رؤى الحايكي


يعد الحس الجمالي فطرة في الإنسان وبعداً عميقاً في شخصيته. وحين نقرأ أكثر ونتعمق في هذا الموضوع نجد أنفسنا مقصرين جداً في تعزيز هذا الجانب لدينا.

ولا يصعب علينا أبداً أن نعترف بغياب تركيز الأسرة على تنمية الحس الجمالي لدى أفرادها وسط روتين الحياة المزدحم الذي لا يفسح المجال لتنفس الجمال واستشعار الفنون وألحانها. وترى الكاتبة مريم الساعدي أن تقدير الجمال يحتاج إلى جهد لكي تتكون بداخلنا هذه الملَكة التي تميز الإنسان الحقيقي الحر صاحب الرؤية والرسالة عن غيره. حيث قالت في مقال لها بعنوان الحس الجمالي: «عليك أن تربي إحساسك كأنه ابنك الذي تحرص على أن يكبر ليكون شخصاً ناجحاً جميلاً وسعيداً، وأن تعتني به بكل صبر وتمهل وطولة بال ومحبة».

ويبدأ نمو الحس الجمالي لدى الإنسان وهو طفل في مرحلة (الشخبطة) على الأوراق والجدران، ويتطور عندما يبدأ برسم الرموز والأشكال. وهنا تكمن أهمية دور الأسرة في تنمية الحس الفني والجمالي لدى أطفالهم، وبحسب مقال للدكتور بركات محمد مراد بعنوان (تربية الحس الجمالي لدى الطفل) وهو مؤلف كتاب (أطفالنا وتربية عصرية)، إن العائلة هي التي يجب أن تبدأ بالتربية الثقافية وبتنمية الحس الجمالي السامي، فالعائلة التي يمكنها أن تزرع هذه البذرة العصرية وتنميها بأسرع وقت ممكن وباستخدام مختلف الوسائل تستطيع أن تعزز وتطور الحس الجمالي بل تبني شخصيات تتمتع بحس فني وجمالي عالٍ.

ولا يغيب عن بالنا أن العائلة التي لا يقرأ الآباء فيها الكتب والصحف ولا يتمتعون بالحس الجمالي وبالذوق الرفيع في التعامل مع الأشياء ولا يشاهدون البرامج التلفزيونية المعنية بالثقافة والآداب ولا يهتمون بالمعارض الفنية والذين لا يزورون المتاحف بالتأكيد سيصعب عليهم توفير بيئة ثقافية راقية وحسّاً جماليّاً عصريّاً لأطفالهم، وستبقى مساعيهم بسبب عزوفهم عن الفعل الثقافي الحضاري مساعي زائفة لا تؤتي أكلها.

إن تعزيز الحس الجمالي له دور في بناء شخصية الإنسان وتكوينه الوجداني والعقلي. يقول الكاتب توفيق الراوي في مقال بعنوان تربية الحس الجمالي: «نكاد نجزم أنه كلما ارتقينا بالحس الجمالي عند الإنسان قمنا بحل العديد من المشكلات التي يعيشها الإنسان المعاصر». مؤكداً أن الثقافة الجمالية والفنون على اختلافها تساعد الإنسان على الجمع بين حضور الشعور والإحساس العالي والعاطفة الحقيقية والعقل الواعي في لحظة واحدة، وهذه مميزات تصنع شخصيات متوازنة على قدر من الوعي والحكمة. إن تعزيز الحس الجمالي لدى الإنسان يغير نظرته للحياة ويرتقي بأفكاره وإحساسه وردود أفعاله، لذلك تعد ثقافة الحس الجمالي عالماً قائماً بذاته يؤثر إيجاباً ويخترق العوالم الأخرى التي يشوبها العنف واللا إنسانية تاركاً بصمته، محولاً الرماد لوحة فنية تحكي باللون الأسود كيف انتهت العتمة عندما أشرقت شمس الحياة عليها وبددت غيمات الرماد بنورها.