رائد البصري


لو خيرونا بين الشرف والعلم والمال وقرر كل منهم تقديم استقالته وأخبروا البشر سنرحل وستندمون لغيابنا!

في أحد الأيام اجتمع: المال والعلم والشرف، ودار بين الثلاثة الحوار التالي:

قال المال: إن سحري على الناس عظيم، وبريقي يجذب الكبير والصغير، بي تفرج الأزمات، وفي غيابي تحل التعاسة والنكبات!

قال العلم: إنني أتعامل مع العقول، وأعالج الأمور بالحكمة والمنطق والقوانين المدروسة! إنني في صراع مستمر من أجل الإنسان، ضد أعداء الإنسانية: الجهل والفقر والمرض!

وقال الشرف: أما أنا فثمني غالٍ ولا أباع ولا أشترى! من حرص علي شرّفته، ومن فرط بي حطمته وأذللته!

وعندما أراد الثلاثة الانصراف، تساءلوا: كيف نتلاقى؟ وأين؟

قال المال: إن أردتم زيارتي فابحثوا عني في ذلك القصر العظيم!

وقال العلم: أما أنا فابحثوا عني في تلك الجامعة، ومجالس الحكماء!

وبقي الشرف صامتاً! فسأله زملاؤه: لم لا تتكلم؟ وأين نجدك؟

فقال: أما أنا فإني إن ذهبت فلن أعود!

وهكذا إن بعض الناس أصبح لا يهمهم الشرف، ولكن بعضهم يتمسكون به ويحافظون عليه، لأنهم يدركون أنه إذا ضاع فلن يعود.

قصة معبرة لا تنتظر شكراً من أحد

كان هناك رجل جالس على الشاطئ يرقب الموج الهادر، ويستمتع بأشعة الشمس الحارقة، وإذا به يلمح طفلاً يصارع الموج في يأس، وبسرعة ألقى بنفسه في أحضان اليم قاصدًا ذلك الطفل المسكين، أخذ في الاقتراب منه، ولسانه يلهج بالدعاء ألا تسبقه موجة عاتية تحصد هذا الجسد الهزيل.

وعندما وصل إلى الطفل، جاءه من الخلف، وأمسك بتلابيبه، وجره معه إلى الشاطئ، وارتمى على الرمال في تعب، وصدره يعلو ويهبط في سرعة، وقد أحس بوخز في صدره جراء هذا السباق المفاجئ.

جرى الطفل بعيداً غير مصدق نجاته، وبقي الرجل ساكناً على الرمال، يحاول جمع شتات نفسه.

وما هي إلا لحظات إلا ولمح الرجل بطرف عينيه الطفل الذي أنقذه قادمًا، ومعه سيدة، لاشكَّ أنها أمه قد أتت لتشكره، وبالفعل توقفت السيدة، وسألته: أأنت الذي أنقذت طفلي من الغرق؟

فقال لها في تواضع: نعم سيدتي.

فقالت له: إذن أين الساعة التي كانت في معصمه؟!

لا داعي لوصف حالة الذهول والإحباط التي انتابت الرجل، ولا داعي كذلك بالتنبؤ بأنه لن يسدي معروفاً لأحد بعد اليوم.

لا تنتظر الشكر على خير فعلته؛ فتصاب بخيبة أمل وإحباط.

الأفضل أن تطلب بعملك وجه الله، فإذا شكرك الناس؛ فقد رفعوا عن أنفسهم إثم كتمانه، وإذا جحدوك، ولم يروا جميل صنعك؛ فعند الله ما هو خير وأبقى، ولقد عرف لك الله حسن فعالك، فما يضيرك إن جحدك الناس.