أيمن شكل

أكد علماء دين أن حمد الله على نعمه أعظم الذكر، حيث جعل الله حمده أول آية في كتابه الكريم، وقالوا إن شكر الله تعالى حافظ للنعم وجالب للخير، وإن أول مراتب الشكر أن يعرف أنها من الله، كما أن الثناء على الآخرين ينطلق من الثناء على الله تعالى.

وأكد الشيخ عبدالله الطهمازي أن الحمد لله يعتبر أعظم الذكر فجعل الله حمده أول آية في كتاب رحمته لقوله تعالى "الحمد لله رب العالمين"، وجعل حمده آخر دعاء لأهل جنته "وقل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى" وقال هذا الذكر عباد الله الصالحون لما دخلوا الجنه (وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده) وضمَن كتابه العظيم الكثير من محامده جل وعلا لذاته العلية، وأشار إلى ما ورد بشأن الحمد في آيات عديدة.

كذلك لفت الشيخ الطهمازي لتسبيح الكون كله بالحمد، حيث ذكر أهل العلم في تفسيرهم لقوله تعال (وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين" أن الكون كله حمد الله تعالى، وأكد على وجوب حمد الله سبحانه وتعالى لما روى عن الأسود بن سريع، قال: قلت: يا رسول الله، ألا أنشدك محامد حمدت بها ربي تبارك وتعالى؟ قال: "إن ربك يحب المحامد"، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما من شيء أحب إلى الله من الحمد.

وحول الشكر فقد أوضح الشيخ الطهمازي أنه ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناء واعترافاً على قلبه شهوداً ومحبة وعلى جوارحه انقياداً وطاعة، فقال تعالى "اعملوا آل داود شكراً"، وهو إشارة إلى أن الشكر عمل أيضاً وليس مقصوراً على التلفظ بالقول، فالعبد إذا لم يعمل بما أعطاه الله من النعم فهو ليس بشاكر، فمن أعطاه الله مالاً ولم يؤدِ حقه فهو لم يشكر الله، ومن أعطاه الله علماً ولم يعلّم غيره فهو لم يشكر الله.

وأكد الطهمازي أن الشكر من أعظم صفات المؤمنين، إذ روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "عجباً لأمر المؤمن أن أمره كله خير وليس ذاك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له". وقال إن الشكر كذلك أمان من العذاب وسبب لزيادة الرزق، ولهذا كانوا يسمون الشكر بالحافظ لأنه يحفظ النعم الموجودة، والجالب لأنه يجلب النعم المفقودة، وقد روي عن سيدنا علي كرم الله وجهه أنه قال لرجل "إن النعمة موصلة بالشكر والشكر يتعلق بالمزيد وهما مقرونان في قرن فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد".

وقال إن أول مراتب شكر نعمة الله على العبد، أن يعرف أنها من الله وأن يقنع ويرضى بما قسمه الله له وأن يتفكر العبد في أنعم الله عليه "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" وعلى المؤمن أن يشكر من أسدى له معروفاً، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا يشكر الله من لا يشكر الناس".

من جانب آخر، أكد الشيخ محمد العرادي أن أول واجبات العباد استحضار نعم الله تعالى اللامتناهية والتي تحيطنا وتغمر وجودنا، وتهدينا إلى معرفة الله من جهة، وتدفعنا على طريق العبودية، مبيناً أن النعم تشكل دافعاً ومحركاً على طريق العبودية، لأن الإنسان مفطور على البحث عن صاحب النعمة حينما تصله النعمة، ومفطور على أن يشكر المنعم على أنعمه.

وأوضح الشيخ العرادي الفرق بين "الحمد" و"المدح" و"الشكر" والنتائج المترتبة على ذلك، حيث يعتبر الحمد في اللغة هو الثناء على عمل أو صفة طيبة مكتسبة عن اختيار، أي حينما يؤدي شخص عملاً طيباً عن وعي، أو يكتسب عن اختيار صفة تؤهله لأعمال الخير فإننا نحمده ونثني عليه.

والمدح هو الثناء بشكل عام، سواء كان لأمر اختياري أو غير اختياري، كمدح جوهرة ثمينة جميلة، ومفهوم المدح عام، بينما مفهوم الحمد خاص، أما مفهوم "الشكر" فأخص من الاثنين، ويقتصر على ما نبديه تجاه نعمة تغدق علينا من منعم عن اختيار، وقال: لو علمنا أن الألف واللام في (الحمد) هي لاستغراق الجنس، لعلمنا أن كل حمد وثناء يختص بالله سبحانه دون سواه، وأن ثناءنا على الآخرين ينطلق من ثنائنا عليه تعالى، لأن مواهب الواهبين كالأنبياء في هدايتهم للبشر، والمعلمين في تعليمهم، والكرماء في بذلهم وعطائهم، والأطباء في علاجهم للمرضى وتطبيبهم للمصابين، إنما هي في الأصل من ذاته المقدسة، وبعبارة أخرى فإن حمد هؤلاء هو حمد لله، والثناء عليهم ثناء على الله تعالى.

ولفت العرادي إلى أن الحمد ليس بداية كل عمل فحسب، بل هو نهاية كل عمل أيضاً كما يعلمنا القرآن في قوله سبحانه عن أهل الجنة "دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين".

ورأى الشيخ العرادي أن الشكر أوسع إطاراً، لأنه يؤدى بالقول أحياناً وبالعمل أخرى، بينما الحمد بالقول غالباً، وصنف الشكر بثلاثة تصنيفات وهي: شكر القلب، وهو تصور النعمة. وشكر اللسان، وهو الثناء على المنعم، وشكر سائر الجوارح، وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقها، مشيراً إلى التعبير القرآني في الآية "اعملوا آل داود شكراً" والتي تبين أن الشكر أكثر من مقولة، وأنه "عمل"، ويجب أن يظهر من بين أعمال الإنسان، وعليه فقد يكون القرآن الكريم قد عد الشاكرين الحقيقيين قلة لهذا السبب، لقوله تعالى في سورة الملك "قليلاً ما تشكرون"، وسورة النمل "ولكن أكثرهم لا يشكرون".

وأشار العرادي إلى أن أداء حق الشكر لله سبحانه وتعالى أمر متراكب، ففي الوقت الذي يقف فيه الإنسان في مقام الشكر ويوفق لذلك، بأن تتوفر لديه أسباب أداء الشكر، فإن ذلك بحد ذاته نعمة جديدة تحتاج إلى شكر آخر، وبذلك يستمر هذا الأمر بشكل متتابع، وكلما بذل الإنسان جهداً أكثر في طريق الشكر سيكون مشمولاً بنعمة متزايدة لا يمكنه معها أداء شكرها.

وفي السياق ذاته، أشار الشيخ محمد عبدالوهاب إلى غفلة الإنسان عن شكر الله رغم نعم الله التي لا تعد ولا تحصى. وقال إنه مع كثرة النعم تشتد الغفلة عنها ومع عظمها يقل الشكر والحمد، مصداقاً لقوله تعالى "وقليل من عبادي الشكور".

وعدد الشيخ عبدالوهاب النعم واجبة الشكر والحمد وقال: "إن الصلاة والصيام وإيتاء الزكاة شكر لله، حتى آيات في تقلب الليل والنهار وأحوال الناس فيها تنبيه لضرورة شكر الله، فالمرض نعمة من الله كي يتذكر الإنسان وقت أن كان في صحة وعافية، وأعظم النعم هي نعمة الإيمان، ولفت إلى الآية الكريمة (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون)".

وأكد الشيخ عبدالوهاب أن الحمد مفتاح العطاء فمن يفتتح دعاءه بالحمد فليستبشر بالخير، ودعا الآباء إلى الجلوس مع الأبناء وتذكيرهم بنعم الله عليهم، وقال: "وما نعم الله علينا في بلادنا من الأمن والأمان ورغد العيش وخيرات الدنيا كلها إلا ما يستوجب الشكر لقوله تعالى "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار"".