أيمن شكل

حذّر رجال دين من استخدام التباعد الاجتماعي ذريعة لقطع الرحم وهجران الأهل وخاصة الآباء والأمهات، وقالوا إن وسائل التواصل الاجتماعي يسرت أمر صلة الرحم كثيراً في زمن كورونا، لكن يجب معها مضاعفة الاتصال وصلة الأرحام وخاصة مع كبار السن الأكثر حاجة للتواصل معهم.

وقال الشيخ إبراهيم الحادي: «إن المسلم في الأزمان الطبيعية مأمور بصلة الرحم وبر الوالدين، منوهاً إلى قوله تعالى في سورة لقمان: «ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير. وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون»».

وأشار الحادي إلى أن في زمن الجوائح يجب أن يستمر البر وصلة الرحم بسبل وطرائق غير المتبعة في الوضع الطبيعي؛ فقد تكون الاتصالات الهاتفية أو وسائل التواصل، وكذلك الزيارات لكن مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي وأن تكون قصيرة في زمنها حفاظاً على صحة وسلامة الأهل، وقال: «يمكن للمسلم أن يصل رحمه ولكن دون المصافحة والقبلات ويكتفي بالرؤية والسلام، ويجب ألا تنقطع الصلة بين الأقارب، بل يسأل بعضهم عن صحة بعض وأحوالهم وربما أصيب أحدهم فيحتاج للدعاء والمساعدة».

وأوضح الشيخ الحادي أن زيارات المرضى في المستشفيات أصبحت محدودة في ظل جائحة كورونا، ولذلك وجب أن يتواصل الأهل وذوو الأرحام بالطرائق المناسبة والمتاحة، وقال: «لا ينبغي لأحد أن يهجر أقاربه وأرحامه بحجة الجوائح والأمراض، لقوله تعالى: «وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم»، وعلى الرغم من وجود ما يمنع التواصل الجسدي والاجتماعات، فإن وسائل التواصل الاجتماعي حلت محل ذلك ولو مؤقتا».

كما أشار الشيخ الحادي إلى أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يزور المرضى ويعودهم، أما الذين يصابون بأمراض معدية فكان الرسول يرسل إليهم السلام، لافتاً إلى حادثة وفد ثقيف الذين جاؤوا إلى الرسول وكان بينهم رجل مجذوم، وأراد أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه على الإسلام والجهاد، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: إنا قد بايعناك.

وشدد على فوائد التواصل والتراحم قائلاً: «إنه يخفف عن كبار السن ويدرأ عنهم الدخول في أمراض نفسية وهواجس، كما يجب ألا يترك من فقدوا أحبابهم بسبب جائحة كورونا بمفردهم يعانون، لأنهم الأجدر بالدعم والمساندة والتلطف والزيارة».

من جانبه أكد الشيخ هشام الرميثي أن السنة النبوية الشريفة تحفل بالأحاديث الدالة على صلة الرحم وعظم أجرها، منوهاً إلى الحديث الشريف عن عائشة رضي الله عنها أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرحم شجنة متمسكة بالعرش، تكلم بلسان ذلق: اللهم صل من وصلني، واقطع من قطعني. فيقول الله تبارك وتعالى: أنا الرحمن الرحيم، وإني شققت للرحم من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن بتكها بتكته»، وكذلك الحديث القائل: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليصل رحمه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت».

كما أوضح الشيخ الرميثي أن صلة الرحم وزيارة الأقارب سبب في البركة وزيادة الرزق وطول عمر الإنسان، وفي أن يكون محبوباً ويوفقه الله في الدنيا والآخرة، لافتاً إلى قوله تعالى: «وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم» وكذلك الحديث النبوي الشريف: «من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه»، وقال: «لا يخفى على أحد أن صلة الرحم هي سر تميز المسلمين عن غيرهم من الديانات، ولذلك استمرت المجتمعات الإسلامية متماسكة بفضل صلة الرحم».

وفي الوقت ذاته شدد الشيخ الرميثي على أهمية اتباع التدابير الاحترازية التي أقرها الفريق الطبي لمكافحة فيروس كورونا، أخذاً بالقاعدة الشرعية «لا ضرر ولا ضرار»، مشيراً إلى الوسائل الحديثة العديدة المتاحة للتواصل مع الأهل والوالدين، وخاصة أنها وفرت كذلك الاتصال المرئي، وحتى لا تتسبب التدابير الاحترازية في حدوث جفوة بين الأهل، مبيناً أن صلة الرحم لا يجب أن تكون سبباً في وقوع ضرر على الوالدين، وقال إن انعدام صلة الرحم تزول بزوال الجائحة وأسبابها.

من جهته حذر الشيخ عمر مهند من قطع الأرحام، مؤكداً وجوب صلة الرحم على المسلم لقوله تعالى: «واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً»، وإلى الحديث الشريف في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله»، كما بين فضل صلة الرحم بأنها تزيد في العمر وتبارك في الرزق، كما ورد في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه».

وقال الشيخ مهند: «للأسف كثير منا مقصرون في صلة الرحم حتى قبل كورونا، وقد جاءت الجائحة لتلقي مزيداً من الأسى على الأرحام الواجب صلتها، وانشغلنا عنها بسبب مشاغل الدنيا، وحين خرجت التوصيات بتفعيل التباعد الاجتماعي، وجد الكثيرون فيها فرصة للتكاسل عن صلة الأرحام، بينما أتيحت لنا الوسائل المتنوعة لكي نبقى محافظين على التواد والتراحم بين الأهل والأقارب، وتساءل: «لو فقدت نعمة الوالدين فماذا ستفعل وخاصة أنه لا عوض لهما في الدنيا، ونسأل الله أن يجمعنا بهم في الآخرة».

وأكد الشيخ عمر أن صلة الرحم سبب التوفيق في هذه الدنيا، وليست مقصورة على الآباء والأمهات، بل أيضاً على أصدقاء الأب بعد وفاته كما كان يفعل الصحابة، وأوضح: «إن لصلة الرحم صوراً كثيرة ولا تقتصر على الزيارة والسلام، بل تتعدى إلى مراعاة احتياجات الوالدين، والفقراء من الأقارب».

لكنه نوه إلى ضرورة الالتزام بالإجراءات الاحترازية حفظاً للنفس، لافتاً إلى مقاصد الشريعة والضروريات الخمس، وهي: النفس والمال والعرض والدين والعقل، وقال: «ما لا يدرك كله لا يترك جله» فيمكن التعرف على أخبار الأقارب وخاصة الوالدين وإيصال الخير إليهم بشتى الطرق المتاحة، ولو كان أحد الأقارب بحاجة للمال وكان المسلم متمكناً فمن الواجب مساعدته بحسب الاستطاعة».