا أذكر أنني حين كنت وزيراً للصحة أو حتى وزيراً للتربية، أنني طلبت تنفيذ مشروع معين ولم أجد الدعم اللازم من ميزانية وغيرها.

عملت على بحرنة الاستشاريين، كنت أقول لهم، «انظر لهذه الوظيفة إللي فيها الأجنبي، أنا سأرسلك لتدرس التخصص، وتنتظرك هذه الوظيفة».

كان قلب الدولة على المواطن، وعلى البحرنة، لأن شعار البحرنة، كان شعاراً مقدساً، وما كان يمكن أن تنجز لولا أن نظام الحكم كان يترك لنا المجال.

كم بلغت نسبة البحرنة في الاستشاريين؟



- اعتقد أننا وصلنا إلى نسبة 60% أو 65%.

أسسنا كلية العلوم الصحية، وأصبح التمريض دراسة متكاملة، بالبداية كان تعطي شهادة دبلوم، وبعدها طورنا وأصبحت تعطي شهادة بكالوريوس.

كان فنيو الأشعة كلهم أجانب، المختبرات كذلك، كل هذه المهن استطعنا أن نبحرنها بالكامل.

في عهدكم أسست جامعة الخليج العربي، حدثنا عنها؟



- أولاً دعني أقلْ لك إنني من أنشأت جامعة البحرين. أتذكر عندما كان المرحوم صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، يفتتح مبنى كلية العلوم والآداب التابعة لوزارة التربية، وخرجنا في جولة، وقلت له العام المقبل ستكون جامعة البحرين، وبدأنا بتأسيسها من الكليات التابعة لوزارة التربية، ومن كلية الخليج للتكنولوجيا، التي كانت مستقلة يومها، وتكونت جامعة البحرين.

أما جامعة الخليج العربي، فقد كان وزير التربية المرحوم الشيخ عبد العزيز آل خليفة، يفكر في أن تكون جامعة البحرين جامعة خليجية، أخذت المشروع وطورته وأسسنا، أول جامعة مشتركة في الخليج، فقد كان هناك حاجة لأن تكون كلية الطب بالخليج، فكثير من دول الخليج لم تكن بها كلية طب.

وماذا عن وزارة التربية والتعليم؟



- حين استلمت الوزارة، وجدت أن كل من يتخرج من أي جامعة وفي أي تخصص يعمل معلماً، ثم يبحث عن وظيفة أخرى، فقلنا «ما يصير يجرب في رؤوس أطفال البحرين». ولا يمكن أن يعمل معلماً من ليس لديه مؤهل تربوي، هذه كانت الخطوة الأولى نحو تمهين مهنة التعليم. كما أنّ هناك معلمين كثيرين على المستوى الثانوي، وبعضهم لديه دبلوم، فقلنا نريد على الأقل أن يكون لديهم شهادة البكالوريوس في التربية، وشجعناهم على استكمال دراستهم، أرسلناهم إلى الخارج برواتب كاملة وبالزيادة السنوية.

كنا نريد أن ننمي أطفالاً مستقلين وقادرين على التفكير، والمناقشة، علمناهم كيف يناقشون المعلمين، واستحدثنا معلم الفصل بالمرحلة الابتدائية، ونظام الساعات المعتمدة بالمرحلة الثانوية.

هذا النظام يجمع مجموع الثلاث سنوات، وليس سنة واحدة، قد يمرض فيه و«يخترب» تعليمه كله في المستقبل.

استطعنا القضاء على الأمية من 25% عام 1982 إلى 1% أو 2% عام 1995.

حدثنا عن الفترة التى عملت فيها سفيراً في باريس؟



- ذهبت إلى باريس سفيراً. ولم أكن أعرف اللغة الفرنسية أبدا.

وهناك تعلمتها، جئت بمعلمة خاصة إلى المنزل، وبعدها صرت أعتمد على نفسي، واليوم صرت أقرأ كتباً فرنسية.

ومع باريس كنت سفيراً غير مقيم بمدريد وجنيف وبروكسل، إضافة إلى «اليونسكو».

ما قصة نادي البحرين للتنس؟



- أمارس رياضة التنس الأرضي، وما زلت ألعبها، وهنا نصيحة للرياضيين، اهتموا برياضة محددة، واجعلوها جزءاً من حياتكم، اللعب والرياضة شيء جميل، اجتماعي، واستمتع بالتنافس مع مقولة «غلبتك» و«غلبتني». حين خرج الإنجليز من البحرين، كانت عندهم ملاعب، ذهبت لوزير الخارجية وقتها سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة وطلبت منه أن ننشئ ملاعب تنس فيها، بدأنا بملعبين، واليوم عندنا 10 ملاعب.

دائما ما توصف بالمفكر علي فخرو، ما هو تعليقك على هذا الوصف؟



- أنا لا أرى نفسي مفكراً، بل مثقفاً، وهنا أدعو الشباب للقراءة، أنت تعرف أن الهجمة هي على ذاكرة الإنسان العربي، وعلى ثقافته، وعلى هويته، لأني إذا أبعدته عن ثقافته، أبعدته عن هويته، وإذا أبعدته عن هويته، أبعدته عن التزاماته تجاه مجتمعه كله.

لا بد من التوعية بإشكال مختلفة في الفكر، في السياسة، في الاقتصاد، في الاجتماع.

دائما ما كنت أوجه كلامي للشباب بأهمية الثقافة والتعلم وتطوير الذات، حتى مقالاتي كانت موجهة لهم.

كم عدد أبنائك؟



- لدي ابن واحد اسمه حامد و4 بنات، وقد وفقني الله فيهم كلهم.