حسن الستري - تصوير: ثامر طيفور
استفدت من البحر الصبر الكثير
نظرات الوالد كانت كافية لتأديبنا وعلمتنا الانضباط
لابد من الاجتهاد والمداومة حتى يبلغ الإنسان منتهاه
حصدت أعلى درجة في الحساب وأهداني المدرس كرة قدم
«مَن جد وجد، والدنيا ليست مفروشة بالورود، ولابد من الاجتهاد والمداومة على العمل حتى يبلغ الإنسان مبتغاه»، بهذه الكلمات لخص مدير عام بلدية المحرق السابق صالح الفضالة مسيرته لـ«الوطن»، مشيراً إلى أنه نشأ كحال الكثير من أبناء الحد، حيث كان يقضي أغلب أوقاته في البحر وشاركهم العمل حتى التخرج.
الفضالة، في حديثه اعتز بتربية والده له، مؤكداً أن تأديبه له كان بالنظرة لتنبيهه على الخطأ، مؤكداً أنه بدأ حياته المهنية موظفاً ببلدية المحرق، ثم انتقل للعمل في قطاع البنوك، إلا أنه تركه بعد فترة بدافع شرعي واتجه للعمل بالمؤسسة العامة لجسر الملك فهد، وكانت الفترة الأطول في حياته المهنية، ثم عين مديراً بالهيئة العامة للثروة البحرية والحياة الفطرية، ومديراً عاماً لبلدية المنطقة الجنوبية، وأخيراً مديراً عاماً لبلدية المحرق. وفيما يلي نص الحوار:
حدثنا عن بدايتك؟
- نشأت كحال كثيرين من أبناء الحد، كنا في البحر بحكم أننا شبه جزيرة، والدي وجدي عملا في البحر، شاركتهما في العمل حتى التخرج.
ونشأت في فريج البنعلي، في مكان يسمى «الحويلة» بمدينة الحد، والكثيرون الآن لا يعرفون هذا المكان، حيث إنه جزء مفصول عن فريج البنعلي، وسكنت فيه عائلة الفضالة والبنعلي منذ سنة 1800.
كيف كانت الحياة بالحد في تلك الفترة؟
- كان لدينا حضور سمك وبوانيش، وهذا النشاط تعلمنا منه الصبر الكثير.
وكيف كانت تربية الوالد لكم؟
- الوالد رحمه الله علمنا التعليم الصحيح، وتأديبه كان بالنظرات، فقط فهي كافية للتنبيه.
وماذا عن الوالدة؟
- الوالدة ولدت في المحرق وانتقلت إلى الحد هي موجودة والحمد لله وهي التي «دلعتنا» بحكم القرب منها.
هل مارست دوراً تربوياً على أخوتك بحكم كونك الأكبر منهم؟
- بحكم وجود الوالد والجد والعمام، تربينا في البيت العود، لذلك لم يكن لي دور تربوي، إلا مرافقة أخي الأوسط جاسم، الذي أصبح خبيراً في البحر أما أخي الأصغر أحمد، فكان يرافقني في كثير من المواقف، وتعلم من حياة البحر الكثير.
كيف كانت حياة الفريج؟
- مارسنا ألعاباً مرتبطة بالبحر، شد «جذوع النخل» للتنقل به، وصيد السمك، والألعاب الشعبية في عيون الماء، وأهمها عين هيا البنعلي.
لعبنا الألعاب التقليدية «الصعقير» وغيرها، لعبنا كرة القدم بعدة طرق، كرة صغيرة وبالكرة العادية، كما أنه في ذلك الزمان الجميل اعتاد الأطفال لعبة «توب توب يا بحر»، حيث يشعلون النار لإعداد وجبة «الحويت» عند ساحل البحر، ولكن نفاجأ في اليوم التالي بالعقوبة تنتظرنا في الطابور الصباحي للمدرسة.
وماذا عن دراستك؟
- درست في مدرسة الحد الابتدائية التي كانت ملاصقة لبيتنا، وهي من أوائل المدارس في البحرين، تأسست في 1926 ودرست في مدرسة الحد الإعدادية، وكل سنوات ولها معارف وأصدقاء.
من كان أصدقاؤك بالمدرسة؟
- بالابتدائي كان أبناء الفريج، يوسف أحمد البنعلي وعادل الشروقي وإبراهيم الماجد وعبدالله الشايجي وخالد البنعلي وأحمد العمادي، وبالإعدادي حسن ميحد، سمير خادم، عبدالله الريس. كانت الرحلات المدرسية إبان تلك الفترة في معظمها إلى منطقة الصخير كنا نستمتع بالأجواء البرية، وفي كثير من الأحيان يكون هدف الرحلة الصعود إلى أعلى قمة جبل الدخان، فيتسابق الطلبة لتحقيق أفضل نتيجة والوصول أولاً.
حصدت في أحد المرات، أعلى درجة في مادة الحساب بالصف الثاني الابتدائي وأهداني المدرس كرة قدم، فرحت بها كثيراً، وما إن خرجت في نهاية الدوام الدراسي إلا وأنظار جميع الطلبة متركزة على الكرة دون سواها.
كنت أمارس هواية صيد الطيور بالجهة الواقعة شمال الحد، وكان يعترضني بصفة دائمة أحد الإخوة ليأخذ مني طعم الطيور وهي «العتل» دودة من الأرض، وكأنه يقول لي في كل مرة لابد من دفع ضريبة المرور بالفريج.
كما بالإجازة الصيفية كنا نذهب للبحر مع الوالد رحمه الله أثناء مرحلة الدراسة لمواقع بحرية مثل فشت الديبل والمعترض وفشت الجارم أما سائر الأيام فكنا نذهب للحظرة ، حظور السمك.
ألم تتاثر دراستك؟
- لم تتاثر دراستنا، والوالد كان حريصاً على متابعة أمورنا الدراسية.
ماذا عن دراستك الثانوية؟
- التحقت بمدرسة الهداية الخليفية بالقسم التجاري، وبالتوجيهي نقلونا إلى مدرسة المنامة، وتعرفنا على مجموعة من طلبة المنامة.
لماذا اخترت المسار التجاري، الذي لم يكن مرغوباً وقتها؟
- رأيت زملائي يقولون إن المسار التجاري الأفضل.
وبعد التخرج من الثانوية؟
- درست في كلية الخليج الصناعية المحاسبة والعلوم المكتبية، وانتسبت لجامعة بيروت العربية، وأكملت في الإسكندرية، وكنت أعمل أيضاً.
عملت أول وظيفة في بلدية الحد في شهر أغسطس 1978 لمدة 8 أشهر، ومن الطرائف أن مراقب البلدية عبداللطيف بوعلي رحمه الله، حين عزمت على الانتقال لمجال البنوك، قال لي: لماذا تخرج؟، ابقَ، فأنت ستصبح رئيس البلدية ودارت الأيام وأصبحت مدير عام بلدية المحرق.
برأيك ما السبب الذي جعله يقول لك هذا الكلام؟
- لا أعرف، أعتقد أنه كان يريدني أن أبقى.
ولماذا تركت البلدية؟
- تلقيت عرضاً من البنك الفرنسي «سوسيتي جنرال» بضعف الراتب، كان راتبي بالبلدية 125 ديناراً، والبنك الفرنسي أعطاني 330 ديناراً. بقيت به 3 سنوات.
كيف وجدت عمل البنك؟
- تدرجت في البنك، وبقيت به 3 سنوات، وبعدها انتقل مديري إلى بنك آخر اسمه «أفورسيس تراست بنك» وطلب نقلي معه، وبقيت عدة سنوات أخرى، وبعد افتتاح جسر الملك فهد، حصلت على فرصة في المؤسسة العامة لجسر الملك فهد، وتعينت في نوفمبر 1987.
ما السبب الذي جعلك تترك البنك وتتجه للعمل بالجسر؟
- كان السبب شرعياً بالدرجة الأولى، وذلك لكي أبتعد عن المعاملات الربوية في البنك، إضافة إلى أن الراتب كان أعلى، وكان هناك إجازة يومين، لأن النظام بالمؤسسة العامة كان نظاماً سعودياً، ويومها البحرين لم تطبق إجازة يومين.
كما أنني اختلفت مع مسؤولي الأوروبي، وحصلت على عرضين في شركة باس وصندوق التقاعد، فاخترت المؤسسة العامة لأن الراتب أعلى وإجازة يومين، وذلك على الرغم من أن المسافة أطول.
وكيف كان عملك بالجسر؟
- كانت وظيفتي سكرتارية مكتب مدير عام التشغيل والصيانة، حتى انهيت دراستي الجامعية وحصلت بعدها على ترقية، وعينت مديراً في مكتب الجانب البحريني.
كان العمل جيداً، وأكسبني خبرة واسعة مع الإدارات البحرينية. وكان دورنا تقديم خدمات التشغيل والصيانة للجهات الحكومية في الجانب البحريني.
بقيت بالمؤسسة إلى أن صدر مرسوم تعييني مدير عام الموارد والخدمات في الهيئة العامة للثروة البحرية والحياة الفطرية في 21 يونيو 2008.
وكيف انتقلت للهيئة العامة للثروة البحرية والحياة الفطرية؟
- طرحت على المسؤولين البحرينيين فكرة التقاعد للاستفادة من آفاق جديدة وطلبوا مني التريث، حتى صدر تعييني للهيئة العامة للثروة البحرية والحياة الفطرية.
ثم صدر مرسوم ملكي بتعييني مدير عام بلدية المنطقة الجنوبية والقائم بأعمال مدير عام بلدية المحرق، وبقيت إلى أن صدر مرسوم بتعييني مدير عام بلدية المحرق، إلى أن تقاعدت في 31 مايو 2015.
ألم تواجه صعوبات بالعمل البلدي؟
- مع نشوء المجالس البلدية ومجلس النواب وديوان الرقابة، كان لابد من الأخذ والرد، فهم بصفتهم ممثلين للشعب يقدمون خدمات للمواطنين ودوري تلبيتها، ولكن بعضها لا يتوافق مع القانون.
انشأت بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة (رحمه الله) يومها مجلساً أسبوعياً لاستقبال المواطنين، غير متابعة المراسلات.
هل التقيت مسؤولك ببلدية الحد الذي تنبأ بأنك ستصبح رئيس البلدية بعد أن عينت مدير عام بلدية المحرق؟
- أعتقد أنه يومها لم يكن على قيد الحياة، ولكن لقيت أحد الموظفين الذين دربوني على العمل، اسمه أحمد حسين يتيم، كان في تكريم ولا زال في بلدية الحد، أشدت به وذكرت أنه علمني العمل في بداية حياتي وصفق له الموجودون بالحفل يوماً.
كيف تعاملت مع مجلس بلدي المحرق الذي كان مليئاً بالخلافات يومها؟
- بالجنوبية أيضاً واجهت خلافات، ولكن بالمحرق كان الاختلاف بين أعضاء المجلس بشكل أوضح، ولم تكن تمر جلسة من دون مشاكسات.
هذا الأمر سبب لي صراعات مع بعض الأعضاء، فكانوا يرون أنني مع رئيس المجلس ونائبه، ولكن كان هناك إجراءات لابد من اتخاذها وأن لا يكون الحكم بشكل مباشر للمجلس البلدي، إذ إن هناك قوانين وقرارات تمنع من القبول ببعض الأمور.
ما السبب الذي دفعك للتقاعد المبكر؟
- أصبحت في سن يسمح للتقاعد ورأيت أنه لا يوجد ما يمكن إضافته ببقائي ففضلت التقاعد والخروج.
وماذا فعلت بعد التقاعد؟
- دخلت في مجال العمل الحر، اذ أسست إبان عملي في جسر الملك فهد مؤسسة عقارية، وعملت فيها، وحين تقاعدت، طورت هذه المؤسسة.
هل استفدت من علاقاتك بالبلدية في عملك الحر؟
- طبعاً، وقبل البلدية منذ أن كنت بالمؤسسة العامة لجسر الملك فهد، وبالطبع حين عينت بهذه الوظيفة أصبحت لي علاقات كثيرة مع الوزارات، بالإضافة الى القطاع الخاص، كمجال البنوك.
هل من نصيحة تود تقديمها من واقع خبرة العمل في أكثر من مجال؟
نصيحتي «من جد وجد»، وليست الدنيا مفروشة بالورود، ولابد من الاجتهاد والمداومة على العمل حتى يبلغ الإنسان مبتغاه.
على المدير الناجح أن يلتفت إلى الصورة الشاملة الاستراتيجية التي يعمل بها استناداً إلى أنه جزء من منظومة العمل النشطة، والهادفة إلى تكوين بيئة مناسبة لتطلعات المواطنين والمقيمين، تسهم في تمكين المواطن من الإنتاج على مستوى عالمي.