أصبحت النظرة إلى الاكتئاب أكثر تحديداً مع تقدم العلم، فبعض الدول تصنفه على أنه إعاقة واجب التعامل معها برحمة، وتقديم الدعم الواجب للمريض حتى يتخلص من القصور الذي يعوقه في أداء واجباته الشخصية والمجتمعية، ودول أخرى تستخف بما يجيش في نفس المكتئبين، والأصعب أن بعض مرضى الاكتئاب يتعرضون للتنمر، وأحياناً يصل الجهل حداً كبيراً فيتم وصمهم بالجنون.

لقد صنفت منظمة الصحة العالمية بعض الأمراض النفسية مثل الاكتئاب وانفصام الشخصية ضمن الإعاقات الواجب تقديم الدعم لها، فيجب أن تتغير نظرة المجتمع إلى أصحاب المرض النفسي وخصوصاً الاكتئاب؛ فقصور الوعي بالأبعاد النفسية التي يتعرض لها هؤلاء المرضى تؤدي إلى تفاقم مشكلاتهم.

هل تعلمون أن بعض أنواع الاكتئاب وراثية، فقد أثبت العلم أن الاكتئاب ليس مجرد أفكار سلبية تدور في ذهن صاحبها فقط، فعند تصوير أدمغة الأشخاص المصابين بمرض الاكتئاب بالتقنيات المتطورة وجدوا تغيرات فيزيائية، ومع تقدم العلم والدراسات الحديثة وتتبع تاريخ المصابين، اكتشفوا العديد من المسببات التي لم تكن في الحسبان سابقاً.

وفي جميع الأزمات نحتاج لدعم المقربين، وليس هناك أهم من الأسرة، وشركاء الحياة لمساعدة مريض الاكتئاب للخروج من عزلته ومساعدته للبوح بما يؤرقه.

الحياة تزداد صعوبة يوماً بعد آخر، والكلمة الطيبة واستيعاب الآخر يجعلان الحياة أكثر تقبلاً، ويساعدان الناس على تجاوز المحن.

تعايش مريض الاكتئاب مع المجتمع يحتاج إلى أن يتخلص من شعوره بالخوف من التحدث مع الآخرين، فيجب أن يتم تدريبه مع متخصصين للتعبير عن مشاعره وبناء جسور الثقة مع محيطه بعد ذلك مع أسرته.

بعض الأشخاص ينصبون أنفسهم قضاة على الآخرين، ويفرضون عليهم أحكاماً بالعزلة والعيش في سجن النفس، فاختلاف البشر وتنوعهم طبيعة بشرية، وقدرتهم على التحمل تختلف من فرد إلى آخر، ولا يجوز أن نصدر أحكاماً عن جهل، وأن نتسلط على عيوب الآخر، فلا يوجد شخص خالٍ من العيوب.

وتعتبر الأم هي جرس الإنذار الأول في الكشف عما يتعرض له أطفالها وخاصةً المراهقين منهم، وقد صدر العديد من التوصيات التي تهتم بالشباب والمراهقين، فلم يعد الاكتئاب عارضاً خاصاً بفئة عمرية معينة، لذا رغم ظروف الحياة المتسارعة يجب أن تلتفت الأمهات إلى التغيرات التي تطرأ على أبنائهن، مثل العزلة المصاحبة للسمنة أو الامتناع عن الأكل، أو العزوف عن الاختلاط بالآخرين، فكلها من أعراض الاكتئاب التي تستلزم التدخل السريع قبل أن يتمكن هذا الوسواس من النفس.

وأيضاً على شريك الحياة أن يكون مراعياً لشريكه وألا يتجاهل أي مؤشر من مؤشرات الاكتئاب، وألا يستخف بأي مشاعر أو أحاسيس قد يعاني منها شريكه، لذا مع تطور العلم، وتحذيرات الأمم المتحدة عن الصحة النفسية، وجب أن يتغير منظورنا إلى الآخر وأن نكون أكثر مراعاة والتماساً للأعذار.

هدى عبدالحميد