- والدي رفض عملي بشركتنا وأصر على اكتسابي الخبرة من الخارج- كنت مسؤولاً عن 4 أقسام كبيرة في بداية عملي بشركة يوسف كانو- أهوى ركوب الخيل واقتناءه وأستمع للموسيقى الكلاسيكية- 200 دينار قيمة أول راتب لي استلمته من "بابكو"- مصروفي اليومي يتراوح بين 30 و 50 ديناراً- أنصح الراغبين بالاستثمار بالدراسة أو أخذ رأي ذي الخبرة- الابتعاد عن الحديث السياسي غير المفيد وراء استمرار الشركة 6 أجيال متتاليةأجرى الحوار: حسن الستري وسماهر سيفأعدته للنشر: سماهر سيف اليزلتعلم معنى الإصرار وتحدى الصعاب ومواصلة العمل لتحقيق النجاح منذ صغره، آمن بأنه لا يوجد مستحيل وأن كل الأعمال تنجز وكل المشاكل تحل، وكان ومازال يواجه كل المواقف والظروف والتحديات.بهذه الجملة، لخص فوزي أحمد كانو نائب رئيس مجلس إدارة شركة يوسف بن أحمد كانو، مسيرة حياته، حيث يقول "كنت مسؤولاً عن 4 أقسام كبيرة في بداية عملي وأهوى ركوب الخيل واقتناءه واستمع للموسيقى الكلاسيكية..وتسلمت 200 دينار أول راتب لي من "بابكو" وتراوح مصروفي اليومي بين 30-50 ديناراً"، ناصحاً الراغبين بالاستثمار بالدراسة أو أخذ رأي ذوي الخبرة.وقال كانو: إن "والدي رفض عملي بشركتنا وأصر على اكتسابي الخبرة من الخارج"، مشيراً إلى أنه لا يوجد مستحيل فكل الأعمال تُنجز وكل المشاكل لها حل.ويسير فوزي كانو على خطى والده أحمد كانو وعمه عبدالله كانو، اللذين تعلم منهما كل ما يتسم به إلى الآن، صاحب اليد الخضراء الممتدة لعمل الخير كما هو معهود عمن سبقوه، مرهف القلب شجي المشاعر متواضع الخصال قوي الشخصية، صاحب الخبرة الممتدة والعريقة.فوزي كانو، أحد أبناء أعرق وأكبر الشركات العائلية المستقلة في منطقة الشرق الأوسط "شركة يوسف بن أحمد كانو"، والتي تأسست في العام 1890 واحتفلت بذكرى تأسيسها الـ130، وامتدت لتصل إلى شمال أفريقيا وأوروبا وآسيا.وفي لقاء خاص بعيداً عن عالم الأعمال، تناولت "الوطن" الوجه الآخر من شخصيته، وخاضت في تفاصيل مسيرته الحياتية، تغلغلت في ذكريات طفولته وشبابه، واسترجعت معه أبرز المواقف المؤثرة والملهمة التي أسهمت في صقله، واستعرضت أهم محطات حياته، وفيما يلي نص اللقاء:"الوطن": حدثنا عن طفولتك ومراحل دراستك وبدايتك في العمل التجاري؟- ولدت في مدينة المنامة، بتاريخ 11 سبتمبر 1948، في البيت العود "فريج كانو"، ودرست المراحل التعليمية الأولية من الابتدائية وحتى الثانوية في البحرين ومن ثم سافرت إلى إنجلترا لمدة سنة ونصف للدراسة في مدرسة "ملفيلد" الداخلية لتعلم اللغة والانضباط، والاستعداد للدراسة الجامعية، برغبة من والدي، ومن ثم اتجهت إلى أمريكا لمدينة سان ماركوس بالتحديد بولاية تكساس، واخترت إحدى الجامعات التي تخرج منها "لندن جونسون" أحد رؤساء أمريكا السابقين، وتخصصت في إدارة الأعمال وتخرجت بعد أربع سنوات وعدت إلى البحرين.وبعد أسبوع استدعاني الوالد ليسألني عن المكان الذي أرغب أن أعمل به فقلت له إنني سأعمل في الشركة، فأجابني "لا نوظف أحداً لا يعرف الشغل"، اذهب للعمل خارجاً واكتسب الخبرة وتعلم خصوصاً أن العمل في الخارج لن يكون به محسوبية ولن تعامل معاملة خاصة، وفعلاً سافرت وعندما طلبت منه العمل في القطاع الحكومي، رفض قائلاً: إن "الجلوس على مقعد العمل في هذا الوقت قد يصيبك بالغرور، ولهذا لا أريدك أن تعمل في شركة حكومية، فطلب مني إما أن أختار أن أعمل في ألبا، أو بابكو، فاخترت الذهاب إلى شركة نفط البحرين "بابكو"، وكان هذا في العام 1975.عملت في بابكو لمدة سنتين، ونفذت برنامجاً تدريبياً مكثفاً في غالبية أقسام وإدارات الشركة، وبعد أن أنهيت البرنامج التدريبي في بابكو، عدت إلى شركة يوسف بن أحمد كانو، وتم إرسالي إلى مختلف مدن الخليج للعمل في مكاتب الشركة لمدة سنتين كذلك، ومن ثم عدت إلى البحرين، وأسست قسماً للعلاقات العامة في العام 1978، وبدأ مكتب العلاقات العامة التابع للشركة عمله في البحرين، وكنت ألتقي المسؤولين بشكل شبه يومي، وكنت أحرص على بناء العلاقات الطيبة والسعي لتنمية الأعمال وكانت مهمات الوزارات والهيئات الحكومية أقل تعقيداً مما هي عليه اليوم.وقد انتهجت هذه الفلسفة مع أبنائي، حيث حرصت على أن يكملوا دراستهم في الخارج وأن يكتسبوا الخبرات العملية في مختلف القطاعات قبل عملهم في الشركة، لأن من يعمل في شركة عائلته سيجد كل الأبواب مفتوحة له، والجميع في الشركة يقدم له المساعدة، وهو الأمر الذي سينعكس بالسلب على اكتساب المهارات والخبرات الأساسية. وهي نظرتي لموضوع التدريب واكتساب الخبرات العملية."الوطن": في بداية الثمانينات كنت مسؤولاً عن 4 أقسام للشركة ومتابعاً للأعمال في الخليج.. كيف كنت تنظم وقتك وأين هي حياتك الشخصية من كل ذلك؟- في هذه الفترة كنت حديث الزواج، ولم يكن جسر الملك فهد قد بني بعد، وكنت مسؤولاً بشكل فردي عن أربعة أو خمسة من أكبر أقسام الشركة، وهي مناولة الطائرات، ومسؤول عن السفريات، وعن البواخر، وعن اللوجستيك، وكنت مقيماً في السعودية، وأحضر إلى البحرين في نهاية الأسبوع لقضاء الوقت مع العائلة، وأعود للسفر من جديد بداية الأسبوع والتنقل بين مدن السعودية والإمارات وعمان، وكانت روح الشباب متقدة بداخلي، وكنت في تلك الفترة أسعى لإثبات نفسي لذلك كنت أحرص على أن أكون على قدر من المسؤولية والاجتهاد في العمل."الوطن": نعود لتجربتك في "بابكو"..كم كان أول معاش استلمته في ذلك الوقت؟- تقاضيت ما يزيد عن 200 دينار كمعاش في فترة عملي في "بابكو" التي استمرت من سنة 1975- 1977، وتلك التجربة كانت من المراحل التي لا تنسى في حياتي، حيث إن البرنامج التدريبي الذي خضته أعد من قبل "امتياز سرواني"، وكانت بابكو مدرسة مليئة بالخبرات البحرينية، ومعظم من كانوا يتخرجون منها وصلوا إلى مراكز رفيعة في البحرين، وتعلمت من الدكتور عبدالحسين ميرزا، والدكتور حسن فخرو، لدى عملهما بالشركة وظلت علاقتي وطيدة بهما حتى اليوم."الوطن": أبرز الدروس الحياتية والعملية التي تعلمتها من والدك المرحوم أحمد كانو وعمك عبدالله كانو كونهما أكثر الشخصيات المؤثرة في حياتك؟- بعيون ملؤها الدموع، وبغصة أوقفته عن الحديث لثوانٍ، قال فوزي أحمد كانو واصفاً والده وعمه رحمة الله عليهما: "والدي كان شديداً وعمي كان أشد منه، اتصف والدي بالمساواة في التعامل بين الكل، ولم يكن يفرق بين أبنائه وأبناء العائلة، فإذا أحضر هدية لي أحضر لأبناء أعمامي كذلك، وكانت هذه طريقته في التعامل، عرف عنه أنه "إنسان حقاني"، تعلمت منه الحزم وعدم اتخاذ القرارات الكبيرة قبل التريث والانتظار، كان مدرسة بالنسبة لي، وكان كريماً معطاءً، كان والدي رحيماً، اتبع خطى جده يوسف بن أحمد كانو ونفذ وصيته وهي "مساعدة الناس، وحب الوطن، وابقوا أولياء لحكام أمركم، لا تظلموا أبناءكم واهتموا بهم وأحسنوا نشأتهم"".ومن أبرز المواقف التي أذكرها لعمي عبدالله كانو رحمه الله، عندما كنت أعمل في رأس تنورة في بداية الثمانينات، كان لدينا مكتب كبير يعمل في مجال البواخر. كنت أذهب للعمل صباحاً وأعود منه مساءً، لدى عودتي وأنا أقود سيارتي تعطلت إحدى العجلات، فتركت السيارة وأخذت سيارة تاكسي، ورجعت للمنزل.وعلى مائدة العشاء لاحظ هو عدم وجود السيارة فسأل عنها فأخبرته بما حدث، فطلب مني النهوض فوراً عن العشاء والذهاب لإصلاح السيارة أولاً ثم العودة لتناول العشاء، وفعلت ذلك ولكن عندما عدت لم أجد العشاء ونمت بلا عشاء في تلك الليلة، ورغم شدته في التعامل إلا أنني تعلمت منه أن الإنسان إذا أراد شيئاً سعى له دون توقف إلى أن يحصل عليه، وأن الرجال تقف في مواجهة المصاعب والتحديات."الوطن": هل انتهجت طريقة والدك وعمك في تربية أبنائك؟- نعم، ولكن كان لاختلاف الأجيال الأثر الكبير، وكذلك اختلاف الأوضاع بين الماضي والحاضر، مارست الشدة حيناً واللين حيناً آخر، وسعيت لغرس القيم الأساسية بهم والحمد لله."الوطن": السر وراء استمرار الشركة لستة أجيال متتالية؟السر يكمن في طريقة التربية، التي نتمنى أن تظل وتستمر، طريقة التربية وطريقة الاحترام، وشكر الغير وتقدير الجهود المقدمة منهم أياً كانت، والابتعاد عن الحديث السياسي غير المفيد، واحترام ولي الأمر والكبير والعطف على الصغير، بالإضافة إلى التماسك الديني، وأداء الواجب الديني والواجب الحياتي.ونولي المسؤوليات للأبناء، ويتم توزيعهم على الأقسام للاستثمار بها، للإلمام بالعمل، وتحديث العمل وقفاً لتغيرات المجالات المختلفة، وتجديد الأفكار، بالإضافة إلى استقطاب الاستثمارات، ولم يطلب أحد الانفصال، فمنذ أيام والدي كان يمنع العمل في غير العمل المكتبي داخل الشركة، وكان يسمح بالاستثمار، ويمانع من إنشاء شركة منافسة أو خاصة بك، خصوصاً وأن الشركة تكفلك -من وإلى- وتوفر لك كل متطلباتك ومصاريفك، لذلك كان يرفض العمل خارجاً لعدم التشتت."الوطن": لنخرج قليلاً عن ذكريات العمل، ما هي هواياتك وهل أنت من محبي الموسيقى والفن؟ وما هو روتينك اليومي؟- نعم أحب الفن، وأسمع الموسيقى وأحب الأغنية كأغنية وليس الفنان، أستمع للموسيقى الكلاسيكية، وهوايتي المفضلة هي ركوب الخيل وتربيته، ولي الفخر بأنني كنت أول رئيس لاتحاد الفروسية في البحرين وتم تعييني حينها من قبل عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، وفي الوقت الحالي أمارس السباحة ورياضة المشي، أبدأ يومي بعد صلاة الفجر وتناول وجبة الإفطار، والتوجه للعمل في الثامنة صباحاً وحتى الثانية ظهراً، ومن ثم أعود لتناول الغداء في البيت وأخذ قسط من الراحة، وأجتمع مع مجموعة من الأصدقاء كل أربعاء، وأنا من النوع الذي يترك العمل خلفه بعد مفارقة المكتب ولا أعذب نفسي بالتفكير المستمر بالعمل، وأستمتع بيومي."الوطن": ما هو أحب القطاعات التجارية إلى قلبك؟- قطاع البواخر، والشحن، فقد كنت أسافر مع المناديب كممثل للعائلة، وتعلمت خلال عملي بهذا القسم الكثير وكونت العديد من العلاقات لذلك هو القسم الأقرب إلي حتى اليوم."الوطن": موقف مؤثر تعرضت له وكان درساً لك لا تنساه حتى اليومفي سن الخامسة عشر كنت في رحلة إلى لبنان مع العائلة، وفي طريق عودتنا إلى مملكة البحرين واجهت مشكلة في الوزن الزائد للحقائب التي كانت بحوزتنا، وكنت الرجل الوحيد مع عدد من نساء العائلة، وكان لزاماً أن ندفع 100 دولار، لم يكن بحوزتي في وقتها، وبالصدفة التقيت حضرة صاحب الجلالة الملك المفدى عندما كان ولياً للعهد مع عمي عبدالله كانو رحمه الله، فأخذت عمي جانباً وشرحت له الموقف وطلبت منه المساعدة فقال لي "أنت مسؤول عنهم.. تصرّف" وسار تاركاً إياي خلفه.وبعد التفكير استوعبت أننا الوكيل المعتمد لشركة الطيران، وحينها طلبت من الشركة التكفل بدفع المبلغ بعد الوصول للبحرين، وكان هذا من أكثر المواقف التي تعلمت منها، ولم يسألني عمي إلى يوم وفاته عن كيفية تصرّفي وخروجي من هذا الموقف."الوطن" حدثنا عن علاقتك مع جلالة الملك المفدى؟- كنا زملاء في المدرسة، ومن أول ما عرفته وإلى اليوم وهو إنسان طيب، يحب الناس، ويحب بلاده، يسعى لرفعة شأن بلادة، وبعد أن توليت شؤون اتحاد الخيل والفروسية كنا نجتمع سوياً ويسألني عن تفاصيل الخيل، لاهتمامه به، وكل من عرفه سيجزم على طيبته وإنسانيته وكبر قلبه."الوطن": ما هي علاقتك بالعمل الخيري؟- كانت إحدى وصايا جدي يوسف بن أحمد كانو الاهتمام بالعمل الخيري، التي سارت بين أجيال العائلة، ومنذ ستينات القرن بدأت الشركة بالبناء في العمل الخيري ببناء مدرسة التمريض، ومن ثم تشييد الجوامع، ومن ثم اتجهوا للمستشفيات وتخليد ذكرى المتوفين، وبأمر من جلالة الملك المفدى تم إنشاء مستشفى بمنطقة سترة "النويدرات" باسم المرحوم أحمد كانو، وغيرها من المنشآت الاجتماعية والصالات، ومن أبرز المشاريع المستقبلية "مركز مبارك كانو للحرف اليدوية ومتحف عائلة كانو"."الوطن": كم مصروفك الشخصي؟الشركة تمول كل شيء، بمصروف سنوي لكل فرد يشمل أكله ومصاريفه وسفره، وفيما يتعلق بمصروفي خلال اليوم الواحد فهو يتراوح بين 30 إلى 50 ديناراً، أما مصاريف السفر فتكون عالية."الوطن": ما هي أحبّ البلدان إلى قلبك للسفر؟أحب أمريكا، بالتحديد نيويورك، أحب لندن، وتايلند، ومدينة دزلدوف في ألمانيا."الوطن": ما هي نصيحتك للراغب بالاستثمار في الوقت الحالي؟- الدراسة أو أخذ رأي ذوي الخبرة، والاستثمار واجب، وعلى الإنسان أن يكون ذا طموح وأن يسعى للارتقاء من مركز إلى مركز أعلى، كما أنصح المستثمرين الجدد بالموازنة بين المصروف والمدخول، وعدم الانسياق وراء المظاهر وأن يكون مصروفه أعلى من دخله فقط من أجل المظاهر أو من أجل نظرة المجتمع، والتريث في الاستثمار وقت الجائحة.