حسن الستري - تصوير نايف صالح


كنا محسودين على إجازة الجمعة والأحد أيام المدرسة

والدتي كان لها دور في دخولنا «الإرسالية الأمريكية»

أختي أول من لبست الحجاب في المدرسة الخاصة

طارق المؤيد زار غرفتي في لندن وسألني عن إذاعة البحرين

«المنصب وسيلة وليس غاية، وسيلة لتقديم الخدمة، ووسيلة لتحقيق تطلعات الحكومة وبرامجها على أرض الواقع».

بهذه الكلمات لخص المدير العام السابق لبلدية المنطقة الشمالية يوسف الغتم

نصيحته للمسؤولين، وذلك بعد أن تولى أيضاً بلدية المنامة وبلدية المنطقة الوسطى سابقاً.

الغتم بدأ حديثه العفوي باعتزازه بالبيئة المحرقية التي فيها ولد وترعرع،

كما اعتز أيضاً بتربية والديه المتحضرة مقارنة بتربية ذلك الجيل،

إذ أدخلاه المدرسة الخاصة الوحيدة بالبحرين يومها، وذكر أن أقرانه

بالمدارس الحكومية كانوا يحسدونه على إجازتي الجمعة والأحد. وفيما يلي نص الحوار:

حدثنا عن نشأتك؟

- ولدت ونشأت في مدينة المحرق في فريج بن خاطر وبراحة بن غتم مسكن الآباء والأجداد وعشت طفولتي فيها، والجميع يعرف طبيعة المحرق والحراك الاجتماعي والاقتصادي الذي فيها.

بدايةً درست في المدرسة الإرسالية الأمريكية في المنامة وحالياً اسمها مدرسة الرجاء وأنهيت فيها المرحلة الابتدائية والإعدادية، وكانت يومها المدرسة الخاصة الوحيدة، والدراسة فيها مختلطة.

تعلمنا على طريقة التدريس المتطورة آنذاك، والمدرسة بطبيعتها كانت تضم مختلف الأجناس، فعشنا العلاقة البريئة ومرحلة التعايش خاصة مع الطلبة من أتباع الديانات الأخرى.

فعلى سبيل المثال، كانت هناك مادة التربية الإسلامية للمسلمين، ومادة أخرى للمسيحيين، تعلمنا منذ طفولتنا التعايش ما بين الأديان، الذي عرفت به مملكة البحرين. وهذا كان له تأثير إيجابي في حياتنا خصوصاً في التعامل مع الآخرين.

كانت لدينا إجازتان في الأسبوع، يوم الجمعة، ويوم الأحد، وأقراننا بالمدارس الحكومية لم يكن لديهم إلا يوم الجمعة إجازة، فكنا محسودين على هذا اليوم.

حدثنا عن والدك ووالدتك، كيف كانت تربيتهما لك؟

- كانت تربيتهما متحضرة مقارنة بتربية ذلك الوقت، كان الوالد يعمل موظفاً بوزارة الداخلية، والوالدة كانت ربة بيت، كان يأخذنا معه بالسيارة للمنامة وأسواقها، ويذهب بنا لزيارة الأهل، فالوالد كان اجتماعياً ويحب اللقاءات والزيارات مع الأصدقاء والأهل، وهذه كانت طبيعة المحرق ذلك الوقت، كما كان يأخذنا معه في كل يوم جمعة للسلام على صاحب العظمة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البحرين آنذاك، رحمه الله، ولمسنا تواضعه وإنسانيته، الأمر الذي زرع فينا الولاء للقيادة منذ الصغر.

أما الوالدة، فكانت مثقفة، ولديها مكتبة زاخرة بالكتب الدينية والتاريخية والشعرية والعلمية والتي ساعدتني كثيراً في حياتي العلمية والعملية، وقد صدر لها كتاب كنوز الأعشاب وأسرارها في الطب النبوي الإسلامي، وكانت مهتمة في التعليم. وكان لها الدور في دخولنا مدرسة الإرسالية الأمريكية للحصول على أفضل تعليم، تربية الوالدة كانت ما بين الشدة والعطف، كانت تلزمنا بالدراسة، ومنها تعلمنا حب الرياضيات، وعلمتنا الالتزام بالعبادات، أختي كانت أول من لبست الحجاب بالمدرسة الإرسالية الأمريكية في المرحلة الإعدادية.

عشنا حياة الفرجان ولعبت لفترة في نادي المحرق، ودربني محمد بن سالمين يومها، وأصبح حب نادي المحرق في قلوبنا، ولم يتغير رغم انتقالنا إلى السكن في الرفاع.

كانت أيام جميلة في تلك الفترة، لم يكن بها «إنترنت أو موبايل»، كانت حياتنا خارجية وليست كلها داخل المنزل،، يعني كان المنزل قليلاً، عشنا زمن الطيبين.

ماذا بعد المرحلة الإعدادية؟

- انتقلت إلى مدرسة الهداية الخليفية، وكانت أول تجربة في المدارس الحكومية. وكانت بعد فترة جميلة آنذاك، بعد المدرسة إلى نادي المحرق لممارسة الكرة، ورأينا اللاعبين المشهورين.

حين ذهبت لمدرسة الهداية، ما هو الفرق الذي شعرت به بينك وبين أقرانك؟

- كانوا يستغربون ويستنكرون علينا أننا كنا بمدارس مختلطة، ولكننا كنا متفوقين بالثانوية وتحديداً في مادة اللغة الإنجليزية.

من كان أبرز زملائك في فترة الدراسة؟

- أتذكر في مدرسة الإرسالية الأمريكية كان معنا رائد ومؤنس أبناء محمود المردي، وأبناء يوسف أرحمة الدوسري، والشيخ فواز بن محمد آل خليفةـ سفيرنا حالياً في المملكة المتحدة، وغيرهم.

وإلى أين ذهبت بعد المرحلة الثانوية؟

- كانت العسكرية طموحاً لنا في تلك الفترة، التحقت بقوة دفاع البحرين، وكانت رغبة الوالدة التي كانت تود أن أدرس تخصص الهندسة، فدخلت كمرشح ضابط تعلمنا خلالها الانضباط العسكري وحب الدفاع عن الوطن، وعن الدين، وعن الملك وعن القيادة، بعدها غيرت رغبتي لدراسة الهندسة المدنية والتحقت في جامعة البحرين، وبعدها ذهبت للدراسة في بريطانيا على حسابي الخاص لإكمال البكالوريوس.

هناك عشنا فترة جميلة، ويومها زارنا في الجامعة وزير الإعلام السابق طارق المؤيد، وكان يسأل عن الجامعات لأنه يريد أن يلحق ابنته بالجامعة، وطلب مني رؤية سكني في الجامعة، ورأى الراديو في غرفتي وسألني عنه، وقلت له إنني أسمع لقنوات الخليج فيه، إذ يومها لم تكن هناك فضائيات، وسألني أن كانت تصلني إذاعة البحرين، وتبين أنها ليست موجودة، وسجلها ملاحظة عنده، ليتم تقوية البث وتصل الإذاعة إلى عموم بريطانيا.

وماذا فعلت بعد التخرج؟

- انضممت إلى جهاز الخدمة المدنية، عام 1990 الذي كان يسمى يومها ديوان الموظفين، وكان الشيخ عيسى بن علي آل خليفة رئيساً له، انضممت إليه كمهندس سلامة مهنية، كانت فترة تأسيس تعلمنا الكثير من سياسات إدارة التنظيم الوظيفي، هندسة الإجراءات الإدارية، إعداد الهياكل التنظيمية، كنت أزور مباني المؤسسات الحكومية للاطلاع عليها والتأكد من أمور السلامة المهنية فيها، الخاصة بموظفي الدولة وكنا نقدم لهم دورات، ونرفع التقارير إلى الشيخ عيسى دائماً أسبوعياً، وشهرياً.

الديوان كان بالنسبة لي، معمل إنتاج وتطوير للكفاءات الإدارية وبعدها أحسست أني وصلت إلى مرحلة التشبع في هذا المجال، وخاطبت رئيس الديوان بذلك، فقال لي أين ترغب يا ابني أن تذهب، فقلت له وزارة البلديات فوافق رحمه الله، وقال هدفنا تدريب وتعليم الموظفين ليكونوا كفاءات في مؤسسات الدولة، وانضممت لها إبان وزارة الإسكان وشؤون البلديات في عهد معالي الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة آنذاك، وإذا كان الشيخ عبدالله بن محمد آل خليفة رئيس الهيئة البلدية المركزية سابقاً هو الأب الروحي للعمل البلدي فإن معالي الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة هو مهندس العمل البلدي الحديث، إذ نقل العمل البلدي من الدور التقليدي إلى العمل المؤسسي القائم على أفضل الممارسات الإدارية الحديثة في العمل البلدي.

عملت في أغلب البلديات كمهندس منطقة. في عام 1996 عينت رئيساً لقسم الشؤون الفنية لإدارة المنطقة الجنوبية، وأذكر في زيارة لمعالي الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة عندما كان وزيراً للبلديات رأى مكتباً قمت بإنشائه ليكون مركزاً للمعلومات البلدية وقاعدة معلومات وعينت أحد مفتشي البناء جميل الشيخ وكان لديه خبرة في المجال الإلكتروني وطلب مني معالي الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة دراسة تكاليف التراخيص التي تصدرها البلديات، وبالفعل عملنا الدراسة واحتساب جميع التكاليف الإدارية والبشرية والخدمات اللوجستية والتي نتيجتها كانت أن المواطن لا يدفع إلا بمقدار لا يزيد عن 10% من قيمة الكلفة الحقيقية للترخيص وهي خدمات تقدم للمواطن.

وفي فترة الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة، تطور العمل بشكل أكبر، فقد كان يطلب تقارير دورية ليس من المدراء فقط، وإنما حتى من رؤساء الأقسام، فقد كان يعطيهم الثقة والحافز والمنافسة لتقديم ما هو أفضل لديه في هذه العمل، إلى أن جاء المشروع الإصلاحي، والذي نظم عمل المجالس البلدية والبلديات.

وحينها تولى جواد سالم العريض وزارة البلديات، وأنا أسميه «جنرال» العمل البلدي، فالمرحلة يومها كانت مرحلة انتقالية، وتحتاج شخصاً قانونياً وسريعاً في اتخاذ القرارات، وبالفعل صدر قانون البلديات والمجالس البلدية في عهده، وفي هذا العهد أيضاً عينت مديراً لإدارة الخدمات الفنية المنطقة الشمالية في عام 2002.

وبعدها تم تعيين د. محمد علي الستري وزيراً للبلديات، وكانت فترة فيها صعوبة نوعاً ما، لأن الواقع على المجالس البلدية كان جديداً يومها، ولم يكونوا متفهمين للاختصاصات، نظراً لحداثة التجربة وعينت في عهده مديراً لإدارة الخدمات الفنية في بلدية المنطقة الجنوبية ثم استقر الحال في عهد الوزير علي صالح الصالح.

كانت فترة ذهبية في العمل البلدي، عينت خلالها مدير عام بلدية المنطقة الوسطى في عام 2005، وفي عهد الوزير د. جمعة الكعبي كانت فترة الإنجازات في المشاريع البلدية وكنا نفتح مشاريع الحدائق والمماشي بمعدل شهري، إلى درجة أن الوزير لا يجد وقتاً لحضور الافتتاح، وتتم إنابة رئيس أو أعضاء المجلس البلدي لافتتاح المشاريع وخلالها فازت بلدية المنطقة الوسطى بأول جائزة لرئيس الوزراء للعمل البلدي كأفضل بلدية وذلك في عام 2007.

وبعدها انتقلت إلى بلدية المنامة، وأيضاً فازت بلدية المنامة بجائزة بعد أن طورت إلى جائزتين، إذ فازت منطقة أم الحصم، كأفضل منطقة ملتزمة بالقوانين والاشتراطات البلدية، وأتذكر وقتها حين استلمت الدرع من المغفور له بإذن الله صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، قال لي: لقد فزتم للمرة الثانية، فقلت له المرة الأولى في بلدية المنطقة الوسطى، والآن بلدية المنامة بجائزة أخرى، فقال ممازحاً: نسوي لكم جائزة ثالثة ـ لقد كان سموه الداعم الأول للعمل البلدي.

بعدها في عام 2012 عينت مديراً عاماً لبلدية المنطقة الشمالية، وخلال هذه الفترة، كنا على أعتاب إعداد مناقصة جديدة للنظافة وبصفتي رئيساً للجنة المعنية بالنظافة فقد وافق الوزير د. جمعة الكعبي على تعيين شركة استشارية معنية في مجال إدارة خدمات النظافة تعمل مع اللجنة لتجنب السلبيات السابقة في عقود النظافة ومراجعة الإجراءات المعمول بها سابقاً من خلال الجلوس مع أقسام النظافة في البلديات ومعرفة المشاكل التي يواجهونها وكيفية تلافيها وتقديم أفضل الممارسات العالمية لإدارة المخلفات من قبل الشركة الاستشارية والتي على ضوئها تم طرح المناقصة وإبرام العقود مع الشركة الإسبانية وشركة الخليج الوطنية، وبالفعل تحقق الهدف المنشود بتقديم خدمة أفضل وبسعر أقل من المبلغ المقدر للمناقصة وتم توفير مبلغ 30 مليون دينار على الدولة، لأننا أزلنا الغموض الموجود في المناقصات السابقة. وخلال إدارتي لبلدية الشمالية، تم إنشاء الحديقة البيئية الأولى في البحرين، والتي تعمل على الرياح والطاقة الشمسية، وافتتحتها الشيخ مرام بنت عيسى آل خليفة رئيسة المبادرة الوطنية للقطاع الزراعي، إلى أن تقاعدت عام 2018.

أصبحت مديراً لثلاث بلديات كبرى، ما هي النصيحة التي تقدمها للمسؤولين اللاحقين؟

- المنصب وسيلة وليس غاية، وسيلة لتقديم الخدمة، ووسيلة لتحقيق تطلعات الحكومة وبرامجها على أرض الواقع.

هناك مقولة في الإدارة تقول، إذا كان الرجل أعلى من المنصب، تجده عادلاً ومتواضعاً، ومنتجاً، وعندما يكون المنصب أكبر من الرجل، تجده ظالماً مغروراً، وغير منتج كما يجب على المسؤول أن يضع نفسه مكان المراجع، فالمُراجع لا يلجأ إلى المسؤول إلا إذا كانت لديه مشكلة، لذلك يجب عليهم تسهيل الأمور، وعليهم أن يعرفوا أن المسؤول لا يعمل بنفسه، بل بالفريق الذي معه، وهذه هي السياسة التي ينتهجها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه، سياسة فريق البحرين التي تعزز الإنتاج والتطوير وتنقلنا من المرحلة التقليدية إلى مرحلة التفكير خارج الصندوق وتحقيق التنمية الشاملة للوطن.

حدثنا عن حياتك بعد التقاعد؟

- أُعطي وقتي للعائلة ولأبنائي، حمد يعمل مهندساً بالبلدية، وعبدالله درس محاسبة في بريطانيا ويعمل في المحافظة الجنوبية، وخليفة مهندس يعمل في قوة دفاع البحرين وبنتي ريم خريجة هندسة للتو، وإبراهيم وناصر مازالا في المدرسة.

بات لدينا من الوقت المتسع للجلوس والسفر معهم ورؤيتهم يحققون إنجازاتهم، وهنا نصيحة أوجهها لجميع المواطنين، اعمل وتعلم وطور من نفسك فنتائج أعمالك سوف توصلك إلى مبتغاك، لا تنتظر النتيجة وأنت جالس.