زهراء حبيب


- والدتي عارضت دراستي للحقوق واليوم تفتخر بأنها «أم المحامية»

- كانت أمنيتي أن أكون مدرّسة

- رسالتي في الحياة حل مشاكل الآخرين وحبي للتحدي

- طريقة والدتي في إصلاح ذات البين بين أخواتي ساعدتني على حل الخلافات الزوجية


دخلت التوقيف في بريطانيا والسبب هوسي بالتسوق واتهامي ظلماً بالسرقة وكان عمري حينها لم يتجاوز 17 عاماً، جلست في مكان مخيف جداً وشعرت بمرارة الظلم، وبعد التأكد من شرائي تلك الملابس بمالي الخاص، تم إطلاق سراحي، وفي هذه اللحظة قررت استكمال دراستي في المرحلة الثانوية للالتحاق بتخصص المحاماة لأدافع عن نفسي أولاً ثم الآخرين.

بهذه الكلمات بدأت المحامية فوزية جناحي بسرد ذكرياتها ومسيرتها مع «الوطن» منذ صغرها عندما كانت تجلس مع إخوتها لحل مشاكلهم وحتى زواجها في سن مبكر، ثم سفرها مع زوجها لبريطانيا لاستكمال دراسته، وحتى اللحظة التي قررت فيها دخول مجال القانون واختيار مهنة المحاماة إلى أن فتحت مكتبها الخاص في عام 2006. وأشارت إلى أنها شاركت خلال المرحلة الثانوية في الحفلة المدرسية أمام الملكة إليزابيث الثانية خلال زيارتها للبحرين، وقد تزوجت في سن مبكرة من سائق «الفولفو» الذي صدمها بسيارته. وأكدت جناحي، أنها تزوجت مبكراً بينما لم تكمل 16 عاماً حيث كانت والدتها تؤمن بأن الفتاة مكانها بيت زوجها ودورها في الحياة هو تكوين أسرة، ولم تكمل دراستها حيث سافرت مع زوجها إلى بريطانيا لاستكمال تعليمه هناك. وقالت «الغربة كان لها دور إيجابي فيما أنا عليه اليوم، ففي فترة وجودي في بريطانيا تعرفت على سيدة اسمها «فريدة جناحي» كانت تشجعني دائماً على إكمال تعليمي في المرحلة الثانوية ثم الجامعية، وكانت هناك زينات المنصوري تدرس «انتساب» مع وجود أطفالها، وهذا الأمر شجعني على التفكير بشدة في إكمال تعليمي لكن بعد إنجابي ثلاثة توائم بعد انتظار دام 5 سنوات كنت أول بحرينية تنجب توائم وتم إجراء مقابلات صحفية كحالة نادرة»، وفيما يلي نص اللقاء:

كيف كانت طفولة فوزية جناحي؟

- عشت طفولتي في كنف أسرة محبة، في منطقة الرفاع الشرقي، ونحن أسرة مكونة من 3 بنات و5 شباب، وأنا الطفلة الثانية بعد أخي البكر، وكنت أخرج للعب في الفريج مع البنات لعبة اللقفة والسكينة أمام المنزل، وكانت طفولتي بسيطة وجميلة.

وأيام المدرسة أحببت المشاركة في الحفلات الوطنية، ومارست لعبة كرة السلة والجمباز، وكنت أشارك في الزهرات في المرحلة الابتدائية. وفي الإجازة الصيفية كنا نمكث في منزل جدتي أم الوالدة في فريج الفاضل في المنامة، وندرس تلاوة القرآن مع المطوع ملا أحمد، وكان بيت جدتي قرب سمبوسة عبدالقادر وبيت شويطر، وكنا نقضي أجمل 3 أشهر في المنامة وبالقرب من البحر، ومازلت أتذكر زيارتي مع جدتي أم والدي حينما كانت تأخذني لزيارة أهل أبي في القضيبية، وأتذكر أيام رمضان والوداع.

ومن ذكريات فريج الفاضل في العيد نتوجه لمحل مطعم «أم بي» قرب مطعم الفردوس حالياً وطعمه مقارب لمأكولات ماكدونالدز حالياً، ونشتري بيضاً ملوناً، ومازلت أتذكر الجبن في المعصارة من البرادة من الرفاع، وكنا في العيد نتناول وجبات «أم بي» وبعدها نتوجه للبحر في الفرضة، وكانت من أجمل الذكريات.

وفي المرحلة الثانوية أتذكر مشاركتي في حفلة للملكة إليزابيث خلال زيارتها للبحرين، وشاركت في عرض أزياء للتراث القديم.

وكانت أمنيتي أن أكون مدرّسة فكنت أجلس مع إخوتي وألعب معهم دور المدرّسة وأقوم بتدريسهم كما كنت أدرّس أطفال الجيران، وفي الوقت نفسه كنت أحلّ المشاكل لهم، حيث كانوا يلجؤون إليّ في كل مشكلة يتعرضون لها، وكنت أهوى هذا الدور أكثر فاستبعدت حلم التدريس.

وتزوجت مبكراً بينما لم أكمل 16 عاماً حيث كانت والدتي تؤمن بأن الفتاة مكانها بيت زوجها ودورها في الحياة هو تكوين أسرة، ولم أكمل دراستي وسافرت مع زوجي إلى بريطانيا لاستكمال تعليمه هناك.

حدثينا عن تجربتك مع الزواج المبكر؟

- في المرحلة الثانوية وبالصف الثاني الثانوي تحديداً، كنت مشاركة في إحدى الحفلات المدرسية وعند نزولي من الحافلة صدمتني سيارة وعلى الفور أخذني السائق إلى المستشفى للعلاج، ومن بعدها تقدم لخطبتي وقد اشتهرت بهذه القصة بين الأهل والجيران، بأن فوزية تزوجت بسائق «الفولفو» المتسبب في الحادث المروري، وبهذه الطريقة تعرفت عليه وكان المخطط إكمالي تعليمي ثم الزواج، لكن لم أكمل لمصاحبته في سفره إلى بريطانيا لإكمال دراسته.

كيف كانت تجربة الاغتراب رغم صغر سنك؟

- الغربة كان لها دور إيجابي فيما أنا عليه اليوم، ففي فترة وجودي في بريطانيا تعرفت على سيدة اسمها «فريدة جناحي» كانت تشجعني دائماً على إكمال تعليمي في المرحلة الثانوية ثم الجامعية، لتخفيف شعور الاغتراب والاستفادة من وقت الفراغ، وكانت هناك زينات المنصوري تدرس «انتساب» مع وجود أطفالها، وهذا الأمر شجعني على التفكير بشدة في إكمال تعليمي لكن بعد إنجابي ثلاثة توائم بعد انتظار دام 5 سنوات كنت أول بحرينية تنجب توائم وتم إجراء مقابلات صحفية كحالة نادرة وبعد دخولهم المرحلة الابتدائية، هنا بدأت مشوار الأكاديمي مع أطفالي.

وفي عام 1989 بدأت مرحلة استكمال تعليمي في المرحلة الثانوية «منازل»، ثم درست البكالوريوس في بيروت القانون «انتساب»، وكانت أمنيتي أن أكمل «الماجستير» لكن الظروف الأسرية ودخول أبنائي مرحلة المراهقة كان من الصعب تركهم لفترات طويلة بعيداً عني، ففضلت البقاء معهم على إكمال الدراسات العليا.

ما سبب اختيارك لمهنة المحاماة؟

أحببت شعور الأخت الكبرى والدفاع عن الآخرين، ومررت بظروف وموقف فترة وجودي في بريطانيا، عندما كنت أتسوق بكثرة لسد أوقفات الفراغ ولعشقي للتسوق، فكنت أخرج من ساعات الصباح حتى الساعة 5:00 مساء يومياً، وفي أحد الأيام بعد الانتهاء من التسوق شك رجل الأمن التابع للمجمع التجاري، ولكثرة الأكياس التي أحملها بيدي ولترددي على المجمع بصورة يومية، بسرقة تلك المشتريات، فتم الإمساك بي وتوقيفي لمدة يوم كامل، حينها شعرت بالظلم.

وبقيت في التوقيف لحين الانتهاء من الاتصال بجميع المحالّ التجارية، للتأكد من شراء تلك البضائع بمالي الخاص، والتأكد من براءتي.

كان شعور الخوف يتملكني طوال فترة وجودي في التوقيف، وكان حينها عمري لم يتجاوز 17 سنة، وفي بلد غريب، ولا أعلم أين أتوجه وماذا عساي أفعل، وطول فترة وجودي في التوقيف يتردد على مسامعي كلام صديقتي «فريدة» وحثها على إكمال دراستي، عندها خطرت في بالي مهنة المحاماة للدفاع عن حقوقي أولاً ثم الدفاع عن حقوق الآخرين.

هل واجهتِ معارضة من العائلة؟

- والدتي عارضت فكرة إكمال تعليمي، لاعتقادها بأن الفتاة مكانها منزل زوجها وأسرتها، وهي ربتني على هذا الأساس فعلمتني كيف أكون ربة منزل بامتياز، وكيفية العناية بإخوتي، وهذا الأمر ساعدني كثيراً فترة الغربة، لكن بعد الزواج كان الأمر بيد زوجي. وواجهت في البداية رفضه والمبرر هو عدم الحاجة للدراسة والعمل لكني أصررت على الأمر، فوافق في النهاية بشرط عدم إهمال الأطفال، ودخلت في تحدٍّ مع نفسي وهي الموازنة بين واجباتي كأم وزوجة وكطالبة في المرحلة الثانوية ثم الجامعية. واليوم والدتي تفتخر بي كثيراً، وتُسعد عند مناداتها بـ«أم المحامية» وأنا ممتنة جداً لوجودها في حياتي ومساندتها لي بفترة بدايتي في المهنة.

حدثينا عن بداية دخولكِ مهنة المحاماة؟

- بدأت مع مكتب المحامي سلمان سيادي، وبعد سنتين انتقلت لمكتب سمير رجب وبعد وفاته، التحقت بمكتب المحامي جاسم أحمد وبعدها تمت الشراكة بيني وبينه وفي عام 2006 فتحت مكتبي الخاص.

بعد دخول المحاماة ما هي أبرز التحديات التي واجهتِها؟

- أول تحدٍّ واجهته عند دخولي مجال المحاماة هو الترافع في أول قضية لمرضى اضطراب الهوية الجنسية، وكانت موكلتي زميلتي في الدراسة الجامعية في بيروت، حيث تركت الدراسة لعدم قدرتها على التغلب على شعورها بأنها رجل في جسد امرأة، فلجأت لي لتصحيح وضعها.

وفي تلك الفترة كنت مازلت محامية تحت التدريب، ولا يوجد قانون لمثل هذه الحالات، وكانت هذه أول دعوى ترفع في البحرين، ناهيك عن نظرة المجتمع لهذه الفئة في تلك الفترة، فكانت أول تحدِّ لي في عالم المحاماة. وبعد صدور الحكم في 2005 بالتحول من أنثى إلى ذكر، بدأت حالات المصابين باضطراب الهوية الجنسية تطرق بابي للدفاع عنها سواء من داخل البحرين أو خارجها.

ما هي المصاعب الأخرى التي واجهتِها في المحاماة كامرأة؟

- في البحرين لن تواجه المرأة صعوبات في كافة المجالات، لكن في السابق كان الرجال بمهنة المحاماة أكثر من النساء، وكان الموكلون يلجؤون للمحامي أكثر من المحاميات، وبعد أن خاضت المرأة التجربة وأثبتت جدارتها، نجحت في كسب ثقتهم خاصة في القضايا الشرعية كون المرأة تشعر بموكلتها في دعاوى الطلاق والحضانة وغيرها، والآن انقلبت الموازين فأصبح عدد المحاميات أكثر من الرجال.

ما هي أبرز المواقف التي صقلت شخصية فوزية جناحي؟

- قضايا الشرع والأسرة والطلاق والحضانة كان لها أثر كبير وساهمت كثيراً في صقل شخصيتي، خاصة مع حبي لتقديم النصح ومساعدة الآخرين.

ما هي المواقف الحاضرة دائماً في ذاكرتك؟

- زوجان تم الطلاق بينها بالاتفاق لكن بعد ذلك تأثر الأطفال، فعادت الزوجة لبيت الزوجية وإلى زوجها لحفظ وحماية نفسية الأطفال لتعلقهم بوالدهم، والموقف الثاني أم لطفل عمره سنتين وكان الزوج مؤذياً ويفتعل المشاكل يومياً وتتعرض للعنف، وكانت ترغب في الطلاق لكن اشترط الزوج التنازل عن حضانة الطفل كنوع من لي الذراع، ووافقت على شرطه وبعد الطلاق أمام المحكمة قام الأب بانتزاع الطفل من حضن والدته بالقوة وغادر المكان وكان الطفل في حالة من البكاء الشديد.

وقضية أخرى عندما كنت أعمل في مكتب المحامي جاسم أحمد حدثت جريمة قتل بطريقة بشعة وتم تقطيع جسد المجني عليه، وكنت للتو أنهيت مرحلة التدريب، وكنت أخاف من الدم ومشاهدة صور الجريمة، لكني مجبرة كوني محامية المتهم.

كيف يواجه المحامي نظرة المجتمع عند دفاعه عن قاتل أو مغتصب؟

- المتهم أو المجرم حتى لو ثبت ارتكابه الجريمة، في النهاية هو إنسان لديه حقوق والجريمة لا تسلبه إنسانيته، وعمل المحامي لا يقتصر عن الدفاع عن المجني عليهم حتى المتهمين، لضمان سلامة إجراءات التقاضي وضمان محاكمتهم محاكمة عادلة، وعدم تعرضه لسوء المعاملة، وهذا أمر إلزامي في القضايا الجنائية، ناهيك إلى أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته.

ما سبب تخصصك أكثر في دعاوى الشرع؟

- رسالتي في الحياة حل مشاكل الآخرين، وحبي للتحدي والعمل في القضايا الشائكة وبعد صدور الحكم أشعر بالراحة، وكانت لي بصمات في الجانب التطوعي النسائي 2006 حيث انضممت لشبكة قانونية للنساء العربيات من 17 دولة عربية وهدفها النهوض بالمرأة العربية في الشأن القانوني، وتوعية المرأة بحقوقها، ومن الأمور التي سعيت ونفذتها إنشاء بروتوكول بالتعاون مع الجمعيات النسائية في البحرين منها جمعية المرأة البحرينية وكنا نقيم ورشاً ونقوم بزيارات توعية، وتخصيص خط ساخن للمعنفات لإعطاء الاستشارات القانونية، وكان لي تعاون مع دار الأمان، وكل هذه الأمور ترجمت بها حبي لمساعدة الناس وكانت أمي تسميني محامي «العيلة».

مَن قدوة فوزية في الحياة؟

- أمي قدوتي فمن خلال طريقها في إصلاح ذات البين بين أخواتي، هذا الأمر ساعدني كثيراً في إصلاح الخلافات الزوجية بين المدعين ويكون طرق باب المحاكم للطلاق كآخر خيار.

هل التكنولوجيا واستشارات السوشيال ميديا يهددان مهنة المحاماة؟

- للسوشيال ميديا سلاح ذو حدين، فمن جانب هي ساهمت في توعية الناس بالقوانين بنشر القضايا والأحكام وهذا هو الوجه الإيجابي، لكن كان لها دور سلبي في نشر معلومات غير صحيحة في بعض الأحيان وتقديم استشارات غير مكتملة. وساهم التطور التكنولوجي في تسهيل عمل المحامين بتقديم الطلبات الإلكترونية، واختصر الوقت والجهد بتقديم واستلام الملفات ورقياً، وكان له دور إيجابي في تحريك عجلة سرعة التقاضي.

هل الذكاء الاصطناعي سيحل محل المحامي؟

- صعب جداً، كل قضية لها جوانب خاصة فيها والذكاء الاصطناعي من الاستحالة تسخيره في الجانب القانوني والحقوقي، قد يساعد في جلب المعلومات لكن لن يحل محل المحامي، فالمرافعات لها جوانب ولغة جسد أثناء الترافع والدفاع عن الموكلين والتأثير بإقناع القاضي ببراءة الموكل، وهذا أمر لن يستطيع الذكاء الاصطناعي إيصاله.

هل المرأة أفضل من الرجل في مهنة المحاماة؟

- في القضايا التي تخص النساء كالطلاق والنفقة والحضانة وغيرها من جوانب الشرع تبوح الموكلة أفضل للمحامية وليس الرجل.

ما سبب إقبال النساء على مهنة المحاماة والقانون مؤخراً؟

- تعدد المهن التي تندرج تحت القانون كمستشارة وقانونية وقاضية شجع المرأة لدخول هذا السلك المهني، والآن مع فتح الجامعات الخاصة أصبح هناك تكدس والآن نطالب بوقف دراسة القانون لأن السوق حقق حالة من التشبع، ولا توجد شواغر للتدريب في مكاتب المحامين.