أيمن شكل - «تصوير: نايف صالح»
الأطفال في الفريج كانوا يسخرون مني ويقولون «أكو طاف عادل إمام»
زوجتي سندي وصاحبة فضل كبير بتحمل عملي وانشغالي الدائم
تمنيت أن أكون أول ممثل بحريني حاصل على الدكتوراه
كنا نشاهد «كابتن ماجد» ثم نخرج لنلعب كرة القدم
عدت من أم الحصم إلى المحرق سيراً على الأقدام 3 مرات
قضى طفولته في فرجان المحرق بين أمهات الفريج اللاتي يذكر منهن أمه الثانية فاطمة، وحين قرر دخول التمثيل سخر منه الأطفال وكانوا يقولون «أكو طاف عادل إمام» فتوقف فترة وتوجه لكرة القدم متأثراً بـ«كابتن ماجد»، ثم عاد في الثانوية ليمثل في أم الحصم فيوصله أبوه ويعود سيراً منها إلى المحرق.
الفنان خليل الرميثي صانع الفرحة وموزع الابتسامة، الأرنب رقم 4 في أول مسرحية له، والذي أراد أن يكون أول ممثل بحريني يحصل على الدكتوراه، لكن التمثيل شغله عن حلمه وعن بيته وأبنائه، وتفهمت زوجته ظروف عمله فتولت إدارة البيت، حتى إنها كانت تذهب للكراج لتصليح السيارة. روى مسيرة حياته في مجلس «الوطن» وفتح قلبه لعشاق فنه وعبر عن حبه لهم قائلا: «أريد أن أقبل رأس كل إنسان أحب أعمالي».
ويقول الرميثي في حواره مع «الوطن»: كنت مولعاً بالممثل المصري عبدالسلام النابلسي الذي إلى اليوم أعشق أعماله، وفي الطفولة تعلقت كثيراً بكارتون «كابتن ماجد» الذي كان يبعث فينا حماسة كرة القدم، فما إن تنتهي الحلقة حتى نخرج للعب الكرة في الفريج. وفيما يأتي نص الحوار:
حدثنا عن نشأتك وفترة الطفولة؟- ولدت في المحرق بمستشفى المحرق للولادة في البسيتين؛ فقد كان الوالد من المحرق والوالدة من الحد وكنا في طفولتنا نقضي الإجازة عند أهل والدتي في الحد، ولذلك كان لي أصدقاء في المحرق وآخرون في الحد، ثم تفرقوا إلى جميع مناطق البحرين، فأصبح لي أصدقاء في المناطق كافة.
وخلال فترة الطفولة لم تفصلنا حدود أو جدران عن أن ندخل هذا البيت أو ذاك، وكأننا ننتقل من غرفة إلى أخرى في نفس البيت العود الذي يمثله الفريج، ويمكن القول إن كل طفل في الفريج له أم ثانية في كل بيت تتشارك في تربيته، لدي أم ثانية هي أمي فاطمة الله يطول في عمرها، وهي الأم الثانية بعد أمي هيا، ومازلت إلى اليوم أزورها في بيتها
هل كنت تذهب إلى الحد في الإجازة الصيفية؟
- لا ولكن كنا نذهب صيفاً إلى بيت خالتي في المملكة العربية السعودية، وعادة ما نتواجد ما بين المحرق والحد والسعودية، أو نذهب إلى البركة لنقضي بعض الأوقات الجميلة مع العائلة مثل بركة «سيادي» و «التينة»، وأذكر حين كانت نساء الفريج يخرجن معا للذهاب إلى النخل ويرافقهن أطفال الفريج.
ما هو ترتيبك بين أشقاءك في العائلة؟
- الأشقاء في العائلة تسعة، أولهم أخي محمد الكبير ثم جاء ياسر، وكنت أنا ثالثهم، وجاء بعدي وائل وعيسى وعبدالله ومن بعدهم ثلاث بنات، وبدأت أدرك طفولتي في فترة الثمانينات من القرن الماضي، وكان التلفزيون هو وسيلة الترفيه المنزلية الوحيدة، وفي هذه الحقبة كانت أفلام الكرتون تمثل للطفل مبعث اهتمام كبير، ويتابعها الجميع ويعرف أبطالها، وأذكر من هذه الأفلام التي كنت أتابعها بشكل يومي كارتون ساسوكي وعدنان ولينا وتونسوا وكابتن ماجد وكان الكارتون الذي يبعث فينا حماسة كرة القدم، فما إن تنتهي الحلقة حتى نخرج للعب الكرة في الفريج، ونحاول أن نجسد مغامرات كابتن ماجد، لكن الواقع مختلف طبعاً.
ثم انتقلت إلى مرحلة متابعة المسلسلات الدرامية مثل مسلسل رأفت الهجان وليالي الحلمية والأفلام المصرية القديمة، وكنت مولعاً بالممثل المصري عبدالسلام النابلسي الذي إلى اليوم أعشق أعماله.
كما كنت أتابع المسلسلات الخليجية و البحرينية مثل درب الزلق وأعجبت بشخصية بن عاقول في البيت العود وكذلك مسلسل سعدون ونيران والكلمة الطيبة.
ومن هم أصدقاء الطفولة؟
- لا أستطيع إحصاءهم لأنهم كانوا من جميع أبناء الفريج وفرجان أخرى متعددة، مثل فرجان الحياك والحكومة والكازينو ستيشن وليسامحني من لم أذكره لكن من جاؤوا على ذهني هم حسن سعد وعيال بيت ياسين وبيت الحمر وطلال وعلي البقشي وكثيرون، وكانت الفرجان قريبة من بعضها، وكنا نجتمع لنلعب كرة القدم.
ويرجع السبب في كثرة عدد الأصدقاء إلى أن البيوت كانت مفتوحة على بعضها البعض، وفي فترة الطفولة لم تفصلنا حدود أو جدران عن أن ندخل هذا البيت أو ذاك، وكأننا ننتقل من غرفة إلى أخرى في نفس البيت العود الذي يمثله الفريج، ويمكن القول إن كل طفل في الفريج له أم ثانية في كل بيت تتشارك في تربيته مع ولدها وتعتبره أحد أبنائها فلا تفرق بينهما في المعاملة الحسنة بشيء، حتى أذكر أن لي أختاً في الرضاعة من إحدى الأمهات بالفريج.
هل تذكر واحدة من هؤلاء الأمهات والتي مازلت تتواصل معها إلى اليوم؟
- بالتأكيد لدي أمي فاطمة الله يطول في عمرها وهي الأم الثانية بعد أمي هيا، ومازلت إلى اليوم أزورها في بيتها، ومنذ أسبوعين ذهبت أنا وإخوتي إلى الفريج وزرنا كل بيوته والأمهات اللاتي مازلن على قيد الحياة حتى الآن، وهذه عادة لا نتوقف عن فعلها كلما أتيحت لنا فرصة الاجتماع في بيت العائلة.
اذكر لنا أبرز المواقف المميزة في الطفولة مع أهل الفريج؟
- في أثناء تلك الفترة كان هناك ما يسمى بـ«البياعة» حيث يذهب الأطفال إلى السوق ويأتون ببعض الأغراض، مثل الكاكاو والحلويات والمينو ويجلسون على قارعة الطريق ويضعونه فوق كارتون ليعرضوه أمام أهل الفريج الذين كانوا يشترون منهم من منطلق عدم «كسر الخاطر» أو التشجيع على ممارسة التجارة بدلا من اللهو واللعب غير المفيد.
وفي إحدى المرات كانت عندي «بياعة» عبارة عن صحف باللغة الهندية كان يعطيها لي واحد من أهل الفريج الذي يحب قراءة الصحف الهندية، وعندما ينتهي من قراءتها يعطيها لي فأحاول بيعها مرة أخرى على أهل الفريج، وهو ما كان محط سخرية من الأطفال والكبار، فهي بضاعة مستعملة ولا أحد يقرؤها أو يطلبها، لكن في بعض الأحيان تشتري مني أمهات الفريج لعدم كسر خاطري.
متى قررت البدء في التمثيل؟
- عندما كنت في الصف الأول من المرحلة الابتدائية اكتشفت وجود فريق للتمثيل في نادي الحالة والذي عرفني به هو عبدالله الحايكي الذي كان يبحث عن ممثلين، وهنا قررت المشاركة معهم لأنني أحببت التمثيل، وفي العام الثالث قررت وزارة التربية والتعليم اختيار بعض الممثلين للمشاركة في مهرجان السويس الأول للطفل بجمهورية مصر العربية، وكنت أحد هؤلاء المختارين للسفر وأول تجربة سفر بالطائرة والغربة عن الأهل.
كيف استقبلت العائلة خبر سفرك؟
- في هذه الرحلة رأيت أبي لأول مرة وهو يبكي، فقد كان يحبني كثيراً ورفض في البداية فكرة السفر، إلا أنه وافق على مضض، وعندما توجهنا إلى المطار احتضنني وقبلني كثيراً، ثم بدأت دموعه تنهمر بشدة وهو المنظر الذي لم أره في حياتي من قبل ومازلت أذكره.
لكن والدي اطمأن عندما شاهد الأساتذة المخرجين وهم الأستاذ سامي القوز وحمد الحسن وحمزة محمد، الذين كانوا يعاملونني مثل ابنهم ويحرصون على مرافقتي لهم في كافة الانتقالات والتأكد من أنني تناولت الطعام وأكلت جيداً، وعند انتهاء المشاركة في مدينة السويس قاموا باصطحاب الفريق التمثيلي إلى مدينة القاهرة في جولة اشتريت خلالها هدية للبيت عبارة عن شمعدان كنت قد رأيته أول مرة في مصر.
ماذا كانت الشخصية التي مثلتها في المسرحية؟
- كنت أمثل دور أرنب ضمن مجموعة من الزملاء الأرانب الخمسة في المسرحية التي ألفها الأستاذ علي الشرقاوي وأخرجها المخرج سامي القوز، وبعد أن كبرت عثرت على النص الخاص بالمسرحية، لكني لم أتمكن من معرفة أي أرنب كنت أمثل دوره في المسرحية، وتذكرت عندما أخطأت في جملة نحوياً ونبهني المخرج القوز، فبحثت عنها إلى أن وجدتها وعرفت أنني الأرنب رقم 4.
وكيف واصلت رحلة التمثيل بعد ذلك؟
- للأسف توقفت عن التمثيل بعد ذلك عندما علم أقراني من الأطفال في الفريج أنني أشارك في التمثيل، فكانوا يسخرون مني عندما أمر أمامهم ويقولون: «أكو طاف عادل إمام»، ولذلك توقفت بعد فترة عن مواصلة العمل في هذا المجال وتوجهت للعب الكرة، إلى أن وصلت إلى المرحلة الثانوية ورجعت مرة أخرى للتمثيل.
وما الأمر الذي شجعك على العودة مرة أخرى للتمثيل؟
- كنت أحب متابعة اللقاءات التلفزيونية والصحفية لنجوم التمثيل، وأكثر كلمة كانت تتردد على ألسنتهم «حفرت في الصخر» وهذا ما شجعني على مقاومة سخرية أبناء الفريج والعودة إلى التمثيل مرة أخرى، وكان الشباب يقومون بعمل بروفات مسرحية في أم الحصم، وهناك التقيت بالفنان جمعان الرويعي الذي فرح بعودتي.
هل واجهت اعتراضات من والدك بعد عودتك إلى التمثيل في المرحلة الثانوية؟
- على العكس تماما، بل كان يوصلني بسيارته إلى أم الحصم، وقبل أن يتركني هناك يسألني: «في أحد بيوصلك؟» فأجيبه بنعم رغم علمي بعدم وجود أحد، ولقد عدت إلى المحرق سيراً على الأقدام ثلاث مرات، وأكثر ما كان يخيفني هو مروري على جسر المحرق، فقد كنت أشعر أن أحداً سيأتي من خلفي ويدفعني إلى البحر.
ولماذا لم تدرس التمثيل؟
- كنت أريد ذلك وتمنيت أن أذهب إلى دولة الكويت للدراسة المسرحية لكن في هذه الفترة تم إيقاف بعثات التمثيل، فلم يكن أمامي سوى حضور ورش العمل المسرحية والتدريب والمشاركة والتعلم من المخرجين الكبار في البحرين والذين ساندوني كثيرا وتعلمت منهم أكثر.
ما هي دراستك إذن؟
- درست الإعلام في جامعة البحرين، وكان طموحي أن أكون أول ممثل بحريني يحصل على درجة الدكتوراه، لكن للأسف العمل في التمثيل استحوذ على كل وقتي، كما تميزت فترة دراستي بانفصام الشخصية الحياتية عن شخصيتي كممثل، فحين أدخل المحاضرات أجلس في هدوء آخر موقع من الخلف، ولم أشارك في أي عمل فني جامعي، ويعود الأمر في ذلك إلى أنني كنت أعمل خلال تلك الفترة في مسلسلات تلفزيونية ومسرحيات.
لكن من المواقف الطريفة أن الفنانة شيماء سبت كانت زميلة دراسة وزوجتي في مسلسل «دروب» وكان دورها في المسلسل أن تضربني دائماً، فبينما كانت تعتدي علي بالضرب مساء، نلتقي صباحاً في الجامعة بشخصية مغايرة.
ماذا عن قصة زواج خليل الرميثي؟
- تزوجت ابنة العم صلاح جناحي مدير الإنتاج، التي رأيتها حين كنت ممثلاً صغيراً في مسلسل «نيران»، وتمنيت أن أتزوجها ولما كبرت تقدمت لها، واليوم هي سندي وصاحبة فضل في تحملها ظروف عملي وانشغالي عن البيت والأبناء، حتى إنها تتولى كافة مهام البيت بدءاً بتوصيل الأبناء إلى المدرسة والمستشفى وصولاً إلى تصليح السيارة في الكراج.
ماذا عن أطفالك؟
- لي بنتان وولد، وللأسف لا أجد متسعا من الوقت لأجلس معهم، وأعتبر نفسي مقصراً معهم بسبب عملي وسفري، ولذلك أحاول أن أؤمن لهم مستقبلهم، وجميعهم متفهمون ظروفي وسفري أشهراً طويلة خارج البحرين.
يعتقد البعض أن خليل الرميثي شخصية صاخبة واجتماعية؟
- على العكس تماماً مما يعتقد الناس فأنا شخصية هادئة لا أتكلم كثيراً، وما يحدث في التمثيل لا يعكس شخصيتي الحقيقية، ولكن هدفي من التمثيل هو أن «أبيع الفرحة وأوزع الابتسامة» على أهل البحرين بلدي التي أحبها وأدين لها بكل ما وصلت إليه من نجاح، ويكفيني أن يذكرني أحد الأشخاص بكلمة طيبة، ولذلك أشعر بأنني أريد أن أقبل رأس كل إنسان يحبني.
هل كسبت من التمثيل ما يجعلك في تصنيف الأغنياء؟
- أنا على رأس العمل في إحدى الجهات الحكومية ومسؤول قسم الإعلام فيها، ومن الطبيعي أن يحسن العمل الفني من مستواي المعيشي، لكن لا يمكن أن يرفع تصنيفي إلى هذه الفئة، وأكثر شيء كسبته هو محبة الناس، وهذا شيء لا يشترى بثمن، وسأظل خليل الطفل الذي لعب في الفريج والذي مرت مسيرة حياته على مدرسة طارق بن زياد والهداية الخليفية وجامعة البحرين، وخليل الممثل.
ما هو الشيء الذي تود أن يعود بك الزمن لتفعله؟
- أتذكر معاناة والدي رحمة الله عليه حين كان يوصلني للبروفات رغم عودته من العمل متعبا، وكنت أتمنى أن يكون بيننا ليشهد نجاحي في هذا المجال وحب الناس لي ويفخر بي، وأن أرد له الجميل، لكن كل شيء أردته لوالدي فعلته مع أمي.