قطع التوحد عالمياً، محطات زمنية متعددة بعضها مؤلم ومشين، وبعضها الآخر مشرق ومشرف ويتنامى في أرجاء المعمورة. ولازال العالم العربي إلى يومنا هذا -مع الأسف الشديد- يقبع في حقبة مظلمة بين مطرقة الموروثات الشعبية الخاطئة، وسندان المعلومات السطحية التي تفتقر للسند العلمي والتجديد.
إن اضطراب طيف التوحد، هو أكثر اضطرابات الطفولة شيوعاً وغموضاً في الوقت ذاته حتى يومنا هذا، فلازالت الإشارة لسبب واحد ودقيق يفسر حدوثه، أمراً شبه مستحيل. ومع عدم وجود أسباب يمكن التعرف عليها، تتنامى الفرضيات والعوامل المؤثرة التي تحتمل أن تكون ذات علاقة، ولكن لا يوجد علاج نهائي شافٍ من التوحد لعدم ثبوت أسباب حدوثه.
يقبع التوحد في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، في نسخته الخامسة المعدلة (٢٠١٣)، ضمن مجموعة اضطرابات الطفولة النمائية العصبية التي تظهر ما دون الخمس سنوات من العمر، وتشمل خمسة أنواع مختلفة الشدة والإمكانيات، وهي: التوحد الكلاسيكي، متلازمة اسبرغر، التوحد غير الكلاسيكي، اضطراب المهارات العامة غير المحدد، اضطراب الطفولة الانتكاسي، التحللي CDD، متلازمة هيلر، متلازمة ريت.
وكان قبل العام 2013، ينظر لهذه الأنواع على أنها اضطرابات مختلفة عن بعضها البعض، حتى تم إدراجها تحت مظلة واحدة وهي اضطرابات طيف التوحد، لأسباب كثيرة، منها لتغطية التكاليف التأهيلية عن طريق شركات التأمين ومنها لاشتراكهم جميعاً على اختلاف وتباين المستوى في ثلاث محاور أساسية تقود للتشخيص بأحدهم، وهي: محور الاضطرابات السلوكية (أنماط وتكرار لبعض الظواهر السلوكية كالرفرفه باليدين والنط والهرب، صف الأشياء بطرق نمطيه وهوسية، وغيرها)، ومحور التواصل (لغة الجسد، التواصل الاجتماعي وتكوين الصداقات، فهم السياق والعواطف، البناء والتصور، وغيرها)، ومحور العوائق اللغوية (اكتساب اللغة المنطوقة، الضمائر، نبرة الحديث، الحوار، وغيرها).
وعلى الرغم من كون كلمة (التوحد) لغة واصطلاحاً، آتية بمعنى الانفراد بالنفس والوحدة والانعزال، وترجمتها الحرفية هي (الذاتوية)، إلا أن واقع الأفراد (أطفالاً كانوا أو يافعين أو بالغين) لاينطبق تماماً كما هو متصور من معنى هذا اللقب!
فالاعتقاد الأول الذي قد يتبادر إلى ذهنك حين تسمع أن شخصاً ما مصاب بالتوحد، هو أنه قد لا يرغب بالاختلاط بالناس ويفضل البقاء لوحدة، إلا أن هذا الشيء غير صحيح تماماً، والأصح هو أن الكثيرين يرغبون بالانخراط في المجتمع والقيام بالكثير مما يستطيع أقرانهم مزاولته من هوايات ورحلات واندماج في الجماعات والصداقات، إلا أن المحاور الثلاث (السلوك، اللغة والتواصل) تحول بينهم وبين التفاعل مع الأشخاص من حولهم والأماكن. بالإضافة لبعض التجارب السلبية السابقة أو الحوادث في الأماكن العامة التي تشكل حاجزاً أو هاجساً للخوف والقلق لدى الأشخاص المصابين بالتوحد، والتي تجعلهم يترددون أو ينسحبون من الانضمام لأقرانهم.
التنمر المجتمعي، بأشكاله وأنواعه، جماعي أو فردي، لفظي أو جسدي أو مادي، هو أحد الظواهر التي يجب محاربتها لنمكن كل من هو مختلف من الشعور بالانتماء والأمان وممارسة حياته بصورة طبيعية.
اضطراب طيف التوحد ليس إعاقة بحد ذاته، وإنما مجموعة معقدة من التحديات والصعوبات التي إن تم تذليلها أسرياً وأكاديمياً واجتماعياً ومالياً، فلن يقبع صاحبها في قوقعة العزلة والحرمان. فكما يقال، لا توجد إعاقة، ولكن توجد مجتمعات معيقة أحياناً.
لقد خلقنا الله مختلفين، فليس كل مختلف مخيفاً فلنكن أكثر رحمة وقبولاً لمن يواجهون آلاف التحديات بسبب نظراتنا أو تمييزنا وإقصائنا لهم في المعاملة. وأدعو الجميع للتأمل والتفكر في أحوال أطفال وشباب التوحد ولنعمل على خلق أجيال واعية ومتفانية لمساعدة أقرانهم المصابين بالتوحد، في مدارسنا وجامعاتنا ومساجدنا وعوائلنا وفي كل مكان على أرض البحرين الغالية.
مستشار وراثي
رئيسة اللجنة التوعوية التثقيفية جمعية التوحديين البحرينية
إن اضطراب طيف التوحد، هو أكثر اضطرابات الطفولة شيوعاً وغموضاً في الوقت ذاته حتى يومنا هذا، فلازالت الإشارة لسبب واحد ودقيق يفسر حدوثه، أمراً شبه مستحيل. ومع عدم وجود أسباب يمكن التعرف عليها، تتنامى الفرضيات والعوامل المؤثرة التي تحتمل أن تكون ذات علاقة، ولكن لا يوجد علاج نهائي شافٍ من التوحد لعدم ثبوت أسباب حدوثه.
يقبع التوحد في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية، في نسخته الخامسة المعدلة (٢٠١٣)، ضمن مجموعة اضطرابات الطفولة النمائية العصبية التي تظهر ما دون الخمس سنوات من العمر، وتشمل خمسة أنواع مختلفة الشدة والإمكانيات، وهي: التوحد الكلاسيكي، متلازمة اسبرغر، التوحد غير الكلاسيكي، اضطراب المهارات العامة غير المحدد، اضطراب الطفولة الانتكاسي، التحللي CDD، متلازمة هيلر، متلازمة ريت.
وكان قبل العام 2013، ينظر لهذه الأنواع على أنها اضطرابات مختلفة عن بعضها البعض، حتى تم إدراجها تحت مظلة واحدة وهي اضطرابات طيف التوحد، لأسباب كثيرة، منها لتغطية التكاليف التأهيلية عن طريق شركات التأمين ومنها لاشتراكهم جميعاً على اختلاف وتباين المستوى في ثلاث محاور أساسية تقود للتشخيص بأحدهم، وهي: محور الاضطرابات السلوكية (أنماط وتكرار لبعض الظواهر السلوكية كالرفرفه باليدين والنط والهرب، صف الأشياء بطرق نمطيه وهوسية، وغيرها)، ومحور التواصل (لغة الجسد، التواصل الاجتماعي وتكوين الصداقات، فهم السياق والعواطف، البناء والتصور، وغيرها)، ومحور العوائق اللغوية (اكتساب اللغة المنطوقة، الضمائر، نبرة الحديث، الحوار، وغيرها).
وعلى الرغم من كون كلمة (التوحد) لغة واصطلاحاً، آتية بمعنى الانفراد بالنفس والوحدة والانعزال، وترجمتها الحرفية هي (الذاتوية)، إلا أن واقع الأفراد (أطفالاً كانوا أو يافعين أو بالغين) لاينطبق تماماً كما هو متصور من معنى هذا اللقب!
فالاعتقاد الأول الذي قد يتبادر إلى ذهنك حين تسمع أن شخصاً ما مصاب بالتوحد، هو أنه قد لا يرغب بالاختلاط بالناس ويفضل البقاء لوحدة، إلا أن هذا الشيء غير صحيح تماماً، والأصح هو أن الكثيرين يرغبون بالانخراط في المجتمع والقيام بالكثير مما يستطيع أقرانهم مزاولته من هوايات ورحلات واندماج في الجماعات والصداقات، إلا أن المحاور الثلاث (السلوك، اللغة والتواصل) تحول بينهم وبين التفاعل مع الأشخاص من حولهم والأماكن. بالإضافة لبعض التجارب السلبية السابقة أو الحوادث في الأماكن العامة التي تشكل حاجزاً أو هاجساً للخوف والقلق لدى الأشخاص المصابين بالتوحد، والتي تجعلهم يترددون أو ينسحبون من الانضمام لأقرانهم.
التنمر المجتمعي، بأشكاله وأنواعه، جماعي أو فردي، لفظي أو جسدي أو مادي، هو أحد الظواهر التي يجب محاربتها لنمكن كل من هو مختلف من الشعور بالانتماء والأمان وممارسة حياته بصورة طبيعية.
اضطراب طيف التوحد ليس إعاقة بحد ذاته، وإنما مجموعة معقدة من التحديات والصعوبات التي إن تم تذليلها أسرياً وأكاديمياً واجتماعياً ومالياً، فلن يقبع صاحبها في قوقعة العزلة والحرمان. فكما يقال، لا توجد إعاقة، ولكن توجد مجتمعات معيقة أحياناً.
لقد خلقنا الله مختلفين، فليس كل مختلف مخيفاً فلنكن أكثر رحمة وقبولاً لمن يواجهون آلاف التحديات بسبب نظراتنا أو تمييزنا وإقصائنا لهم في المعاملة. وأدعو الجميع للتأمل والتفكر في أحوال أطفال وشباب التوحد ولنعمل على خلق أجيال واعية ومتفانية لمساعدة أقرانهم المصابين بالتوحد، في مدارسنا وجامعاتنا ومساجدنا وعوائلنا وفي كل مكان على أرض البحرين الغالية.
مستشار وراثي
رئيسة اللجنة التوعوية التثقيفية جمعية التوحديين البحرينية