مما لا شك فيه أن مساحة استخدام اللغة العربية الفصحى قد اضمحلت بين شباب هذا العصر، واستبدلوها باللغة المحكية تارةً وباللغة الإنجليزية تارةً أخرى، حتى تم اعتبار العربية الفصحى جزءاً من كتب التاريخ، وقد عفا عليها الدهر.
قد ساهمت العديد من العوامل في ترسيخ هذا المعتقد لدى الشباب، من أهمها السينما والتلفزيون والمؤلفات، فأصبح نادراً أن نرى عملاً سينمائياً أو تلفازياً يستخدم الفصحى لغةً له، بل امتد الأمر لأبعد من ذلك حتى أصبح الكتّاب يكتبون مؤلفاتهم باللغة المحكية، وتبريرهم أنها أقرب للشباب، والفصحى لا تسعهم في التعبير عن مرادهم بالشكل الذي يريدون، ولكنهم لم ينتبهوا أنهم بهذه الطريقة يبعدون الشباب عن الفصحى أكثر فأكثر، والزعم بأنها لا تسعهم في التعبير لا يمكن قبوله، فالفصحى تحوي على أكثر من اثني عشر مليون كلمة، وتناولت حتى أدق التفاصيل، وإن عرضنا مثال الطعام وتصنيفاته فيقال: الوليمة لطعام العرس، والوضيمة لطعام المأتم، والنقيعة لطعام القادم من السفر، والزاد فطعام يتخذ للسفر، وأما طعام الضيف فهو القرى، أما الجوع فيحتوي على سبعة مراتب، وللنوم عشرة مراتب، والليل والنهار فاثنا عشر مرتبة لكل منهما، فكيف يقال بأن اللغة العربية الفصحى لا تتسع للتعبير؟
ومن البديهي عند الحديث عن اللغة أن نعرج على التقدم العلمي والثقافي الذي طالما حدد اتجاه بوصلة العالم، فعندما تسيد العرب العالم علمياً وثقافياً تسيدت لغتهم كذلك، فكان الغرب الأوروبي يرسل أبناءه للأندلس للتعلم فيعودون لهم وقد أضافوا لقاموسهم بعض المفردات العربية وتعمد وضعها في وسط الحديث لإظهار تقدمهم الثقافي على أقرانهم، ويذكر أن كتاب القانون في الطب لابن سينا تم طباعته في روما بالعربية وتدريسه في جامعة سالرنو الإيطالية باللغة العربية أيضاً، وما أشبه اليوم بالبارحة ولكن قد تحولت البوصلة وانقلب الميزان والعرب هم من تخلفوا عن الركب، فبات الشباب العربي هو من يدس المفردات الأجنبية في حديثه ويدرس بلغة ليست بلغته.
وانطلاقاً مما سلف، يعد خلط المفردات الأجنبية بالكلم العربي أحد الظواهر المنتشرة بين الشباب في وقتنا الحالي، ولكن ما يغيب عن هؤلاء الشباب هي كمية المصطلحات الأجنبية التي أخذت وحورت من اللغة العربية، ونذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر، فكلمة "أميرال" في الفرنسية و"أدميرال" في الإنجليزية التي تعني قائد السفينة الحربية هي في أصلها "أمير البحار"، وكلمة "صوفا" أي الأريكة فهي تحوير لكلمة " ُصفّة"، و"سيروب" أخذت من كلمة "شراب"، أما السكر فقد أخذها العالم أجمع عن اللغة العربية وكأنهم لم يعرفوه حتى قدمه العرب إليهم، فقال الإنجليز "شوكر"، والفرنسيين " ُسوكر"، أما الألمان فقالوا "ت ُسوكر"، والإسبان "آثوكر"، ويذكر لنا المتخصصون في اللغويات أن اللغة الإنجليزية لوحدها لاتزال تحتوي على أكثر من أربعمائة كلمة من أصل عربي.
خلاصة القول: يؤسفني القول بأن اللغة العربية لم تعد ذات أولوية بسبب العوامل التي ذكرت والعوامل الأخرى التي لم أذكر كالمناهج الدراسية وأساليب التدريس التقليدية، واستخدام أولياء الأمور للغات أجنبية مع أبنائهم عوضاً عن اللغة العربية، ولكن تلوح في الأفق بعض بوادر الأمل في وسط هذه السلبيات كلها، كاهتمام بعض الشباب في اللغة، والتعاطي معها سواء في المجال الفني والأدبي، فنرجو أن تكون هذه بداية عودتها لمكانتها وبالتالي عودة أهلها.
محمد درويش
قد ساهمت العديد من العوامل في ترسيخ هذا المعتقد لدى الشباب، من أهمها السينما والتلفزيون والمؤلفات، فأصبح نادراً أن نرى عملاً سينمائياً أو تلفازياً يستخدم الفصحى لغةً له، بل امتد الأمر لأبعد من ذلك حتى أصبح الكتّاب يكتبون مؤلفاتهم باللغة المحكية، وتبريرهم أنها أقرب للشباب، والفصحى لا تسعهم في التعبير عن مرادهم بالشكل الذي يريدون، ولكنهم لم ينتبهوا أنهم بهذه الطريقة يبعدون الشباب عن الفصحى أكثر فأكثر، والزعم بأنها لا تسعهم في التعبير لا يمكن قبوله، فالفصحى تحوي على أكثر من اثني عشر مليون كلمة، وتناولت حتى أدق التفاصيل، وإن عرضنا مثال الطعام وتصنيفاته فيقال: الوليمة لطعام العرس، والوضيمة لطعام المأتم، والنقيعة لطعام القادم من السفر، والزاد فطعام يتخذ للسفر، وأما طعام الضيف فهو القرى، أما الجوع فيحتوي على سبعة مراتب، وللنوم عشرة مراتب، والليل والنهار فاثنا عشر مرتبة لكل منهما، فكيف يقال بأن اللغة العربية الفصحى لا تتسع للتعبير؟
ومن البديهي عند الحديث عن اللغة أن نعرج على التقدم العلمي والثقافي الذي طالما حدد اتجاه بوصلة العالم، فعندما تسيد العرب العالم علمياً وثقافياً تسيدت لغتهم كذلك، فكان الغرب الأوروبي يرسل أبناءه للأندلس للتعلم فيعودون لهم وقد أضافوا لقاموسهم بعض المفردات العربية وتعمد وضعها في وسط الحديث لإظهار تقدمهم الثقافي على أقرانهم، ويذكر أن كتاب القانون في الطب لابن سينا تم طباعته في روما بالعربية وتدريسه في جامعة سالرنو الإيطالية باللغة العربية أيضاً، وما أشبه اليوم بالبارحة ولكن قد تحولت البوصلة وانقلب الميزان والعرب هم من تخلفوا عن الركب، فبات الشباب العربي هو من يدس المفردات الأجنبية في حديثه ويدرس بلغة ليست بلغته.
وانطلاقاً مما سلف، يعد خلط المفردات الأجنبية بالكلم العربي أحد الظواهر المنتشرة بين الشباب في وقتنا الحالي، ولكن ما يغيب عن هؤلاء الشباب هي كمية المصطلحات الأجنبية التي أخذت وحورت من اللغة العربية، ونذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر، فكلمة "أميرال" في الفرنسية و"أدميرال" في الإنجليزية التي تعني قائد السفينة الحربية هي في أصلها "أمير البحار"، وكلمة "صوفا" أي الأريكة فهي تحوير لكلمة " ُصفّة"، و"سيروب" أخذت من كلمة "شراب"، أما السكر فقد أخذها العالم أجمع عن اللغة العربية وكأنهم لم يعرفوه حتى قدمه العرب إليهم، فقال الإنجليز "شوكر"، والفرنسيين " ُسوكر"، أما الألمان فقالوا "ت ُسوكر"، والإسبان "آثوكر"، ويذكر لنا المتخصصون في اللغويات أن اللغة الإنجليزية لوحدها لاتزال تحتوي على أكثر من أربعمائة كلمة من أصل عربي.
خلاصة القول: يؤسفني القول بأن اللغة العربية لم تعد ذات أولوية بسبب العوامل التي ذكرت والعوامل الأخرى التي لم أذكر كالمناهج الدراسية وأساليب التدريس التقليدية، واستخدام أولياء الأمور للغات أجنبية مع أبنائهم عوضاً عن اللغة العربية، ولكن تلوح في الأفق بعض بوادر الأمل في وسط هذه السلبيات كلها، كاهتمام بعض الشباب في اللغة، والتعاطي معها سواء في المجال الفني والأدبي، فنرجو أن تكون هذه بداية عودتها لمكانتها وبالتالي عودة أهلها.
محمد درويش