أتذكر عندما قرأت لأول مرة في حياتي كلمة «قدوة» حين كنت في الابتدائية، أعتقد أنني قرأتها في مجلة ماجد. كانت هناك صفحة للتعارف توضع فيها صور القّراء وأسماؤهم، هواياتهم، عناوينهم وأي معلومات أخرى يحبون مشاركتها مع الآخرين. كان الأغلبية يكتبون أن قدوتهم هو الرسول عليه الصلاة والسلام. لم تكن هذه الكلمة مألوفة بالنسبة لي ولم أفهم تماماً ما الذي يعنيه أن يكون لك قدوة. بعد أن استفسرت عن المعنى من والدتي رحمها الله وأدركته بوعيي البسيط، أصبحت مثلهم أكرر هذه العبارة بصورة معلبة وفارغة بدون أي إحساس، وكأنها جملة على كل مسلم تكرارها لضمان الجنة! كنت أبعد ما يكون عن فهم الأبعاد العميقة الكامنة وراءها، بسبب قصور وعيي وحداثة سني وقتذاك.في ذلك الزمن الجميل والبسيط، كنا نتمّسك بأن يكون رسولنا الكريم قدوتنا ولو باللسان على أقل تقدير، وندرك بوعينا المحدود أن هذا الشخص العظيم يجب أن يتبع وأن يقتدي بنهجه في كافة تفاصيل حياتنا. أما اليوم، ونحن وسط عالم فوضوي مليء بمن يبحث له عن أتباع في قنوات التواصل الاجتماعي، صرنا ننجرف وراء أي شخص يترك أثراً ما في دواخلنا وكأنهم هم القشة المنقذة، فنقلدهم بلا إدراك أو وعي، ونحرص على ملاحقة ما يأتون به مجدداً حتى لو كان المحتوى ضحلاً وتافهاً. صارت لنا قدوات بلا عّد. فهناك قدوة في اختيار الطعام الذي نأكله، والكتب التي نقرأها والعطور التي نستخدمها، والملابس التي نلبسها، حتى الجانب الذي نختاره عند نومنا! صرنا مسيّرين، نمشي وراء أي شخص يحرك حماسنا، دون أن نقيّم جدوى ما يقدمه وصحة ما يعرضه. وهنا يكمن الخطر. خطر أن تكون اختياراتك خاطئة، فتؤثر في حياتك، وتتركك وحيداً على قارعة الطريق دون مرشد حقيقي وصالح يقودك لبر الأمان.ما أحاول قوله في هذا المقال أنه من الجيد أن يكون لك قدوة، تتعلم منها خطوات النجاح حتى تختصر على نفسك الطريق، لأن هناك العديد من المهرجين الذي يبدو لأول وهلة أنهم أكفاء، وسيحاولون سرقة انتباهك. لذا عليك أن تكون واعياً في اختيار من ستقلده. التقليد أمر حميد في بعض الأحيان ولكنه لا يعني الاتباع الأعمى. خذ ما يناسبك ومحصّه جيداً وأضف بعضاً من نكهتك، حتى تبقى أنت أنت، ولست شخصاً مقلداً بلا هوية أو رأي.