باهتمام بالغ، تابع الكثيرون "ملتقى المرجعيات العراقية" الذي نظمته "رابطة العالم الإسلامي"، في مكة المكرمة، وضم عدداً من علماء الدين العراقيين السنة والشيعة.
الملتقى الذي جرى الإعداد له على مدى أشهر، عبر التواصل مع الشخصيات العراقية في أكثر من مدينة ومؤسسة وحوزة علمية، أراد منه منظموه أن يكون نقطة انطلاق لصياغة خطاب إسلامي يؤمن بالتعددية واحترام الآخر، ويتجاوز إرث الصراعات الطائفية التي شهدها العراق والمنطقة.
مدير "أكاديمية البلاغي"، زيد بحر العلوم، وفي حديث مع "العربية.نت"، اعتبر أن مشاركته في المؤتمر تأتي "ضمن إطار الجهود الرامية إلى التعريف بدور النجف الأشرف في إشاعة قيم التعايش والتسامح"، مضيفا "هو أيضا في سياق مجموعة من اللقاءات مع ممثلي المذاهب الإسلامية في العراق لبلورة رؤية مشتركة تساهم وتعزز مفاهيم الوسطية والاعتدال وتنبذ الفكر المتطرف".
بحر العلوم رأى أن الملتقى من المهم أن يشتغل على "بلورة رؤية مشتركة تسهم في تحصين المجتمع العراقي من آفات دعوات التطرف والتكفير"، معتبراً أن "انعقاده في مكة المكرمة يشير إلى رمزية هذا المكان وموقعه في قلوب المسلمين"، كاشفاً أنه "تم الاتفاق على إدامة الحوارات، وإيجاد هيئة تتولى تنسيق المواقف، وتجريم دعوات التكفير والتطرف، واستثمار الإمكانيات المعنوية للمجمع الإسلامي لتحقيق ذلك".
أجواء الملتقى كانت "إيجابية جداً ومميزة"، بحسب بحر العلوم، قائلاً لـ"العربية.نت"، إن المجتمعين اتفقوا على "مزيد من التواصل بين الجانبين السني والشيعي، ومحاولة دراسة المبادرات المقترحة وإمكانية تطبيقها".
وما يجعل "ملتقى المرجعيات العراقية" أكبر من مجرد لقاء بين مجموعة من علماء الدين، عدة عوامل، لعل أهمها:
• تبني "رابطة العالم الإسلامي" للملتقى، ورعاية أمينها العام د.محمد العيسى له بشكل مباشر، وحرصه على أن يضم شخصيات لها صدقيتها في المجتمع العراقي، وتمثل شرائح مختلفة. وتنظيم هكذا لقاء ضمن مؤسسة "دولية"، يشير إلى أن "الرابطة" يهمها شأن العراق، ورعاية السلم الأهلي والديني فيه، وإبعاده عن خطر الانزلاق ثانية في صراعات طائفية مسلحة بين السنة والشيعة.
• هذا الموقف من "رابطة العالم الإسلامي"، ترجمه بوضوح د.محمد العيسى في كلمته، التي جاءت مباشرة في تأكيدها على أنه "ليس بين السنة والشيعة إلا التفاهم الأخوي والتعاون والتكامل"، مع تشديده على "استيعاب الخصوصية المذهبية لكل منهم في دائرة دينهم الواحد". وهو بذلك يضع حداً لجدل كلامي دام قروناً حول من هو "المسلم"، حاسماً ذلك بأن الجميع سنة وشيعة هم في دائرة المسلمين.
العيسى ذهب إلى أبعد من ذلك، عندما اعتبر أن "الطائفية ليست من هدي الإسلام في شيء"، محذراً من الانزلاق في "متاهات التكفير والصدام والصراع".
• الشخصيات التي شاركت من حوزة "النجف"، جاءت هي الأخرى في حديثها منسجمة مع أهداف "الملتقى". ولعل أبرز المتحدثين كان محمد علي بحر العلوم، وهو عالم دين يُدرس "البحث الخارج"، وأحد أساتذتها البارزين، وصاحب رأي فقهي، فضلاً عن علاقاته الحسنة مع المرجعيات الدينية الكبرى في حوزة "النجف".
محمد علي بحر العلوم، شدد على مسؤولية علماء الدين في السعي لتثبيت الحقوق والاحترام المتبادل، موضحاً أن "التعددية المذهبية والعرقية في مجتمعنا تحتاج إلى معالجات اجتماعية سلوكية، على قاعدة التعايش السلمي بين الأفراد، لا على قاعدة التغلب".
رفض بحر العلوم لـ"قاعدة الغلبة" تشير بوضوح إلى إيمانه بأن الدولة هي كيان لجميع مواطنيها، وأنه لا يصح أن تستأثر بها جماعة مذهبية أو عرقية حتى لو شكلت الغالبية في تلك الدولة، بل إن "التعايش السلمي" هو الأساس، وفي ذلك تطور في النظرة الفقهية نحو منظومة الحقوق المدنية للمواطنين، تتجاوز تصنيفات المدونات القديمة.
كما أن انعقاد "ملتقى المرجعيات العراقية" في مكة المكرمة، فيه بعدُ رمزي يشير إلى العودة إلى "الكلمة السواء"، وإلى "القبلة" التي يتجه صوبها المسلمون سنة وشيعة؛ وعليه فإن ترسيخ المشتركات مقدمٌ على التباينات. وبالتالي فإن ما تم نقاشه في مكة سيكون ليس مجرد أحاديث في مؤتمر شكلاني، وإنما "خريطة طريق" يجب العمل على البدء في تطبيق مشاريعها المستقبلية، والمكان هنا يحضر كـ"شاهد" على مدى التزام المشاركين بما تحدثوا به في رحاب "بيت الله الحرام".
المشاركون القادمون من العراق، قد لا يكونون هم رأس هرم المرجعيات الدينية، إلا أنهم بالتأكيد قيادات دينية وأكاديمية لها تأثيرها واحترامها في بيئات متنوعة سنية وشيعية، عربية وكردية. يضافُ لذلك أن هذه الخطوة تحظى بمباركة جهات عدة، في مقدمها "الحكومة العراقية"، وأيضاً الأوساط العلمية في "النجف"، إضافة لتأييد قطاع واسع من الشارع العام العراقي ومثقفيه وأكاديمييه، لخطوات من شأنها أن تخفف من "الاحتقان الطائفي"، أي أن هنالك حاضنة رسمية ودينية وشعبية مؤيدة للأهداف التي من أجلها عُقد "الملتقى".
إرادة سعودية لمساعدة الشعب العراقي
احتضان السعودية لـ"الملتقى"، ورعايته من قبل الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يمنح الخطوة غطاء سياسياً، وأن هنالك "إرادة عُليا" من الدولة السعودية تجاه مساعدة الشعب العراقي، وأيضاً جدية واضحة في محاربة الطائفية والكراهية الدينية.
وقوف القيادة السياسية السعودية مساندة لـ"إخراج العراق من أتون الصراع الطائفي"، و"الحفاظ على السلم الأهلي"، رسائل تتجاوز الجمهورية العراقية إلى منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، مفادها أن السعودية كدولة لن تكون إلا منطقة التقاء لـ"العقلاء"، وأنها تعمل على محاربة خطابات التطرف، وهي تريد أن يكون "الاعتدال" هو السائد في العلاقة بين الشعوب على اختلاف ثقافاتها ومعتقداتها.
{{ article.visit_count }}
الملتقى الذي جرى الإعداد له على مدى أشهر، عبر التواصل مع الشخصيات العراقية في أكثر من مدينة ومؤسسة وحوزة علمية، أراد منه منظموه أن يكون نقطة انطلاق لصياغة خطاب إسلامي يؤمن بالتعددية واحترام الآخر، ويتجاوز إرث الصراعات الطائفية التي شهدها العراق والمنطقة.
مدير "أكاديمية البلاغي"، زيد بحر العلوم، وفي حديث مع "العربية.نت"، اعتبر أن مشاركته في المؤتمر تأتي "ضمن إطار الجهود الرامية إلى التعريف بدور النجف الأشرف في إشاعة قيم التعايش والتسامح"، مضيفا "هو أيضا في سياق مجموعة من اللقاءات مع ممثلي المذاهب الإسلامية في العراق لبلورة رؤية مشتركة تساهم وتعزز مفاهيم الوسطية والاعتدال وتنبذ الفكر المتطرف".
بحر العلوم رأى أن الملتقى من المهم أن يشتغل على "بلورة رؤية مشتركة تسهم في تحصين المجتمع العراقي من آفات دعوات التطرف والتكفير"، معتبراً أن "انعقاده في مكة المكرمة يشير إلى رمزية هذا المكان وموقعه في قلوب المسلمين"، كاشفاً أنه "تم الاتفاق على إدامة الحوارات، وإيجاد هيئة تتولى تنسيق المواقف، وتجريم دعوات التكفير والتطرف، واستثمار الإمكانيات المعنوية للمجمع الإسلامي لتحقيق ذلك".
أجواء الملتقى كانت "إيجابية جداً ومميزة"، بحسب بحر العلوم، قائلاً لـ"العربية.نت"، إن المجتمعين اتفقوا على "مزيد من التواصل بين الجانبين السني والشيعي، ومحاولة دراسة المبادرات المقترحة وإمكانية تطبيقها".
وما يجعل "ملتقى المرجعيات العراقية" أكبر من مجرد لقاء بين مجموعة من علماء الدين، عدة عوامل، لعل أهمها:
• تبني "رابطة العالم الإسلامي" للملتقى، ورعاية أمينها العام د.محمد العيسى له بشكل مباشر، وحرصه على أن يضم شخصيات لها صدقيتها في المجتمع العراقي، وتمثل شرائح مختلفة. وتنظيم هكذا لقاء ضمن مؤسسة "دولية"، يشير إلى أن "الرابطة" يهمها شأن العراق، ورعاية السلم الأهلي والديني فيه، وإبعاده عن خطر الانزلاق ثانية في صراعات طائفية مسلحة بين السنة والشيعة.
• هذا الموقف من "رابطة العالم الإسلامي"، ترجمه بوضوح د.محمد العيسى في كلمته، التي جاءت مباشرة في تأكيدها على أنه "ليس بين السنة والشيعة إلا التفاهم الأخوي والتعاون والتكامل"، مع تشديده على "استيعاب الخصوصية المذهبية لكل منهم في دائرة دينهم الواحد". وهو بذلك يضع حداً لجدل كلامي دام قروناً حول من هو "المسلم"، حاسماً ذلك بأن الجميع سنة وشيعة هم في دائرة المسلمين.
العيسى ذهب إلى أبعد من ذلك، عندما اعتبر أن "الطائفية ليست من هدي الإسلام في شيء"، محذراً من الانزلاق في "متاهات التكفير والصدام والصراع".
• الشخصيات التي شاركت من حوزة "النجف"، جاءت هي الأخرى في حديثها منسجمة مع أهداف "الملتقى". ولعل أبرز المتحدثين كان محمد علي بحر العلوم، وهو عالم دين يُدرس "البحث الخارج"، وأحد أساتذتها البارزين، وصاحب رأي فقهي، فضلاً عن علاقاته الحسنة مع المرجعيات الدينية الكبرى في حوزة "النجف".
محمد علي بحر العلوم، شدد على مسؤولية علماء الدين في السعي لتثبيت الحقوق والاحترام المتبادل، موضحاً أن "التعددية المذهبية والعرقية في مجتمعنا تحتاج إلى معالجات اجتماعية سلوكية، على قاعدة التعايش السلمي بين الأفراد، لا على قاعدة التغلب".
رفض بحر العلوم لـ"قاعدة الغلبة" تشير بوضوح إلى إيمانه بأن الدولة هي كيان لجميع مواطنيها، وأنه لا يصح أن تستأثر بها جماعة مذهبية أو عرقية حتى لو شكلت الغالبية في تلك الدولة، بل إن "التعايش السلمي" هو الأساس، وفي ذلك تطور في النظرة الفقهية نحو منظومة الحقوق المدنية للمواطنين، تتجاوز تصنيفات المدونات القديمة.
كما أن انعقاد "ملتقى المرجعيات العراقية" في مكة المكرمة، فيه بعدُ رمزي يشير إلى العودة إلى "الكلمة السواء"، وإلى "القبلة" التي يتجه صوبها المسلمون سنة وشيعة؛ وعليه فإن ترسيخ المشتركات مقدمٌ على التباينات. وبالتالي فإن ما تم نقاشه في مكة سيكون ليس مجرد أحاديث في مؤتمر شكلاني، وإنما "خريطة طريق" يجب العمل على البدء في تطبيق مشاريعها المستقبلية، والمكان هنا يحضر كـ"شاهد" على مدى التزام المشاركين بما تحدثوا به في رحاب "بيت الله الحرام".
المشاركون القادمون من العراق، قد لا يكونون هم رأس هرم المرجعيات الدينية، إلا أنهم بالتأكيد قيادات دينية وأكاديمية لها تأثيرها واحترامها في بيئات متنوعة سنية وشيعية، عربية وكردية. يضافُ لذلك أن هذه الخطوة تحظى بمباركة جهات عدة، في مقدمها "الحكومة العراقية"، وأيضاً الأوساط العلمية في "النجف"، إضافة لتأييد قطاع واسع من الشارع العام العراقي ومثقفيه وأكاديمييه، لخطوات من شأنها أن تخفف من "الاحتقان الطائفي"، أي أن هنالك حاضنة رسمية ودينية وشعبية مؤيدة للأهداف التي من أجلها عُقد "الملتقى".
إرادة سعودية لمساعدة الشعب العراقي
احتضان السعودية لـ"الملتقى"، ورعايته من قبل الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يمنح الخطوة غطاء سياسياً، وأن هنالك "إرادة عُليا" من الدولة السعودية تجاه مساعدة الشعب العراقي، وأيضاً جدية واضحة في محاربة الطائفية والكراهية الدينية.
وقوف القيادة السياسية السعودية مساندة لـ"إخراج العراق من أتون الصراع الطائفي"، و"الحفاظ على السلم الأهلي"، رسائل تتجاوز الجمهورية العراقية إلى منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، مفادها أن السعودية كدولة لن تكون إلا منطقة التقاء لـ"العقلاء"، وأنها تعمل على محاربة خطابات التطرف، وهي تريد أن يكون "الاعتدال" هو السائد في العلاقة بين الشعوب على اختلاف ثقافاتها ومعتقداتها.