مريم بوجيري
«نشأت في بيئة قروية ريفية لحقت فيها على زمن الطيبين في آخر أيامه، شهدت حقبة العيش البسيط وتربية الحيوانات والاستفادة منها وصنع اللبن والحليب وصنع النسيج والحصير، وصار عندي شغف بالمهن البحرينية القديمة وتعلقت في كل هذه التفاصيل».. هذا ما بدأ به معلم مادة الثقافة الشعبية والتاريخ علي المطوع في حديثه لـ«تراثنا»، حيث حدثنا عن شغفه بالتراث وإنشاء القرية التراثية الخاصة به بالقرب من منزله، والتي لاقت رواجاً بالغاً من قبل المهتمين بالتراث.
وقال المطوع: «بعد أن التحقت بسلك التدريس في مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق، بدأت بتدريس مادة التاريخ والثقافة الشعبية، وفكرت بمشروع لقرية تراثية داخل المدرسة والتي لاقت صدى واسعا من قبل المعنيين والطلبة وأولياء الأمور، وبدأت بتعليم طلبتي الحرف والمهن والعادات والتقاليد البحرينية الأصيلة، وقمت بمعاونة طلبتي بإنشاء متحف مصغر في عام 2015، وحينها لاحظت إقبال من الطلبة تحديداً على الصناعات والحرف القديمة منها صناعة القراقير والسلال والنسيج والمديد وسف الخوص والحصير، بدأت بتعليمهم واصطحابهم بعد النشاط المدرسي للمتخصصين في تلك المهن والحرف لتعليمهم إياها بسبب شغفهم بها، وبعدها تم فتح قنوات مع المؤسسات الرسمية مثل مركز الجسرة للحرفيين ومركز العاصمة للأسر المنتجة واللذين دعمونا وأسهموا في تخريج 80 طالباً من الجيل الجديد مازال بعضهم يمارس تلك الحرف التي تعلموها في المدرسة حتى بعد تخرجهم والتحاقهم بالمرحلة الجامعية».
الاهتمام بالمحتوى التراثي والحرفي
وأضاف: بعدها جاءتني فكرة لإنشاء حساب على منصة «إنستغرام» أسميته «تراثيات» ركزت فيها على المحتوى والإرث التراثي للمملكة، كما اعتبرته كمنصة للترويج لمنتجات الطلبة وبيعها على الحساب وتعريف الناس بها، إلى جانب إضافة معلومة تراثية تخدم المتلقي من الناحية الثقافية إلى جانب تعريفهم بالحرف اليدوية الأصيلة في البحرين والعادات والتقاليد، ويكون دليلاً إلى الجمهور للحصول على الأدوات التراثية بحيث يكون الحساب شيئاً جديداً يضيف للساحة ويحمل في طياته جانباً حضارياً وسياحياً.
قصة القرية
التراثية المصغرة
وكان المطوع افتتح قرية تراثية مصغرة خاصة به كمبادرة ذاتيه بالقرب من منزله في المحرق وتحديداً منطقة عراد، حيث جاءت فكرة إنشائها لنقل الخبرة في إقامة المعارض والمهرجانات التراثية داخل المدرسة وخارجها، بحيث تكون القرية متنفساً للمجتمع يعيدهم إلى ذاكرة الماضي وتكون موجودة طوال العام.
وواصل: «عملت على القرية بالتعاون مع طلبتي على مدى 7 أشهر الماضية وافتتحتها في يوليو الماضي، حيث أسست فيها جميع الأركان التراثية من دكاكين وزوايا تراثية بهدف تقديم المشروع بشكل جميل وحضاري ومنظم ويكون مستقبلاً وجهة سياحية»، معتبراً أن هذه هي البداية فقط ولديه أفكار بالتوسع في المستقبل، مشيراً إلى أن القرية في الوقت الحالي تسهم في احتضان الطلبة ومواهبهم في المجال الحرفي التراثي.
وأضاف: «صحيح أن مساحة القرية لا تتعدى 10 أمتار لكن حاولنا قدر المستطاع استغلال تلك المساحة لعرض المنتجات والترويج للحرف البحرينية ومحاكاة الزمن القديم على أرض الواقع، لتكون القرية شاهداً على الزمن الماضي».
وأكد المطوع أنه ينوي افتتاح القرية للزوار، لكنه يتلقى في الوقت الحالي طلبات الزيارة بحجز الموعد نظراً للظروف الاستثنائية ويستقبل مجموعة واحدة فقط في اليوم وفقاً للإجراءات الاحترازية، حيث يتم الدخول للقرية برسم رمزي وذلك بهدف تغطية تكاليف إنشائها التي بلغت أكثر من 4 آلاف دينار كونها مبادرة فردية دون دعم من أي جهة معينة، مطالباً بأن يتم احتواء تلك المبادرات التراثية بحيث يكون لها الزخم المطلوب كونها إضافة هامة للبحرين من ناحية السياحة الداخلية ووجهة للسياح من الخارج.
المهن الشعبية
تتجه للاندثار
وأشار إلى وجود فجوة في تعريف الجيل الجديد بأهمية الحرف والمهن التراثية القديمة والتي اندثرت شيئاً فشيئاً مع الجيل السابق، والذي آثر ألا يعلم أبناءه تلك المهن القديمة باعتبارها مهنا شاقة بالإضافة لقلة الدخل ودخول السلع الخارجية وقلة كلفتها مما شكل عليها تحدٍ كبير ومنافسه للصناعة المحلية.
وطالب الجهات المعنية بضرورة العناية بالحرف مع غياب الرعاية والاهتمام للحرفيين، بحيث يتم احتواؤهم ويكون لهم اهتمام اكثر ما يضمن انتقالها إلى فئة الترويج السياحي إلى جانب تأصيلها في الأجيال الجديدة.
وختم بقوله: «لا بد أن يكون هناك احتضان للحرفيين وتشجيعهم وضمهم في برامج ومعارض ومهرجانات والتسويق لمنتجاتهم بصورة أوسع وتخصيص امتيازات لهم حتى يتم ضمان استمراريتها، كما أدعو لإشراك المهتمين بالتراث في الفعاليات المختلفة لأنها تؤثر بشكل كبير على الهوية البحرينية والعمق الحضاري الذي يعود لآلاف السنين».