عندما تقرأ لهنري تشارلز بوكوفسكي الشاعر والروائي الأمريكي تدرك أن مرارة العالم قد صُبّت بأكملها في داخله، وأنه مهما حاول أن يتخفف منها فهناك المزيد ليسقيه للورق، حيث فاقت مؤلفاته 70 إصداراً تنوعت ما بين دواوين شعر وروايات ومسرحيات وقصص قصيرة.

في طفولته عاش هنري معنفاً مهاناً من قبل والده، وفي المدرسة كان مهمّشاً ومثاراً للسخرية بسبب تعسره في القراءة فتم عزله عن رفاقه. أما في مراهقته فقد أصيب بأسوأ أنواع حب الشباب التي تركت وجهه وذراعيه مشوهان ومحفوران، فآثر الابتعاد عن الناس تجنبا لنظرات الاشمئزاز والشفقة، فعاش معزولاً عنهم، ناقماً عليهم، وعلى الحياة التي لم تنصفه، وهو ما يبرر فظاظته في الكتابة والتعامل كرد فعل دفاعي على ما واجهه.

كانت أول ثورة لهنري ضد اضطهاد والده عندما تعارك معه بعد أن قام بإلقاء آلته الكاتبة في الشارع، ففي ذلك اليوم رحل دون رجعة إلى لوس أنجلوس، وتنقل بين المكتبات مسحوراً بروائع الأدباء والشعراء، وعندما حاول الكتابة قوبل بالرفض من قبل دور النشر فتوقف لمدة عقد كامل.

لعدة مرات حاول الانتحار، لكن الكتابة منعته من الموت عندما وجد الورق الأبيض ينتظره على السرير، فصب سقمه وآلامه في آلاف القصائد ومئات القصص، ووجدها سببا يبقيه حياً.

يعتبر هنري "أعظم شعراء أمريكا" كما لقبه سارتر، وكان بطلاً قومياً اعترفت به أوروبا قبل أمريكا وصار ملهم الشباب الأول بقصائده الشعبية التي يشّرح بها الحياة وهمومها بمنتهى الواقعية والصدق بعبقرية فريدة تكمن في قول أعمق الحكم بأبسط الألفاظ.. مع مقدار من السخرية.

بوكوفسكي عاش حياته محاولاً اقتناص فرص النجاح، رغم اكتئابه وفشله وتهمشيه.. وفي النهاية وعلى غير المتوقع نال ما أراده.

فهل حياتك أسوأ منه حتى لا تحاول؟

أميرة صليبيخ